..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

تنظيف مناطق النفوذ في سورية

حسين عبد العزيز

١ ٢٠١٧ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 2638

تنظيف مناطق النفوذ في سورية
349 (3).jpg

شـــــارك المادة

منذ إعلان اتفاق خفض مناطق التوتر في 4 مايو/ أيار الماضي، والانخراط الأميركي التدريجي فيه، بدا واضحاً أن مرحلة تنظيف مناطق النفوذ في سورية قد بدأت.
وعملية التنظيف هذه ليست مرتبطة فقط بتقاسم النفوذ بين الدول الإقليمية والدولية فحسب، بقدر ما هي مرتبطة بترسيم حدود الصراع، وترسيم حدود التسوية السياسية، فمن دون أفق التسوية لن تكون هناك أهمية تذكر لعملية وقف إطلاق النار، ولا أهمية للمناطق المستقطعة من هنا وهناك.

لذلك، يعتبر تقاسم مناطق النفوذ الجغرافي في سورية ضرورةً ملحة لمنع الفوضى العسكرية، ولوضع سقف عسكري للفرقاء المحليين والإقليميين، بما يناسب التفاهمات الأميركية/ الروسية، لكن هذا التقاسم في المقابل يتطلب محاصصاتٍ جغرافية، بحيث يتم استبعاد أطرافٍ معينة عن مناطق معينة، خصوصا التي لها أجندات تتجاوز الجغرافيا السورية.


هكذا جاء اتفاق الجنوب السوري كثمرة للتفاهم الأميركي – الروسي، فلأول مرة يتم توافق أميركي روسي، مباشرة على أرض الميدان، ولأول مرة أيضا يتم احتواء إيران عمليا في سورية، وإن اقتصر الأمر على بقع جغرافية معينة.
صحيح أن القوى المحسوبة على إيران لم تبتعد إلى الخط المتفق عليه بين موسكو وواشنطن حتى الآن في درعا، إلا أن منطقة الجنوب أصبحت، بالمعنى الاستراتيجي، خالية من إيران وحلفائها لأسباب متعلقة بالأردن وإسرائيل.
إنه اتفاق يتعدّى البعد العسكري، فالحديث يجري عن إجراء انتخابات محلية، وإدخال للمساعدات الإنسانية، ووصل الأمر إلى بحث مصير معبر نصيب الحدودي، من أجل عودة الشريان الاقتصادي بين الأردن وسورية إلى العمل، وكل هذه الأمور تتطلب عمليات تنظيفٍ للنفوذ، بما يتناسب مع المرحلة المقبلة.
وما جرى في الجنوب يتم تكراره بشروطه الجغرافية في الغوطة الشرقية، فالمطلوب وقف الصراع بين النظام والمعارضة، لصالح محاربة القوى الإرهابية، وهذه ستكون وظيفة فصائل المعارضة.


وكما الحال في الجنوب، يتعدّى اتفاق الغوطة الشرقية البعد العسكري، فالاتفاق يتناول إعادة الحياة الاقتصادية إلى المنطقة، وتسهيل التبادل التجاري مع مناطق النظام، فضلا عن إجراء انتخاباتٍ لمجالس محلية من سكان المنطقة.
أهم مسألتين في اتفاقيتي الجنوب والغوطة أنهما أدخلا دولا إقليمية في التوافقات المحلية، كحال الأردن في الجنوب، ومصر في الغوطة، وإذا كان اتفاق مناطق خفض التوتر والاتفاقات التالية له تتم وفق الأجندة الأميركية - الروسية لضبط النفوذ الإقليمي في سورية، إلا أن هذه الاتفاقات كشفت ضرورة توسعة مروحة المشاركة الإقليمية، وهذا مؤشر على أن هذه الاتفاقات تتجاوز البعد العسكري، لتشمل البعد السياسي الذي يقترب أوانه.
وما يجري في القلمون الغربي مع إطلاق معركة عرسال والجرود الممتد إلى فليطة/ المشرفة دليل على ذلك، فلا تحمل هذه المعركة أبعادا عسكرية تذكر، فالمنطقة خاضعةٌ لهيمنة حزب الله وهيمنة النظام السوري، وهي منطقة ساقطة بالمعنى العسكري منذ عام 2014. ولذلك، لم يقدم الحزب على فتح هذه المعركة سابقا حين كان يملك مقاتلين أكثر على هذه الجبهة، قبل أن ينقلهم إلى الشرق السوري.
أهمية المعركة تكمن في رسائلها السياسية، خصوصاً بعد استثناء إيران من اتفاق الجنوب، إنها معركة لتثبيت الوجود السياسي لإيران وحلفائها ضمن أية ترتيبات مستقبلية في سورية، فمعركة عرسال تؤكد أن طهران قادرةٌ بمفردها على إقامة مناطق نفوذها الخاصة، من دون الاستعانة بأي طرفٍ محلي أو خارجي، كما هو حال موسكو وواشنطن.


وللمعركة بعد آخر مرتبط بالضغط على اللاجئين السوريين، للعودة إلى ديارهم، لأسباب لبنانية وسورية، وما يهمنا هنا البعد السوري، حيث تعمل دمشق، منذ فترة، على تسهيل عودة السوريين بمن فيهم المطلوبون، لتحقيق هدفين: حاجة النظام لقوى بشرية سورية في المرحلة المقبلة التي ستشهد ضبط وتقليص للوجود الأجنبي، خصوصا الحركات الشيعية من العراق وإيران وباكستان وأفغانستان. وحاجة دمشق إلى تدوير عجلة الاقتصاد في مناطق سيطرتها، فمعظم اللاجئين في لبنان ينتمون إلى القلمون الغربي، والمعروف أن لدى معظم بلدات القلمون الغربي عمالة كبيرة في الخليج، ما سيسمح بعودة التدفقات المالية بالعملة الصعبة.
ولا تنفصل محافظة إدلب عن عمليات تنظيف مناطق النفوذ، فالتقهقر المفاجئ لحركة أحرار الشام ليس مرتبطا بميزان القوة العسكرية فحسب، فللحركة عديد بشري كبير، على الرغم من الانشقاقات في صفوفها، ولديها تحالفات مع فصائل الجيش الحر في المحافظة ومحيطها.
التراجع العسكري للحركة مرتبط بتفاهمات إقليمية ودولية، خصوصا مع تركيا التي تعتبر الداعم الرئيسي للحركة وعرّابها على الساحة الدولية. وللتذكير، سمح للمتحدث الإعلامي للحركة، لبيب النحاس، قبل عامين، بكتابة مقالين في صحيفة ديلي تلغراف البريطانية وواشنطن بوست الأميركية، لتوضيح موقف الحركة.
وأغلب الظن أن محافظة إدلب قد حسم مصيرها، بحيث لن تكون تابعة للعباءة التركية، كما كان متوقعاً، وإن مرحلة تنظيف النفوذ تتطلب إبعاد "أحرار الشام" عن جبهة فتح الشام.

 

العربي الجديد

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع