..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


مقالات منوعة

ما هو دور علماء المسلمين في سورية اليوم؟

سلوى الوفائي

١٥ ٢٠١٢ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 2733

ما هو دور علماء المسلمين في سورية اليوم؟
4005.jpeg

شـــــارك المادة

مثلما تنمو الطحالب والسراخس والأشنيات فوق سطوح المستنقعات الآسنة، تنمو طبقة سميكة من العفن فوق فكر الإنسان إذا لم ير الشمس، وهو معرّض أكثر من أيّ مادة أخرى للعفونة والتفسخ.


ولا شكّ أنّ أربعين عاماً من العيش في الأقبية والدهاليز كفيلة بأن تشحن العقول بكمية من العفن تتراكم مع الزمن كما يتراكم الذباب على اللحم الفاسد. والمؤلم أنّ هذه الظاهرة تفشت بين رجال الفكر والدين في سورية، فلم ينجو منها إلا من رحم ربّي، فظهرت على ألسنتهم أعراض التسمّم وظهر اليرقان الفكري والديني واضحاً جلياً في خطبهم وبياناتهم وكتاباتهم الهزيلة المترهلة. ومن المؤلم أيضاً أن يتعاطى البعض منهم بكلّ تلك اللامبالاة، بل وبكلّ ذلك التواطؤ، مع الأحداث الكارثية التي تمرّ بها سورية حالياً والتي تعني وضعنا، شئنا أم أبينا، في بطن الكارثة.
وكسورية تعي أبعاد المأزق الداخلي الذي يعيشه الأهل في سورية منذ بدء الاحتجاجات والحراك الثوري، لا أجد خيراً من رجال الدين ليرسموا لنا طريق الخلاص ويقودوا نضالنا إلى برّ الأمان، فالشعب السوري كان وما يزال نسيجاً تحكمه العقائد الدينية ويداعب روحه الكلام العاطفي، ويؤثر فيه رجال الدين ويصيغون مستقبله إذا أرادوا. والطّامة الكبرى هي أنّنا لم نشعر بإرادتهم هذه إلى الآن. خريطة سورية تواجه لحظة زلزال تتهاوى فيه الجغرافيا، وتنتفخ فيه الأماكن إلى حدّ الانفجار، أو تضيق إلى حدّ الاضمحلال، أحياء كاملة تتهدّم وكيانات بشرية تتمزق، تاريخ يترنح آيل للسقوط وتاريخ يُكتب، وهويات تُلغى ويُسكب عليها النفط وتُضرم فيها النار، وهياكل بشرية لا تملك الحدّ الأدنى من الهوية تسود وتميد.
سورية، وللأسف تواجه سايكس بيكو للمرة الثانية، وقدر الشعب أصبح في مهبّ المجهول. أليس من الغرابة أنّ المتضررين من هذا المجهول لا يبادرون إلى مواجهة الظاهرة المناخية الجديدة الناجمة عن احتباس طائفي، بعد ثقب جدار الصمت، ولا يعبّرون ولو بالأقوال على الأقل، لا بالأفعال، عن رفضهم للانصياع وراء شيطان يقودهم نحو الهاوية؟ ما الذي يمنع هيئة علماء المسلمين السوريين من تبني موقف يدين وضع اليد الأسدية على كامل التراب السوري، ومحاولة تفكيكه أو إزالة وجوده الديموغرافي، بترحيل أهله وتهجيرهم والاستيلاء على بيوتهم وممتلكاتهم، ألا يدركون خطورة الفكر الإرهابي الأسدي الذي يختزل كلّ الشراهة السياسية والإستراتيجية في حرب معلنة ضد شعبه؟ لقد أصبحت القضية قضية وجود ووحدة أرض وشعب، وإن التنبيه إلى خطورة ما يجري على الساحة السورية ليس من قبيل الاستعراض البياني لتسويق عمائم من الدرجة الثالثة في سوق النخاسة، بل هو واجب ديني أخلاقي تفرضه عليهم المسؤولية الجسيمة المنوطة بهم كرجال دين، مستخلفين في الأرض، لأنهم مقياس ريختر الشعوب الذي ينبأ عن الزلزال قبل وقوعه ويتخذ كل التدابير لتفادي الآثار الكارثية التي ستنجم عنه. فهل تعطلت حواسهم وفقدوا القدرة على استقراء الواقع أم أنهم أخلدوا إلى الأرض وتقاعسوا عن أداء أدوارهم المنوطة بهم؟
أين رجال الدين من كل ما يحدث في سورية اليوم؟ وأين هيئة علماء المسلمين؟ لم نسمع منهم إلى اللحظة ما يشفي صدور قوم مؤمنين، وكلما أصدرواً بياناً تهافتنا عليه تهافت الجوعى على قصعة من حجارة، لا تسمن ولا تغني من جوع، وقد سرت حمى الانشقاقات في صفوفهم، فانقسموا فيما بينهم إلى فريقين، الأول يرى ضرورة التغيير وحتمية زوال الحاكم المستبد كونه لم يستلم الحكم بولاية صحيحة شرعية، ولم يلبي مطالب الشعب الإصلاحية، فنهجوا لذلك منهج الثورة ودعوا إلى خلع الحاكم جهاراً، وفق مذهب علماء الحنابلة الذين ذهبوا إلى القول بخلع الحاكم الجائر ومنهم ابن رزين وابن عقيل وابن الجوزي، وذهب الفريق الثاني إلى الأخذ برفض الثورة كأسلوب للتغيير لأنّ الظروف غير مواتية لها، والدعوة إلى الإصلاح بأسلوب متدرج سلمي وجزئي من خلال النصح للحاكم والصبر على جوره ومن أهم من تبنى هذا الموقف علماء الصوفية، الذين يرون فصل الدين عن الدولة، وعدم التدخل المباشر بسياسات الحاكم الجائر من باب سدّ الذرائع، أي ترجيح المصلحة المحققة من بقاء الحاكم الجائر على المفسدة المترتبة عن انتهاج الثورة سبيلاً لتغييره وتحقيق الإصلاح المنشود، لذلك دعوا الناس أن تلزم بيوتها وتمسك عليها لسانها حفاظاً على الأنفس والأعراض والممتلكات، وركنوا إلى الاستسلام للقدرية وإلى حتمية التغيير الإلهي للحاكم وفق سننه في الأرض التي تثبت عدم دوام الملك لغير الله.
ولسنا هنا بمعرض الحديث عن الزمرة الأشد فتكاً بين علماء المسلمين والتي ترى شرعية حكم الحاكم الجائر على أنها محض اختيار لا إجبار، ويبررون استئثار الحاكم بالسلطة دون الشعب، ويرفضون التغيير جملة وتفصيلاً ويستندون في أحكامهم تلك إلى وجوب طاعة أولي الأمر عملاً (غير صحيح) بحكم الآية: {أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم..}، ونسوا أن الطاعة غير ملزمة حين يخالف الحاكم شرع الله ويفسد في الأرض، ولهذه الزمرة ينتمي البوطي والعكام والحسون وغيرهم من علماء السلطان.
وعودة لعلماء الزمرة الأولى، نقول: بعد مضي عام كامل على بدء الثورة السورية المباركة، وبعد ما عانه الشعب من ظلم وتنكيل وقتل وذبح متعمد وتهجير جماعي واغتصاب حرائر واعتقال تعسفي وقصف للأحياء وتخريب للممتلكات، وما إلى هناك من جرائم مروّعة ارتكبتها عصابات الأسد في سورية للحفاظ على السلطة، وبعد معاناة طال أمدها، ألم يحن الوقت بعد لتتحملوا مسؤوليتكم أمام الله تجاه ما يحدث للمسلمين في سورية؟ الشعب يحتاج منكم موقفاً مشرفاً، ووقفة قيادية حكيمة تعيد رصّ الصفوف وتستنهض الهمم وتشحذ الطاقات وتذكر الثوار بأخلاق الإسلام والتحلي بالصبر، وتذكر الصامتين بواجبهم الإنساني تجاه جرائم ترتكب بحق أخوة لهم، وتحثهم على الانضمام للواء الثوار، وتحارب الأغنياء حتى تأخذ من أموالهم ما يدعم الحراك الثوري ويقيل عثرات المنكوبين وتعلن صراحة هدر دم كلّ من تسول له نفسه أن يقتل بريئاً عامداً متعمداً، أو يظلم بغير حق أو ينتهك العرض أو يفسد في الأرض، ويحتاج منكم يا علماء المسلمين أن تتولوا قيادة الصفوف القتالية بأنفسكم أسوة بسيدنا محمد –صلى الله عليه وسلم- سيد البشرية الذي خاض وقاد حروباً بنفسه فقاتل في سبيل نصرة الحق وإعلاء كلمة الله، ولم يتقاعس في الأقبية المظلمة خلف شمس الحق، لا يكفي منكم اليوم تصريحات هزيلة وبيانات مترهلة، لا ترقى لمستوى الجرائم التي ترتكب بحق الأبرياء، ولا تعفيكم من المسؤولية أمام الله عمّا يحدث، ولا تبرؤكم أمام الشعب من الاشتراك في الجريمة بسكوتكم عنها، والساكت عن الحق شيطان أخرس، وفي مثل هذه الظروف لم يعد ينفعنا أضعف الإيمان ولا نصفه بأن تستنكروا بالقلب واللسان، بل إن اللحظة هي لحظة فعل ومبادرة وتولي زمام القيادة، فإمّا إيمان كامل أولا إيمان. ولكم الخيار بين أن تموتوا موتاً رخيصاً في أروقة الظلام يقتلكم خوفكم قبل الرصاص، أو تموتوا ميتة يرضى عنها ضميركم وتشهد بها جوارحكم يوم الموقف العظيم.
الشعب بحاجة لكم اليوم حاجته للحياة، وإن لم تلحقوا الركب اليوم فنصيحتي أن تحلقوا ذقونكم، لا حاجة لنا بها بعد اليوم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
توضيح: لعل الكاتبة تريد بمقالتها هذه علماء النظام، وإلا فقد وجد من العلماء السوريين – بل ومن غيرهم- من قاموا بدور لا يجهله بصير، ولا يجحده ناصح؛ تمثل بإصدار البيانات المنددة بأفعال النظام، والفتاوى المؤثمة لإجرائمه، الداعية للانشقاق عن نظامه وجيشه، بل لقد قاد بعضهم المسيرات والمظاهرات ودعا إليها، وبحت أصواتهم وهي تبين جرائم النظام من على المنابر. وقدموا بعض فلذات أكبادهم فداء لثورة الكرامة والإباء، محتسبينهم شهداء عند ربهم. لذا؛ فنوافق الكاتبة من حيث فكرة المقالة، ونشكرها على تصنيفها المنصف لمواقف العلماء. (نور سورية).

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع