..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

وفاء العهد... شيمة النبلاء

خالد روشه

٣١ ٢٠١٤ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 4608

وفاء العهد... شيمة النبلاء
00.jpg

شـــــارك المادة

ليس الأمر بالطبع اختيارياً، أن يفي المرء بعهده أو لايفي، بل هو واجب ولازم في شتى شرائع العالمين، وهو واجب ولازم في الإسلام لزوماً آكداً، قال سبحانه: "ياأيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود"، وقال: "والموفون بعهدهم إذا عاهدوا"

لكن وفاء العهد قد صار –مع تدافع الناس وفساد السلوك– من نادر الشيم ومغترب الصفات، فلا تكاد تجد في الناس وفياً بعهده مستمسكاً بوعده إلا القليل النادر من أصحاب القيم والمبادىء والتقى، حتى صار الوفاء بالعهد من شيم النبلاء بالفعل..

وفساد العهود وخيانتها مفسد للمجتمعات، يقتل الثقة بين الناس، وينشر الخيانة ويضيع الأمانات، قال تعالى: "وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ "، قال أنس: رضي الله عنه: ما خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا قال: "لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له" أخرجه أحمد.

ويصف الله سبحانه أهل الإيمان: "يوفون بالنذر ويخافون يوماً كان شره مستطيراً"، "ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم" قال البيهقي في الشعب: يعني ما ألزموا به أنفسهم.

وأمر الله سبحانه أهل الإيمان فقال: "وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلاً إن الله يعلم ما تفعلون".

وجعلها من صفات أولي الألباب "إنما يتذكر أولوا الألباب * الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق"، وجعلها من صفات الأنبياء والمرسلين "وإبراهيم الذي وفّى "، "واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولاً نبياً"

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "المسلمون عند شروطهم" أخرجه البخاري.

وفي الحديث "جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله مات أبي وأمي فهل بقي من بر أبوي شيء أبرهما به بعد موتهما، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: نعم، الصلاة عليهما، والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما من بعدهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما ، وإكرام صديقهما"  رواه أبو داود .

بل قد جعل صلى الله عليه وسلم إخلاف الوعد من شيم النفاق، " أربع مَنْ كُنَّ فيه فَهُوَ مُنَافِقٌ خالص ، ومن كانت فيه خلة منهن كان فيه خلة من نفاق حتى يدعها : : إذَا حَدَّثَ كَذَبَ ، وَإذَا وَعَدَ أخْلَفَ ، وَإذَا ائتُمِنَ خَانَ ، وإذا خاصم فجر" رواه أبو داود، قال المناوي: (وإذا عاهد غدر) أي: نقض العهد، وقال العظيم آبادي: (وإذا عاهد غدر) أي: نقض العهد وترك الوفاء بما عاهد عليه.

وقد جعل الله تعالى من ناقض العهد بمنزلة الحيوانات قال تعالى: "إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ * فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ * وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ " .

وفي الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا جمع الله الأولين والآخرين يوم القيامة، يرفع لكل غادر لواء، فقيل: هذه غدرة فلان بن فلان" أخرجه مسلم .

قال ابن كثير: والحكمة في هذا أنه لما كان الغدر خفياً لا يطلع عليه الناس فيوم القيامة يصير علماً منشوراً على صاحبه بما فعل وهكذا يظهر للناس ما كانوا يسرونه من المكر ويخزيهم الله على رؤوس الخلائق.

وقال ابن حجر في فتح الباري: والحكمة في نصب اللواء أن العقوبة تقع غالباً بضد الذنب فلما كان الغدر من الأمور الخفية ناسب أن تكون عقوبته بالشهرة ونصب اللواء أشهر الأشياء عند العرب وقال النووي في شرحه على مسلم: "لكل غادر لواء أي علامة يشهر بها في الناس لأن موضوع اللواء الشهرة".

قال ابن عثيمين: "وفي هذا الحديث دليل على أن الغدر من كبائر الذنوب، لأن فيه هذا الوعيد الشديد" شرح رياض الصالحين.

وجاء في تفسير الآية التي وعد الله فيها الدفاع عن الذين آمنوا : "إن الله يدافع عن الذين آمنوا إن الله لا يحب كل خوان كفور " قال القرطبي : فوعد فيها سبحانه بالمدافعة ونهى أفصح نهي عن الخيانة والغدر.

وفي حديث هرقل الطويل مع أبي سفيان عندما سأله عن النبي: "فهل يغدر؟ قال: لا، ثم قال هرقل: وسألتك هل يغدر؟ فزعمت أن لا، وكذلك الرسل لا يغدرون" البخاري.

قال ابن بطال: "قد جاء فضل الوفاء بالعهد، وذم الختر في غير موضع في الكتاب والسنة، وإنما أشار البخاري في هذا الحديث إلى سؤال هرقل لأبي سفيان، هل يغدر؟ إذ كان الغدر عند كلِّ أمة مذمومًا قبيحًا، وليس هو من صفات رسل الله، فأراد أن يمتحن بذلك صدق النبي؛ لأن من غدر ولم يفِ بعهد لا يجوز أن يكون نبيًّا؛ لأنَّ الأنبياء والرسل عليهم السلام أخبرت عن الله بفضل من وفى بعهد، وذم من غدر وختر".

وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "قال الله: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حرًّا ثم أكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرًا فاستوفى منه، ولم يعط أجره" البخاري .

قال المهلب: قوله: ((أعطى بي ثم غدر)) يريد: نقض عهدًا عاهده عليه .

وقال المناوي: ((ثم غدر)). أي: نقض العهد الذي عاهد عليه؛ لأنَّه جعل الله كفيلًا له فيما لزمه من وفاء ما أعطى، والكفيل خصم المكفول به للمكفول له.

وقال الصنعاني: (فيه دلالة على شدة جرم من ذكر، وأنه تعالى يخصمهم يوم القيامة نيابة عمن ظلموه، وقوله أعطى بي، أي: حلف باسمي وعاهد، أو أعطى الأمان باسمي وبما شرعته من ديني، وتحريم الغدر والنكث مجمع عليه)

وقبل غزوة "بدر" يخبره حذيفة بن اليمان، أن كفَّار "قريش" قد أخذوه قبل أن يدخل المدينة هو وأبا حُسَيل، فقالوا إنكم تريدون محمدًا، قلنا: ما نريد إلا المدينة، فأخذوا منا عَهْد الله وميثاقه لننصرفَنَّ إلى المدينة ولا نقاتل معك يا رسول الله، فقال لهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: ((انصرفَا نَفِي لهم بعَهْدِهم، ونستعين الله عليهم)) أخرجه مسلم.

إنه لمما يحزن القلب أن يقال إنك في بلاد الغرب قد تجد وفاءً بالعهود أكثر مما تجده في بلاد الإسلام، وما هذا والله إلا بسبب أولئك السفاء الجهلاء الذين لا يمتثلون أمر دينهم ولا أخلاقه، فإذا بالغربيين الماديين يتصفون بالوفاء لإصلاح دنياهم، والالتزام بمبادىء يحبونها، وإذا بالناس في بلاد الإسلام يغفلون عنها وهم قد أمروا بها أمراً واثيبوا عليها إثابة لإصلاح دنياهم وأخراهم!!

 

 

المسلم

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع