..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

قبل أن نقول: كانت هناك حمص..

مؤمن مأمون ديرانية

١٣ ٢٠١٣ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 6963

قبل أن نقول: كانت هناك حمص..
1.jpg

شـــــارك المادة

ألا بذلاً كبذل عثمان.. ألا فداء كفداء عكرمة.. ألا يوماً كيوم اليرموك..

حمص تنزف.. حمص تئن.. حمص تعيش تحت النار.. حمص تستصرخ.. منذ نحو عام..وهي اليوم آيلة للسقوط..
بالأمس خفنا أن لا تستطيع حمص الصمود طويلاً دون غوث، فكيف بها اليوم مع هذه الهجمة الشرسة؟
وكل بقعة في سورية تنزف وتئن وتعيش تحت النار، وكل أهلنا في ضيق وحصار..

 

 

درعا مهد الثورة المباركة وأرض أطفال الثورة، ودوما المدمرة التي منها اندلعت ثورة ريف دمشق، وداريا الصامدة هذا الصمود الأسطوري، ودير الزور المحاصرة منذ زمن، وحماة التي أصابها ما أصابها من قبل ومن بعد، وحلب التي تعيش تحت نار منصبّة عليها، وإدلب أرض جبل الزاوية الأشم الذي منه انطلقت مسيرة التحرير.. كلها تنزف وتئن وتحتاج من يغيثها، لكن لحمص شأن آخر.. كلها تحت الخطر، لكن حمص والساحل تواجهان اليوم خطراً محدقاً ليس كغيرهما.
الهجمة اليوم ليست مثل أي هجمة أخرى، إنما هي الهجمة الأخيرة.. هجمة التطهير الأخير..تحضيراً للدولة العلوية، لمواجهة السقوط التدريجي لدولة الأسد في شتى أنحاء البلاد.
الحرب سجال، موقع يتحرر، فيسقط ثانية، فيتحرر من جديد.. لكن حمص إن سقطت، ربما سقطت إلى الأبد.. ومثلها الساحل.. وربما لن نستطيع أن نسترجعها ولا أن ننقذ أهلنا فيها..

حمص، عاصمة الثورة السورية بحق، إن سقطت فسيكون حال الثورة السورية كلها حالاً آخر..
لقد خذلنا أهلنا في سورية كثيراً، وخذلنا إخوتنا المحاصرين في حمص طويلاً، وهم صابرون صامدون في حصار خانق بلا زاد ولا عتاد، وقد باعوا أنفسهم لله، وأي بذل يستطيعون أكثر من ذلك؟

ومع ذلك بقينا على خذلانهم.. لكننا إن خذلناهم اليوم أيضاً فلن يسامحونا.. ولن يسامحنا الله..
لا أظن الله يغفر لمن يستطيع اليوم إغاثة حمص ويتأخر عن ذلك..
إن لم تهب الأمة اليوم لإنقاذ حمص فستندم كثيراً، في الدنيا وفي الآخرة..
هذا يوم كيوم بدر.. إن تهلك هذه العصابة فلن يكون غد سورية مثل أمسها..

** *

نسمع ونقرأ عن أيام الإسلام العظيمة، لكنها لم تكن بلا ثمن، ولو لم يبذل المسلمون فيها من دمائهم وأموالهم لما استحقوا نصر الله.
في يوم جيش العسرة بذل عثمان -رضي الله عنه- ماله فأمكن لهذا الجيش أن يتجهز ويسير.
وفي يوم اليرموك الذي كان يوماً من أعظم أيام الإسلام ومن أعظم أيام التاريخ، كان عدد وعدة جيش الروم يزيد عن عدد وعدة جيش المسلمين بأضعاف كثيرة.. فأمر أبو بكر خليفة المسلمين خالد بن الوليد وبعض جيشه بالانتقال من العراق إلى الشام، وأمر بتجميع جيوش الشام الأربعة تحت قيادة خالد لمواجهة حشد الروم الهائل، واضطر بعض هذه الجيوش للانسحاب من الأراضي التي سيطروا عليها، فأعادوا الجزية لأهل البلاد التي انسحبوا منها، فكان عدلهم وتقواهم أسباباً من جملة أسباب النصر، مع بذلهم أنفسهم وتدبير وعبقرية خالد العسكرية.
حول حمص التقى خالد وجيشه مع أبي عبيدة وجيشه، ومن حمص بدأ نصر اليرموك العظيم.
في اليرموك بقي الروم يهجمون والمسلمون صامدون يدافعون أياماً أربعة وقد اشتدت عليهم وطأة جيش الروم الجرار الجبار..
وفي اليوم الخامس برز عكرمة بن أبي جهل، وقد بدا له أن النصر يحتاج إلى فداء ليتحقق، يريد أن يكفّر عن ماضيه وماضي أبيه في عداء المسلمين، فنادى في الجند:"من يبايعني على الموت"، فاجتمع له أربعمائة مقاتل يطلبون الشهادة، وخالد لا يريد أن يفقده يحاول أن يثنيه فلا ينثني.
ونزل عكرمة وأصحابه على جيش الروم كالإعصار يزلزلون الأرض تحت أقدامهم. نزل الأربعمائة يطلبون الشهادة فلم يرجع منهم أحد، صدقوا الله فصدقهم، وارتقوا من أرض المعركة إلى جنة الخلد، تاركين أرض اليرموك مقبرة للأعداء..
أوقف عكرمة وأصحابه زحف الروم وقلب ميزان المعركة فطلب الروم هدنة لم يجبهم خالد إليها، وحُسمت المعركة في اليوم السادس.
بدأ النصر بفداء عكرمة وأصحابه، واكتمل بعبقرية خالد.

** *

ليهب كل صاحب مال من ماله، من أهل حمص ومن كل أهل سورية ومن الأمة كافة، ولينفقوا في أربح تجارة في الدنيا، ليكن كل منفق اليوم كعثمان يوم جيش العسرة.. وهل بعد هذه العسرة من عسرة؟
ولتُخرِج كل كتيبة مجاهدة في أرض سورية فرقة شهداء كفرقة عكرمة وأصحابه، فتجتمع هذه الفرق حول حمص، وحبذا لو تكون تحت نفس قيادة الجند المحاصرين في حمص، بلدة خالد، فتكون قيادة كقيادة خالد، وتهجم هجوم عكرمة وأصحابه فتكسر حصار حمص، وتكون مقبرة لمحاصري حمص ومهاجميها، ويكون مثلها لإغاثة الساحل المهدد أيضاً..
إلا تفعلوه فلن يستطيع هؤلاء الأبطال الصمود أكثر مما صمدوا، وكما قال واحد من المحاصرين في اتصاله الأخير قبل يومين: "ستقولون كانت هناك حمص.."

** *

هذا يوم حمص بلدة خالد..
يوم من أيام الأمة الخالدة، أو يكون لا قدّر الله يوماً من أيامها الأليمة..
لقد نصر الله عباده المؤمنين حملة دينه يوم اليرموك.. وفي مواطن كثيرة..
وهذه الأمة حيّة لم تمت، ودين الله حيّ لم يمت، والله حيّلا يموت، وينصر من ينصره..

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع