..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


مقالات منوعة

أربعة لا أحبهم

فداء السيد

١٩ ٢٠١٢ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 2851

أربعة لا أحبهم
56.jpg

شـــــارك المادة

أعلم أن عنوان هذه المقالة فيها شيء من الاستفزاز، فمن ذا الذي يُلقي لما أحب وما لا أحب بالاً، وهل سيترك الناس مشاكلهم ومشاكل أولادهم وأرزاقهم وهمومهم لينشغلوا بالأربعة الذين لا أحبهم، لكن يشاء القدير أن أحدثك عن هؤلاء الأربعة، فاصبر علينا ولا تعجل، واشكر الله أني سأحدثك عن أربعة ولم أنحرف عن جادة العقل لأحدثك عن الرهط الأربعين الذين يغيظونني حد الصياح، ولك أن تتخيل ذلك فقط لتغلق هذه الصفحة حالاً وتتابع مونديال أوروبا فهو أرحم.


يا سيدي هناك أربعة لا أحبهم فدعني أحدثك عنهم، ولست والله أنوي إقناعك بأن تصنع مثلي فأنا رومانسي بطبعي:
أما الأول: فهو الشخص الذي يحمل الشعار القائل: أنا فاضي أشغال إذن أنا ناشط، فلا يكاد يترك صفحة فيسبوك إلا ويعلن فيها جهاده ويحمل عقيرته على كل الصفحات الصغيرة منها والكبيرة، ليعلن مواقفه الحاسمة، ويصدر بياناته التي تشجب وتندب، ويتوعد الدول والممالك والأصقاع بحروب ضروس فيعد عدته و –يُفرمت جهازه- ويغير فأرته (الماوس يعني) مع شحنة ثورية مليئة بالنسكافيه، تشعر حين يحدثك أنه الفتى ودونه خرط القتاد، أما ميدان التويتر فله فيه غزوات عظيمة بين كتابة ستاتوس وردود على ستاتوس، كأنه هارون الرشيد يتوعد نقفور ملك الروم بجيش أوله من على أريكته وآخره حيث يمد رجليه. وليس يُنكر عاقل دور صفحات التواصل الإجتماعي في ثوراتنا، وتعزيز مفهوم صحافة المواطن، أو الصحافة الحرة، ولكن عزيزي هذا لا يعني أنك أصبحت لمجرد مشاركتك في تعليق أو نسخك لخبر أنك أصبحت رئيس تحرير صحيفة، أو محللا سياسياً أو إعلامياً بارزاً، أو ثائراً لا يبُزّك في ثورتك أحد كي تحاربنا بأسلحة غلاظ شداد، وتسلّط علينا لسانك وكيبوردك، فتتمنّن علينا بهذه الساعات التي تقضيها وراء شاشة كمبيوترك، أو أن تُنظّر على العاملين في الساحة، وتنتقد كل تحرك، وتحارب كل فكرة واقتراح، وتُعارض – من أجل الاعتراض ليس إلا – أي شيء وكل شيء لمناسبة وغير مناسبة ليُقال عنك معارض.  أقول لمثل هذا خفّف، رعاك الله.
أمّا الثاني: فهو شخص آتاه الله عِلماً وموهبة وفكراً فسيّر ذلك كله في غير محله، ووضعه في غير موضعه، فصار عوناً للظالم، وبوقاً للفساد، ومنبراً لتبرير القتل والتعذيب، وإذلال الشعوب، ولست تدري كم يُحزنني هذا الصنف من الناس، فهم ليسوا من عامة القوم، ولا دهماؤهم، فنعذرهم بالجهل مرّة، أو الانسياق وراء الإشاعات والإعلام المسيّر مرة أخرى، بل هم مثقفي المجتمع ونخبته وعلماء الأمة – أو هكذا كنا نتصور – وشيوخها ورجالات دينها، هذه الدنيا لا يدوم لها حال، وهذه الدار لا تبقى على أحد، فمن ذا الذي كان يتصور أن عالماً جليلاً يقف من على منبره ليمدح ظالماً، أو يُفتي بقتل شعب يثور ضده، ومن كان يُصدق أن شاعراً حكيماً كان مضرب المثل في قومه، ثم صار أمين سجل النفاق الحكومي، أو مثقفة تُنادي بذبح الأطفال، فهم على حد قولها: إرهابيون لا يختلفون عن آبائهم شيئاً. أقول لمثل هؤلاء – الشبيحة خمس نجوم - جايينكم.
أما الثالث: فهو يا سادة رجل ظنّ لدقائق أن العالم يدور من حوله، وأنه مركز التقاء القوة الباطنة والظاهرة وقوة الجاذبية أيضاً، ولذلك فقط فهو يرى أن من حقه – وحده – أن يهدم ثقافات الناس ومعتقداتهم، منطلقاً من ظنه السابق، أن التحرر من كل عقيدة ودين وفكرة سيجعل منا – معاشر الشرقيين – قوماً أكثر تقدماً وحضارة، وأننا ما تخلفنا وتأخرنا إلا باتّباعنا لديننا وإيماننا المطلق بتراثنا، ولست أفهم هذا العداء الحاد الذي يشّنه هذا الشخص- وغيره كثر- على المخلصين من أبناء الأمة، وعلى منهج هؤلاء في الحياة، فلم يكن ولن يكون منهج الإسلام حجر عثرة في سبيل الرقي والتقدم، وإلا فأتِني بدليل واحد على ذلك، إن التجربة الإسلامية حيثما حلّت وجدتَ خيراً كثيراً، ووجدتَ إقبال الناس عليهم كبير، وانظر إلى الربيع العربي نظرة متجردة لترى اختيارات الجماهير وشعاراتهم وهي تُنبئك بباقي الحكاية. لسنا ضد حق أي شخص باختيار الطريقة التي يحب أن يحيا بها، لكن لا يروق لمن يشنّ حملات التشويه الكاذبة على عقيدة الناس ويُهدر حقهم في اتخاذ المنهج الذي يرونه مناسباً لهم والذي لا يرى الحق إلا حيث يراه. أقول لمثل هؤلاء، وبعدين معكم؟
أمّا الرابع: فهو الراقص على الحبلين والمتلون كحرباء مدغشقر، لا تعرف له رأياً سوى المصلحة، ولا تراه إلا وقت حاجته إليك.
يُعطيك من طرف اللسان حلاوة *** ويروغ منك كما يروغ الثعلب
إن كان ثمة مصلحة في الثورة فهو أبو الثوار، وإن كانت في المعارضة صار من المعارضة، ولو رآها مع طرف ثالت – وإن كان النظام ذاته – لانقلب على عقبيه يعلن التوبة ليدافع بشراسة مدغشقرية غريبة عمن كان يهاجمه البارحة، اليوم معك وغداً مع عدوك، وبعد غد يُصبح عدوك ذاته، تجار الثورات والثروات، أعتقد أنكم تعرفونهم جيدا وكم تعاملنا معهم. لمثل هؤلاء أقول: لا أحبكم ولو ابتعتُم لي زُحل!
وبعد يا كرام لا يتصوّرن أحدكم أن الخير في هذا العالم يَذبل ويختفي، وأننا لا نُحسن سوى جلد الذات – وعلى فكرة لن تجد أشطر منا في جلد الذات، ما علينا -  بل الخيرية في هذه الأمة لا تطفئ جذوتها ولا تختفي هيبتها، إلا أننا ندق نواقيس الخطر لنتدارك أخطائنا ونُجدد قدح أفكارنا. والسلام

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع