..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

ماذا لو أُعلنت دولة الساحل؟

الرشيد

٢٠ ٢٠١٢ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 3359

ماذا لو أُعلنت دولة الساحل؟
4.jpg

شـــــارك المادة

مما لا شك فيه أن النظام السوري يرسم خطة بديلة في حال اقتراب سقوطه، وملامح هذه الخطة تبدو واضحة لأي متابع لما يجري على الأرض. وهذه الخطة تتمثل في انكفاء عائلة الأسد بحكمهم إلى أماكنهم الأصلية التي جاؤوا منها وهي جبال العلويين في اللاذقية، ومن ثم انكفاء الطائفة العلوية برمتها إلى نفس الأماكن بحكم الترابط المصيري بين الطائفة العلوية وعائلة الأسد، والذي نجحت العائلة باقتدار في حبك خيوطه والتسويق له. وهذه الدولة التي ما إن يكتب لها الوجود حتى تلاقي الاعتراف من قبل العالم أجمع.


فدول العالم الكبرى شغوفة بإنشاء الكيانات المتنافرة في منطقة حساسة للعالم أجمع كالشرق الأوسط، وما اتفاقية سايكس- بيكو لتقسيم منطقة الشرق الأوسط ومن بعدها إعلان دولة إسرائيل بعد نجاح حركات التحرر العربية إلا مثالاً واضحاً على هوس الغرب بالتقسيم وإعادة التركيب في بقعة من العالم يستطيع أصغر سياسي أن يقسمها عرقياً وطائفياً أو حتى مذهبياً. ويبقى حديث دول العالم الكبرى عن صراع الحضارات والشرق الأوسط الكبير هو حديث الطباخ الذي يعد الطبخة بنفسه ليقسمها بنفسه أيضاً، إنما في حالة الشرق الأوسط فالطبخ والتقسيم يجري دائماً بنفس المكونات إنما باختلاف المقادير. وبعيداً عن التأويلات الساذجة ونظريات المؤامرة نجد أن من يتكلم هنا هو التاريخ ومن لا يقرأ التاريخ جيداً لا يستطيع أن يستشرف المستقبل.
على كل حال وبالعودة لدولة الساحل التي لا يفتأ الأسد شخصياً بالتلميح لها حين يتحدث عن خطر (التقسيم) في حال تعذر الوصول إلى حل للأزمة السورية وهو حل استسلام الثوار وإعلان فشل الثورة السورية حسب تصور النظام السوري. والمضحك والمبكي في آن هو اللغة التي يتكلم بها رئيس دولة وهو يتحدث عن التقسيم. فهذا منطق رئيس عصابة وليس منطقاً لرئيس دولة كان حرياً به أن يشدد على تماسك البنية السورية بمكوناتها كافة، ناهيك عن خطابه الأخير الذي صرح به وعلى أسماع الخراف التي كانت تحيط به أنه ليس رئيساً لكل السوريين! ولست هنا بصدد الحديث عن الخطاب رغم كل ما يحويه من دموية وطائفية مبطنة، إنما أشير إليه -أي الخطاب- لأنه حمل وحسب الكثير من المتابعين انكفاءً نفسياً للأسد عن الشعب الذي يحكمه، وانفصاله عن الواقع السوري في حالة من التبلد لم يشهد التاريخ لها مثيل! وابتعاد الأسد (النفسي) عن شعبه ما هو إلا ظلال لابتعاده (الجغرافي) المرتقب. وفي غياب الحس الوطني المنعدم أصلاً عند الطائفة العلوية ذات الهوى الفارسي نرى الترويج المتصاعد لدولة الساحل بدأ يأخذ صداه عند شرائح كبيرة من الطائفة العلوية، وإن اختلفت الأسباب لكن المبررات لإعلان هذه الدولة في حال نجاح الثورة السورية سوف تبقى جديرة بالاعتبار. ورغم تطمينات المجلس الوطني والقوى السياسية المعارضة وحتى الثوار أنفسهم للطائفة العلوية من ضمان أمنهم وسلامتهم إلا أن النظام السوري ذو البنية الطائفية نجح في استخدام عبارة (ما الذي سيضمن لكم ...) في معرض تحذيره للأقلية العلوية من مخاطر الانتقام والتهجير. لقد زرع النظام السوري فكرة الأبدية في عائلة الأسد وهي الفكرة التي سكت عنها الشعب طيلة أربعين سنة، وقد تلاشت كلياً تحت إصرار الثورة السورية، أما لدى الطائفة العلوية فإن فكرة الأبدية والتأليه وتوارث السلطة فهي تنطلق من موروث عقائدي ولا يمكن إزالتها بسهولة، بل أنها بالواقع الأرضية العقائدية الذي بنت عليها عائلة الأسد شرعية توارث السلطة. ومع توسيع النظام السوري لعملياته العسكرية على كامل الأرض السورية نجد أن التركيز العسكري يتم في محافظة حمص التي تلقت الضربات الأعنف من النظام، وقدمت العدد الأكبر من الشهداء، ليس لبسالة ثوارها فقط، إنما لشراسة النظام في محاولة الإمساك بها، فهي ستكون العاصمة المرجوة لدولة الساحل ويجب بذل المستحيل (لتطهيرها) من أهل السنة حسب المنطق العلوي، وهو ما نجح جزئياً في بعض حاراتها، ومن السخف أن نختصر المعركة على أرض حمص، فالثوار بدورهم (يطهرون) أجزاء كبيرة من سورية من حكم الأسد ولكن الطبيعة الجغرافية لحمص كنقطة انطلاق من الداخل حتى الحدود اللبنانية يجعل منها القلب النابض لدولة الساحل المزعومة.
ولنذهب سوية للفصل الأخير وهو سيطرة الثوار على دمشق وحلب من الممكن هنا أن نرى أبشع الفصول دموية في حال ترك المجتمع الدولي الحالة السورية دون تدخل فعلي، ولعلي أرى هذا الفصل آت لا محالة، ولن يوقف حمامات الدم التي ستحدث إلا قرار من مجلس الأمن بفك الاشتباك، ومن الممكن إصدار قرار بإحلال قوات (فصل) ستكون بالتأكيد المشرط الذي سيؤدي لتقسيم سوريا. ولا أريد في هذا الطرح أن أكون سوداوياً أكثر من رغبتي أن أكون واقعياً، فالروس بدؤوا من الآن التجهيز لهذه المعركة فهي من الآن معركتهم، والعائلة التي يدافعون عنها هي آخر كتائب الجيش الأحمر في منطقة الشرق الأوسط. وإن كانوا ينظرون إلى سوريا على أنها الجمهورية الثانية والعشرين في الإتحاد الروسي إلا أنهم سيقبلون بدولة (قزم) تدين بالولاء الكامل لهم مقابل دولة سورية ديمقراطية إن ولدت فسوف تذهب بأحلام القياصرة الجدد أدراج الرياح. إن سيل الأسلحة الروسية لا يتوقف بالتوجه نحو النظام السوري والطائرات الهجومية في طريقها إلى جبال العلويين، أما البارجات والبواخر الروسية فسوف تملأ ساحل طرطوس ربما أكثر من سفن الصيد! أما قوات المشاة الروسية والتي تدربت عملياً في الشيشان وجورجيا على حروب التحرير فهي على أهبة الاستعداد عند حدوث الصدمة الكبرى وهي سقوط النظام السوري.
ما يمكن لنا قراءته من هذا الحشد العسكري لروسيا على ضفاف المتوسط هو بداية التحضير لمعركة المصير. فانجرار الروس وراء النظام السوري ليس أعمى كما يظنه بعض الجهلة، إنما هو اصطفاف مدروس ومرتب وفي بعض الأحيان يأتي التصعيد بأوامر من الحكومة الروسية نفسها، وعندما تحدثت الناطقة باسم البيت الأبيض عن حروب بالوكالة ممكن أن تجري على الأرض السورية فهي تشير بالتأكيد للدعم الروسي المطلق للنظام السوري، وما تحذيرها إلا خوفاً من مغبة انجرار أمريكا إلى حرب لا تريدها لحسابات عدة، ولذلك بدأ الأمريكان منذ فترة بالإقرار بالدور الروسي كلاعب أساسي على الحلبة السورية ليس حباً بالروس ولكن كرهاً لخيار الحرب على الأراضي السورية. إن ما يجمع أمريكا وتركيا والغرب والعرب على الساحة السورية هو سوء التقدير حيث يبدو معظم السياسيين وكأنهم أدعياء سياسة، فالتردد والتخبط واختلاف المواقف كلها كانت عناوين واضحة للتعامل مع الملف السوري -رغم إقرارنا بتعقيد هذا الملف - إلا أن الروس ومن بعدهم الإيرانيين أظهروا قدراً كبيراً من التماسك ووحدة الموقف، وهو ما أعطى النظام السوري شرعنة قتله للمحتجين طالما يمضي في غيه مستتراً وراء المصالح الكبرى لتلك الدول. وفي حال قيام دولة الساحل لا تهم المساحة طالما أن المصالح مصانة ومضمونة. فدولة صغيرة كدولة الساحل المزعومة ستبقى سوقاً قوياً لشراء الأسلحة الروسية وميناء طرطوس سيتحول إلى قاعدة فعلية للروس بمباركة وحماية دولة بأكملها ! كما أنها - أي دولة الساحل- ستصبح إحدى فكي الكماشة الإيرانية من جهة والعلوية من جهة التي تمسك بسوريا السنية، ولا ننسى ذراع هذه الكماشة المتمثل بإسرائيل والتي سينشأ تحالف أقليات بين هذه الدول الثلاثة تطوق المكون السني في سوريا بحيث لا يتسرب (خطره) إلى باقي جمهوريات الجوار السني في روسيا، والأقليات السنية في الصين.
أما (المنفذ) التركي فمن السهل بعد تكوين هذا التحالف تحريك جبهة (علويي الأناضول) لتشكل الضلع الرابع لتطويق سوريا السنية.
والسؤال هنا أخيراً ما الحل لتفادي هكذا (سيناريو) وهل هذا السيناريو يخدم القضية السورية؟ أعتقد أن هذا السيناريو يمكن أن يصبح حلاً عندما يصبح التعايش بين السنة والعلويين ضرباً من المستحيل، وهذا الأمل بالتعايش لا يحدده الساسة، بل إنه مرهون بوجود عاملين اثنين وهما الروح الوطنية والقادة العقلاء، وإن ضاعت الأولى أي الروح الوطنية فالثانية أي القادة العقلاء من الممكن لهم (تطويع) الجماهير لتغليب مصلحة (الوطن) في نهاية الأمر. ولكن ما يؤسف عليه أن الروح الوطنية بدأت بالتلاشي، والقادة العقلاء بدؤوا بالاضمحلال في غياب تام للتعامل ( بعقلانية) من قبل النظام السوري وبالتالي من قبل الثوار. من المؤكد أن جموع السوريين لا يريدون أي خبر عن تقسيم سوريا وخصوصاً ثوارها الذين انطلقوا ضد الظلم في سوريا وليس ضد سوريا، ولكنهم لم يدركوا كيف ستكون مآلات ثورتهم، ربما بسبب إسقاطهم ثورتهم على ما سبقها من ثورات عربية، غافلين عن البعد الطائفي للمكون السوري، حيث إن الطائفية تنشأ بطريقة الفعل ورد الفعل، فمن امتهن كرامتك لطائفتك سينمو لديك شعور بالكراهية تجاه هذا الشخص وبالتالي طائفته ولو تحول هذا الشعور إلى حالة جمعية هنا يبدأ المجتمع بالتفكك وتبرز ما نسميها الطائفية.
إن إعلان دولة الساحل وعلى أساس طائفي سيحول المنطقة كلها إلى لبنان مكبر، وسيثير شهية الطائفيين والمذهبيين والعرقيين وهو الداء الأكبر الذي تحاول البشرية التخلص منه وهي الخطيئة الأولى منذ عصى إبليس ربه من منطلق عنصري (أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين).
فعلى (كبار العالم) روسيا وأمريكا أن يجلسا سوية الآن وليس غداً وعلى طاولة واحدة وتحت عنوان واحد سوريا واحدة بحدودها الحالية وأي كلام سوى ذلك سيأخذنا جميعاً إلى ما خبرناه في لبنان والعراق وحديثاً في الحولة والقبير ...

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع