..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

حلب تستغيث... فهل من مجيب؟!

زياد الشامي

١ ٢٠١٦ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 5372

حلب تستغيث... فهل من مجيب؟!
تحترق0.jpg

شـــــارك المادة

قد لا تكون مدينة حلب السورية قادرة حتى على الاستغاثة وطلب النجدة، فأهلها مشغولون عن ذلك بدفن شهدائهم وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من جراحهم، فهمجية القصف النصيري الروسي لا تدع لهم وقتا حتى لانتشال المدفونين تحت الأنقاض، بل لطالما اضطرت طواقم الإسعاف والدفاع المدني - التي لم تستثن من الاستهداف - لترك مكان مدمر فيه بعض العالقين تحت الأنقاض، لإنقاذ مكان آخر يعج بالشهداء والجرحى والعالقين تحت ركام المنازل بعد قصفه...

لقد تواصلت لليوم الثامن على التوالي الحملة الجوية الشرسة التي تشنها طائرات الموت النصيرية الروسية على أحياء حلب المناوئة للنظام القاتل، وقد بلغت غارات أمس فقط أكثر من أربعين غارة، وخلفت أكثر من عشرين شهيدا وعشرات الجرحى والمفقودين، بينما وصل أعداد الشهداء خلال أسبوع القصف إلى أكثر من 130.

لا شيء في حلب الآن مستنثى من الاستهداف، فالمشافي والكوادر الطبية وطواقم الدفاع المدني وحتى مستودعات الأدوية باتت أهدافا لطائرات السوخوي الروسية النصيرية، ويكفي أن نعلم أن طبيب الأطفال الوحيد المتبقي في حلب د. محمد وسيم معاذ قد استشهد في إحدى تلك الغارات، كما استشهد عدد من أفراد طواقم الدفاع المدني و الكوادر الطبية.

كل المؤشرات تؤكد أن مؤامرة دولية برعاية أممية ومباركة غربية قد دُبرت بليل ضد هذه المدينة العريقة، بل وضد ثورة أهل الشام عموما، فالصمت الغربي إزاء ما يحدث في حلب -والذي أقل ما يمكن أن يقال فيه بأنه جريمة إبادة بكل معنى الكلمة للبشر والشجر والحجر– لا يوازيه إلا صمت المقابر والأموات، فلا تنديد ولا تحذير ولا استنكار ولا...., ولا عجب في ذلك، فدماء أهل السنة من العرب لا يمكن أن تقارن في ميزان العنصرية الغربية بدماء أبنائهم ذوو البشرة البيضاء، التي انتفض العالم للتضامن مع دمائهم في باريس وبروكسل وغيرهما.

أما أمريكا فلم تعد حقيقة كونها شريك فعلي في قتل الشعب السوري، ورأس حربة في محاولة إجهاض الثورة السورية وتعويم الطاغية محل جدل أو نقاش، ولعل إعلان وزارة الخارجية الأمريكية أمس الجمعة إلى توصل واشنطن وموسكو إلى اتفاق لفرض وقف إطلاق النار قصير الأمد في شمال اللاذقية وشرق الغوطة الشرقية، واستثناء مدينة حلب المنكوبة من الاتفاق خير شاهد على ذلك.

ولا يخفى ما يعني هذا الاتفاق من تواطؤ وتنسيق روسي أمريكي ضد الثورة السورية، خصوصا إذا أضفنا إليه نية روسيا تكرار سيناريو حلب الهمجي قريبا في كل من دير الزور وإدلب، وهو ما يؤكد أن الأمريكان والروس ينسقون لإبادة أهل السنة في سورية وليس لحل سياسي وانتقال ديمقراطي كما يزعمون.

وأما الأمم المتحدة ومنظماتها الأمنية والإنسانية فحالها مع ما يحدث في سورية يجعل المتابع يضرب كفا بكف عجبا وسخرية، وكيف لا يكون الأمر كذلك و مجلس الأمن فيه يهيمن عليه كل من روسيا وأمريكا أعداء الثورة السورية، ولعل ما يثير السخرية أن تطلب أمريكا من روسيا الضغط على طاغية الشام لوقف غاراته الهمجية على حلب، بينما طائرات السوخوي الروسية تشارك في دك المدينة بحممها.

وأمام هذا الوضع المزري للمنظمة الأممية التي تعمل لحساب العصابة التي أسستها، لم يجد مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان زيد بن رعد الحسين أمس الجمعة ما يبرر به عملية الإبادة التي ترتكب بــ "حلب"، فما كان منه إلا أن قال: "إن إخفاق مجلس الأمن الدولي المستمر في إحالة الوضع في سوريا إلى المحكمة الجنائية الدولية يعد مثالا على أكثر أشكال الواقعية السياسية خزيا". مضيفا أن القوى الكبرى العالمية أصبحت بالفعل متواطئة في التضحية بمئات الآلاف من البشر وتشريد الملايين".

لا يبدو أن هدف سياسة الأرض المحروقة التي تنتهجها روسيا والنظام النصيري في سورية تقتصر على تهجير سكانها الأصليين من أهل السنة وتوطين الطارئين من المرتزقة الصفويين فحسب، بل يبدو أن هذه السياسة قد تحولت إلى دفن أهل السنة في حلب وعدم إخراجهم منها أحياء، فالصواريخ الفراغية والبراميل المتفجرة والألغام البحرية تستهدف أي شيء يتحرك على طريق الكاستيلو, الطريق الوحيد الذي يصل حاليا مدينة حلب بريفها الغربي، مما يعني أنهم لا يسمحون للأهالي حتى بالنزوح والخروج من المدينة أحياء!!

لأول مرة في تاريخ هذه المدينة الإسلامية العريقة لا تتم فيها شعيرة صلاة الجمعة، فقد تم تعليق الصلاة في مناطق المعارضة بناء على قرار من الهيئة الشرعية في حلب حفاظا على أرواح المصلين.

كثيرة هي الشواهد والأدلة التي تشير إلى البعد الأيديوجي الطائفي فيما يجري في سورية عموما وحلب على وجه الخصوص، فبينما تبارك الكنيسة الروسية الحرب الشيوعية في سورية، ما تزال اللغة الطائفية الرافضية تهيمن على مشاركتها في قتل الشعب السوري السني، ولعل من مفردات هذه اللغة ما أوردته بعض وسائل الإعلام عن موقع "فرهنك نيوز" المقرب من تيار المحافظين في إيران الذي قال: إن الشعب السوري هم أحفاد وسلالة بني أمية وأن الحرب ضد بني أمية أعداء الشيعة، سوف تمهد لمرحلة ظهور المهدي "المزعوم" الذي سينقذ الشيعة من حرب بني أمية والسفياني الذي يقود هذه الحرب ضدهم"، وذلك بالتزامن مع ما تشهده مدينة حلب السورية من حرب تشارك فيها مليشيات الحرس الثوري الإيراني والمليشيات الشيعية.

وإذا كان موقف الشعوب العربية المسلمة مما يجري في حلب وسورية عموما يؤكد دائما حقيقة الجسد الواحد الذي يجمع مصاب أبناء الأمة الواحدة المسطور في حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم: (مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِى تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى) صحيح البخاري برقم/6751

ويكفي برهانا ودليلا على ذلك المشاركة الفعالة في وسم #حلب_تحترق الذي ضجت به مواقع التواصل الاجتماعي، والمشاعر الصادقة التي عبرت من خلالها الشعوب المسلمة عن تضامنها مع إخوتهم في حلب...

فإن مواقف الحكومات العربية والإسلامية ما تزال ضعيفة وهزيلة ودون مستوى الكارثة التي تحدث في حلب، ولعل خير ما يقال في هذا المقام أن التاريخ لا يرحم، فكما أن عواقب وقوف المسلمين في عهد التتار متفرجين على مآسي إخوانهم دون أن يتحركوا لنجدتهم، فإن عواقب ترك حلب دون نجدة من قبل الحكومات العربية والإسلامية ستكون وخيمة، فمن المعلوم أن سقوط حلب –لا قدر الله– بيد الغزاة سيتردد صداه في كثير من العواصم العربية والإسلامية المجاورة.

 

 

المسلم

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع