..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


مقالات منوعة

مراقبو مجلس الأمن.. بين طغيان النظام السوري وقوة الشعب

خالد حسن هنداوي

٥ مايو ٢٠١٢ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 2706

مراقبو مجلس الأمن.. بين طغيان النظام السوري وقوة الشعب
1.jpg

شـــــارك المادة

وافق مجلس الأمن الدولي بالإجماع على إيفاد المراقبين الأمميين إلى سورية للاطلاع الميداني على مجريات الأحداث والذين سيصلون بعددهم الثلاثمائة تباعاً خلال الأيام القليلة، كما وصل قبل أشهر نظراؤهم المراقبون العرب..

 

وقد حالفهم الفشل الذريع لأن خطة إرسالهم كانت مسيّسة بامتياز، ولأن بعضهم قد مارس كل الأعمال التي لا تمت إلى الأخلاق بصلة والتي تساوي بين الضحية والجلاد، ولم يأسف كل حر على إخفاق هذه المبادرة التي لم تقدر من البداية أن طرف الحكومة الطاغية المستبدة الديكتاتورية لن يتعامل معها بوفاء رغم الوعود والبرق الخلب، فماذا عسى لمبادرة كوفي أنان أن تحقق من بنودها الستة التي سيعمل المراقبون على متابعتها، وخصوصاً نقطة الوقف الفوري لإطلاق النار الهش أصلاً، ومع أن الذي يبدو للعالم أجمع أن نظام الممانعة الأسدي ضد الشعب لم يلتزم، ونجزم أنه لن يلتزم بهذا فإن الجيش الحر ومن يؤيده قد كان منهم وما يزال كل التزام، وهذه هي أخلاق الأحرار برغم الظلم والقهر والفواجع الهائلة، وعلى كل فكل إناء بالذي فيه ينضح، والطبع يغلب التطبع كما يقولون، وفي قناعتنا أن هذه الآلية التي تتمثل بحضور المراقبين ومتابعتهم ورؤيتهم وسماعهم من السلطة من جهة ومن الثوار من جهة أخرى ستكون جزءاً من العلاج المرحلي للمأساة السورية إن استجيب للقائمين بها، لاسيما أنهم غير عسكريين ولكنهم سيتحققون ميدانياً بأنفسهم وسيكتشفون طغيان هذا النظام الفاسد لا قوته كما يدعي هو وحلفاؤه، كما سيقفون على القوة الحقيقية للشعب السوري الثائر المصابر والمصمم على خوض غمار الصراع في الحلبة حتى النصر -بإذن الله- وهزيمة الأسد كما أعلن الثوار في جمعتهم الماضية..
وهنا نود أن نفند ادعاء النظام وكل من يسبح بحمده أنه قوي ومتماسك، وأن المناوئين له هم الضعاف وما هذا الشعب إلا عصابات مسلحة تقوم بمؤامرة خارجية عليه مما مله الجميع ومجوه، ولا بأس أن نذكر أن ثمة فرقاً كبيراً بين الطغيان وبين القوة، فالنظام السوري في حقبة الحكم الأسدي ما كان ولم يكن قوياً بل طاغياً جباراً مغتصباً إرادته هي القانون والدستور، ولا يعرف المحاسبة والمساءلة ويقترب فيه الطاغية الحاكم من التأليه، أما سمعتم بـ لا إله إلا بشار الأسد، ورأيتم السجود على صورة الأسد، وليس لله إجبار للمخالفين، أما عرفتم قصة الشاب الذي أجبر على السجود لصورته فمزقها وقال: ربي الله، كيف فجروا يده وهو الذي شكا معاناته بعظمة لسانه وكم وكم في السجن فعلوا ذلك مع الشباب الطاهر وقد قتل بعضهم لرفضهم، وأخذ البعض الآخر بالرخصة وفي هذا فيلم موثق بالصوت والصور. وهكذا فإننا نفهم أن الطاغية إنما ينتسب إلى عائلة الطغيان، وأننا عندما نذكر فرعون فإنما يذكر الطغيان معه، لأنه تجاوز للحد وتماد في الباطل غروراً واستكباراً وانخداعاً بالملك والسلطة والمال من كل طاغية يرى أنه يستغني عن الأشياء ويحقد على غيره ويحسده ومع غياب الوعي عن الجماهير وغفلتهم يزداد طغياناً لأنه لا أحد ينهاه عن هذا المنكر ويجفف منابع طغيانه ويقطع عنه روافده أو حتى يقوم بواجب النصح والموعظة الحسنة، وقد يتعلل الكثيرون بأنه يخنقهم ويكبل تطلعاتهم، وهذا ما يفسر لجوء البعض إلى النكتة السياسية تنفيساً عما في صدورهم؛ ولذا فقد نبه القرآن الكريم في آياته إلى خطورة الطغيان، مبيناً على سبيل المثال أن فرعون لم يكن قوياً بل كان طاغية، وهذا كما في قوله –تعالى-: {اذهب إلى فرعون إنه طغى}، ولكن عندما قص علينا قصة موسى بين أنه هو القوي وإن كان في الظاهر ضعيفاً أمام فرعون هو وأصحابه، وهكذا كل طاغية يقول العلماء لا يمكن أن تسميه قوياً بل طاغية بطاشاً ومآله إلى الهلاك كفرعون، وكل فرعون في كل عصر ومصر وفي قوله –تعالى-: {وفرعون ذي الأوتاد * الذين طغوا في البلاد * فأكثروا فيها الفساد * فصب عليهم ربك سوط عذاب * إن ربك لبالمرصاد}[الفجر: 9-14]. إذ ليس وراء الطغيان إلا الفساد والطاغية أسير هواه لا يفئ إلى ميزان ثابت ويجعل الجماهير أرقاء أذلاء ويحطم القيم والتصورات المستقيمة أو يزيفها على مزاجه ويفبرك الأحداث ويقلب الحق باطلاً، ويكثر الفساد، فيكون العلاج من الله وجنوده هو تطهير الأرض من فساده، فيرصد الله عمله ويسجله إن ربك لبالمرصاد.
وهذه هي سنة الله في الأشرار مهما ادعوا الإصلاح؛ {إن الله لا يصلح عمل المفسدين}، [يونس: 81]، واقرأ إن شئت عن هذا: في ظلال القرآن [6 سورة البروج]، ولما أراد الفيلسوف أرسطو أن يتحدث عن مفهوم الاستبداد قابله مع مصطلح الطغيان وقال: إنهما وسيلتان لحكم الرعايا كالعبيد واغتصاب السلطة، ولكن الذين يحكمون اليوم في سورية لم يجعلوا لهم مثلاً إلا (مونتسكيو) الذي يعتبر سكان الشرق عبيداً بالسليقة ويجب أن يعاملوا كالحيوانات، وقد رد عليه كثير من المفكرين والفلاسفة، ثم انتقل معنا إلى عائلة الديكتاتورية المصطلح الروماني الذي يستفيد بموجبه الطغاة بعضهم من بعض، ولقد كانت في زمانهم لا تتجاوز الستة أشهر فقارنها ملياً عندنا الأسد إلى الأبد، الأسد أو لا أحد، الأسد أو نحرق البلد، ثم انتقل إلى عائلة الشمولية التي تستفتي على زعيم واحد ليخرج من قبعته أرنباً اسمه الديمقراطية على قطيع لا حيلة لهم وهذه قريبة من عائلة السلطة المطلقة.
وهكذا وهكذا يكون الطاغية الذي يقتل شعبه صباح مساء، بل حتى لم يجد هذا الشعب المسكين وقتاً لدفن شهدائه لتواصل النيران، ولذا فقد ذهبت القوانين اليونانية منذ القدم إلى منح جائزة أولمبية لمن يقتل الطاغية، فقتله قد كان واجباً عندهم في حين يرى البعض وجوب نبذه لأن الطغيان مسألة يستنكر حسمها بالسيف..
إن نظام الأسد الأب والابن لم يكن قوياً ولن يكون ولكنه دام هذه العقود الأربعة بالطغيان والبطش والفاشستية والسجن والتعذيب والاختطاف والتشريد والاعتداء على الشيوخ والأطفال والنساء وهدم وحرق الممتلكات والشجر والحجر حتى الدواب، فأرهب الناس وهذا ضعف لا قوة، وقد بين رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن الشديد لا يكون بالصرعة، وإنما الذي يملك نفسه عند الغضب، وأن هذا النظام إنما يقوم على قانون القوة التي هي بمعنى الطغيان هنا لا على قوة القانون، ونحن نقول له ما قاله بدر الدين الحامد:

إذا كنت يا هذا قوياً فلا تكن *** غريراً فكم خيل بفرسانها تكبو

ونقول له: لا قوة إلا قوة الضمير كما قال ارسكين وكما قال غاندي، ليست القوة هي الحق وإنما الحق هو القوة، ولذا فإنه نظام ضعيف وغير متماسك إلا بما ذكرت، وبحبل من الناس كإيران وروسيا وحزب الله وعراق المالكي ومن أشبههم. ولأنه يظن أن الشعب ضعيف ومعارضيه ليسوا بشيء؛ فإننا نقول له: إن الذي صبر عاماً وشهرين أمام كل هذا القمع وبصدر عار وتحمل نزف الدم والقتل والجرح والسجن والتهجير القسري، ورأى قصف المساجد بل والكنائس مثل كنيسة السريان الكاثوليك في حي الحميدية بحمص مؤخراً؛ سوف يستمر في ثورته ومعنوياته في الريح بل تسابقها وهو يقول لكل ظالم وطاغية:

لا تحتقر كيد الضعيف فربما *** تموت الأفاعي من سموم العقارب

كما قال عمارة اليمني أو كما قال جورج بومبيدو: آفة القوة استضعاف الخصم. وهكذا فالشعب السوري بجميع أطيافه الدينية والسياسية هو القوي حقيقة لا شكلاً، وكما يقول ناصر الإسلام والعربية مصطفى صادق الرافعي: "الحق أقوى من القوة أي الطغيان، والشعب أقوى من الحكومة، وإن النصر لمن يحتمل الضربات لا من يضربها".

المصدر: رابطة العلماء السوريين

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع