..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

جناية الإنترنت على الأسرة والمجتمع

محمد عبد الله الغبان

٧ ٢٠١٦ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 3231

جناية الإنترنت على الأسرة والمجتمع
0.jpg

شـــــارك المادة

البيت المسلم هو قرار الأسرة، ومحل عبادتها، فشعائر الإسلام فيه ظاهرة، وحدود الله تعالى محترمة ومعظمة، وجل اهتمام الأسرة السعي إلى مرضاة الله وتحقيق العبودية التامة للواحد الأحد، فالصلاة فريضة ونافلة، وتلاوة القرآن وتدبره والتفقه فيه، والالتزام بالضوابط الشرعية في التعامل داخل الأسرة وخارجها، والصدق والأمانة، والحجاب، والعفاف، ونظافة اللسان، والبعد عما يسخط الله، واختيار الجلساء والصحبة، كل هذه وغيرها عناوين في جبين أفراد الأسرة، وفي كيانها وأفعالها؛ لأنها الطريق الوحيد للسعادة في الدارين، والفوز بجنات النعيم.

ومعاناة الأسر في اختطاف أبنائها وتغيير سلوكياتهم، أو التأثير السلبي عليها من الآخرين كان محدودا قبل الانفجار الإعلامي المتمثل في البث المرئي والمسموع والمقروء، وبعد هذا الانفجار في العصر الحديث عانت الأسر والمصلحون والمربون والدعاة كثيرا من هذه الوسائل؛ لأنها لم تقم على أسس إسلامية، بل نُقِلت بصورتها ومناهجها وأساليبها من بلدان غير إسلامية بتغيير يسير لا يفي بالغرض، وكانت المدافعة حينها بين مد وجزر ونجاح وإخفاق، والأسر المتماسكة تنجو غالبا من التأثيرات القوية، ويسهل إلى حد ما إصلاح ما أفسدته هذه الوسائل؛ لأن التحكم بها مقدور عليه في الجملة، إما بتقنينها أو بمنعها، وبخاصة إذا تعاون الآباء والأمهات على ذلك، وهذه الوسائل لا زالت قائمة، وتقوم بالدور نفسه لكنها أسوأ من حالها السابق بمراحل، تواكبا مع الانفلات الأخلاقي والقيمي والعقائدي على مستوى المعمورة، وهي بلا شك فتن يرقق بعضها بعضا.

وشارك في الإصلاح خلال العقد السابق القنوات الإسلامية المحدودة، وكان لها صدى مبارك، إلا أنها أقل مما يجب، ولا تفي بالغرض المأمول، لا كما، ولا كيفا.

وداهمنا خلال الخمس عشرة سنة الماضية وسيلة أدهى وأمر، رغم ما فيها من إيجابيات ومصالح على مستوى الأفراد والمجتمعات، إلا أن الطامة الكبرى أنها لا ترد يد لامس، ومفتوحة على مصارعها لكل ناعق ومفسد يريد اجتثاث الأمة من عقيدتها وأخلاقها، حتى طفح الكيل، إنها برامج الإنترنت وما تتضمنه من وسائل التواصل الاجتماعي المرئي والمسموع والمقروء، والتقنية الحديثة تضيف كل يوم وسيلة جديدة.

ولست هنا مقارنا بين المفاسد والمصالح التي جلبت إلينا عبر هذه الوسائل، أو في صدد إنكار فوائدها ونفعها، لكني حاكيا لواقع أليم، يلمسه القاصي والداني، وتدركه كل أسرة، إن العكوف والتعلق الشديد بهذه الوسائل أضاع الواجبات الشرعية والأسرية، وساعد في التفريط بالأعمال والخدمات المنوطة بالمؤسسات والأفراد في مجال أعمالهم العامة منها والخاصة، وسلبت تفكيرهم وتركيزهم وإبداعاتهم، وسرقت منهم أوقاتهم التي هي أعمارهم، وأطاحت بأخلاق كثير منهم بدرجات متفاوتة، بل وصل تأثيرها إلى العقائد، وبث الشبهات والشهوات والتشكيك في ثوابت الأمة ومناهجها، حتى غدا التمرد على الله وشرعه سمة من سمات هذا العصر، وهو يتمدد يوما بعد يوم.

ولا يكاد يسلم من تأثيراتها بيت مسلم إلا ما رحم ربي، وإن سلمت بعض البيوت فالجيران والأصحاب والزملاء يبذلون خدماتهم وفزعاتهم لمن حرم منها، بل إن تأثيرها القاتل شمل الأطفال في بداية إدراكهم، فيتربى الطفل على الموسيقى والأغاني والرقص وبذيء الكلام وتحسين الاختلاط والإعجاب بالأمم الكافرة، ناهيك عن الإزدراء بالدين، والتقليل من أهميته، ومتابعة المهرجين والضائعين والفاسدين من الفنانين والفنانات، وممن لا خلاق لهم في دين ولا علم، فتشبع الكبار والصغار في متابعة الرذائل والقبائح وهم في غرف نومهم، وداخل مصلياتهم.

وأصبح هذا الصنف من البشر بمثابة القدوات لأبنائنا وبناتنا، يتتبعون أخبارهم ويتفاعلون مع أحداث حياتهم، وكأنهم صحابة رسول الله، أو صلحاء الأمة وقدواتها، وقد سرت هذه المصائب إلى بعض من أكرمه الله بحمل كتابه في صدره، وتربى على الفضيلة والدين منذ نعومة أظفاره، حتى جاءت هذه الشياطين فاجتالتهم من فطرهم السليمة، وكسرت حاجز التدين والفضيلة، فوقع الجميع صرعى أو مأسورين إلا ما شاء ربك، وصار التناقض بين ماتربت عليه الأجيال من مكارم وفضائل وبين ما يمارس في هذه الوسائل من مفاسد وفجائع هو سيد الموقف في حالات من تغييب الوعي بما سيصل إليه الحال، لو تأملناها لرأينا جنايتها الكبيرة على أجيالنا وأمتنا، ليس أقلها التعلق بمن سبقت الإشارة إليهم، ممن لا خلاق لهم، فهل يرضى مسلم أن يكون هؤلاء قدواته ومحل اهتمامه؟؟

فمن رضي فإن القاعدة الشرعية في حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم "المرء مع من أحب" ويقول ربنا سبحانه "الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين".

وأما اختراق البيوت واصطياد الأبناء والبنات المراهقين والمراهقات عبر المحادثات الذاتية باسم الصداقة أو التعارف فأمر خطير وأسلوب ماكر وضحاياه أو ما ظهر منه نلمسه عبر المواقع الإخبارية صباحا ومساء، ووسيلة المجرمين والشاذين في الإيقاع بفرائسهم أصبحت يسيرة، لا تتطلب تخطيطا ولا جهدا، فبحسب الواحد منهم أن يرسل لهم مقطعا أومقاطع إباحية، أو يطلعهم عليها في أي مكان دون حياء أو خجل تمرينا لهم وكسرا لخلق الحياء والعفة، وبعد هذه المقدمة الخسيسة يكشر عن أنيابه متطلعا إلى نشر شذوذه بينهم بكل وقاحة، لاسيما من قلت خبرته منهم نظرا لصغر سنهم أو لسذاجتهم.

وهنا تقع الكوارث، وينتشر الفساد، وتعاني الأسر والمجتمعات وتنهدم أسسها، وما ظاهرة التبرج والسفور والتخفف من الحجاب الكامل للمتربيات على الفضيلة والعفة والستر ما هو إلا أثر ونتيجة حتمية لما تم الحديث عنه، وضيق الأخلاق وانتشار الجرائم العلنية والقتل لأتفه الأسباب من الظواهر التي لم يكن لها بروز قبل انتشار هذه الوسائل.

إن الوضع خطير وفي ازدياد، والذهول والحيرة يخيمان على أرباب الأسر والمصلحين والمربين، وقد أناط الله بهم رعاية الخلق ونصحهم وحماية الأسر والمجتمعات من النار "يا أيها الذين أمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة " "كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر" وكثير من الفضلاء يشكو ويتألم مما وصل إليه الحال، ويتطلع إلى حلول جذرية لهذا الواقع الأليم، وهو بتوفيق الله بيد قادة الفكر والعلم، وبيد من استأمنهم الله بقيادة أمتهم من ولاة الأمر وربان السفن، فاعتبروا يا أولي الأبصار بمن مضى من الأمم السابقة التي حل بها العقاب حين تخلت عن أمر ربها ورسله، نسأل الله الستر والسلامة ،وإذا أراد بعباده فتنة أن يقبضنا إليه غير مفتونين.
 

 

مشاركات نور سورية

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع