..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

العسكر لا شأن لهم بالسياسة

علا الشريف

٢١ ٢٠١٣ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 4985

العسكر لا شأن لهم بالسياسة
3.jpg

شـــــارك المادة

"العسكر لا شأن لهم بالسياسة" جملة دأبنا على تكرارها منذ أخذت الثورة منحاها العسكري. نكررها لأنها أصبحت من مبادئ الثقافة السياسية العصرية أولاً، ولأننا اعتقدنا بمضمونها وتوهمنا أن تدخل العسكر في السياسة سيجر إلى شرّ مستطير ثانيًا.
ويبدو أنه قد اختلطت علينا الأمور، وأننا جاهزون لنردد من الشعارات ما لا ندرك مدلوله ولا آثاره في تطبيقاته المختلفة.

 


نتعامل مع هذا المبدأ تعاملنا مع غيره من المبادئ الغامضة التي نستعيرها من دون أن نتبصّر حقيقتها، كمصطلح المدنية، والديمقراطية، والمواطنة.. وما سواها.
قد يكون ذلك لقلة خبرتنا في السياسة وقد هجرناها أربعين عامًا ضروسًا، بل قرونًا كاملة من الانحطاط.
وقد يكون لغياب مشروع سياسي إسلامي ناضج نعتقد به ويلبي احتياجاتنا العصرية، وينسجم في الوقت نفسه مع ضوابطنا الشرعية ومقاصد ديننا في الدولة، ويكون مرجعية لنا في الأخذ والعطاء.
أيًا كان السبب فإنه ليس بمبرر ولا عذر لنتبنى من الأفكار ما يجرّنا ـ شعرنا أو لم نشعر ـ إلى مستنقع استسلمنا له طوعًا في معركة مصيرية تسخّر فيها كل الأدوات لتدجين إرادتنا.
إن الذي سهّل لنا قبول مبدأ إبعاد العسكر عن التنافس السياسي هو اعتقادنا بأن حقن الدماء مقصد أساسي من مقاصد الشريعة الإسلامية عبّر عنه الفقه السياسي بواجب "حقن الدماء، ودرء الفتنة"، وقد تصورنا بناء على ذلك أن تحييد العسكر في الصراع على الحكم يجنب الأمة الفتنة ويعصم دماءها.
هذا صحيح في حال اتفقت الأمة على شكل الدولة، وآلية اختيار حاكمها، وما هو مرجعها في التشريع ونظام الحكم، وكان العسكر مؤيدين لهذا الشكل وحامين له وضامنين لاستمراره، ويتنافس داخله المتنافسون. أما قبل ذلك.. أي خارج إطار الدولة، وقبل تأسيسها واختيار شكلها ونظام الحكم فيها، وتحديد آلية تداول السلطة داخلها.. فهنا موضع الإشكال.. وبه يتم التلاعب بالعقول والسياسات.
فحين يكون الصراع على الدولة صراعَ أفكار ومعتقدات لا مجال فيه لأنصاف الحلول تُسخَّر في هذا الصراع المصيري كل الإمكانات، وأبرزها القوة العسكرية التي تكون حاسمة في فرض إرادة طرف على آخر، وسيكون من الغباء لطرف أن يتخلى عن هذه القوة لو أتيحت له.
وقد ردد الثوار السوريون مقولة "لا شأن للعسكر بالسياسة"، والواقع أن هذا الشعار لن يجعل قرار السياسيين مستقلاً عن قرار العسكر، بل سيجعل قرار السياسيين عاجزًا لأنه لا نفوذ له على العسكر ولا يستطيع أن يضمن تأييدهم لقراراته، وذلك سيدفع السياسيين إلى البحث عن مصدر قوة آخر، قد يكون الاعترافَ الدولي، أو التمويلَ الخارجي، وبذلك سيكون القرار السياسي مرتهنًا لمصدر قوته، شأنَ الائتلاف السوري.
أما من يرفض الاستقواء بالخارج فإنه يحتج لمبدأ تحييد العسكر بأن التأييد الشعبي هو مصدر الشرعية السياسية، وأن الإرادة الشعبية قوة ضغط على العسكر أنفسهم، مستدلاً على ذلك بأن شرعية الأسد سقطت بمجرد خسارته للتأييد الشعبي، وأن جيشه لم يستطع أن يصمد أمام الإرادة الشعبية، ولم يكن بإمكان الترسانة العسكرية أن تعيد لنظام الأسد الشرعية التي فقدها؟!
على الرغم مما يبدو عليه هذا الكلام من منطقية وما يتراءى فيه من وجاهة، فإن فيه إشكالات قوية.
إن الشرعية السياسية تُستمد من القوة، ومصادر القوة متعددة، منها تأييد الرأي العام أو الأغلبية، ومنها القوة العسكرية، ومنها القوة الاقتصادية، ومنها الخبرات والكفاءات، ومنها التحالفات الداخلية أو الخارجية.. وأي طرف في الصراع يحوز أعلى نسبة من مصادر القوة تلك يحرز التقدم والتفوق أمام خصومه.
ولنضرب لذلك مثلاً بما حدث في مصر، فحكومة الإخوان حكومة شرعية منتخبة (بحسب المقاييس الديمقراطية) ضمنت تأييد نسبة عالية من الناس، وضمّت في صفوفها خيرة الكفاءات والخبرات.
هذا كله لم يمنحها التفوق ولم يحقق لها الاستقرار اللازم لمباشرة مشروعات البناء والإصلاح، لأن من يملكون القوة الاقتصادية يتحالفون مع القوة العسكرية وتدعمهم تحالفات دولية لتفشيل الإخوان.
هذا كله جعل الشرعية الشعبية مشلولة، وأدى إلى فشل خطط الإصلاح، وتوّج ذلك كلَّه انقلابٌ مدعوم من العسكر ألغى أي معنى للتأييد الشعبي. يمكننا أن نستخلص من هذا كله أن التأييد الشعبي عنصر من عناصر الشرعية السياسية، فإذا كان مدعومًا بقوة عسكرية استطاع إحراز مكاسب حقيقية ومضمونة، وهذا ما عبّرت عنه السياسة الشرعية بالشوكة والمنعة.
وسوف يكون قوة لا تقهر إذا استطاع كسب الخبرات في صفوفه وأحسن استغلال إمكاناتهم، وضمن امتلاك مصادر القوة الاقتصادية، وخلق تحالفات متنوعة داخلية وخارجية داعمة لقضيته.
إن تحقيق هذا القدر العالي من التماسك في إمكانات الثورة السورية كفيل بأن يحدث فيها نقلة نوعية وتفوقًا يفرض احترامه وإرادته على الجميع، داخليًا وخارجيًا، ويحقق المكاسب والانتصارات على جميع الأصعدة.
ولا أدل على ما نقول إلا ما حصل من مبادرة أمريكا لحوار الجبهة الإسلامية متجاوزة الائتلاف السوري لأنها تدرك أن الاتفاقيات التي يتعهد بالائتلاف غير ملزمة لثوار الداخل وليست بذات سلطة علىى الفصائل المسلحة.
أدرك هذا الغرب ونحن للأسف ـ عمدًا وبكثير من الجهل ـ نصرّ على تفكيك الثورة السورية إلى ثوار خارج منقطعين عن عوامل التأثير، وثوار داخل متفرقين وعاجزين عن الاتفاق على أخيار أكفاء يمثلونهم، وعسكر زعموا أن لا شأن لهم بالسياسة، وموارد مهدورة وموزعة أو محتكرة، وكفاءات تخلت عن واجبها ولحقت بأمنها ومصالحها الخاصة...!
ليس الهدف من هذا المقال أن نقول إننا عاجزون، بل الهدف أن نبحث عن موطن الداء ونطلب له العلاج الناجع.
وإننا ندعي أن عزل العسكر عن القرار السياسي عامل أساسي من عوامل إهدار قوانا وتعطيل إرادتنا، بوهم ساد فينا وطعم ابتلعناه، فخسرنا به التأييد الشعبي، وخسرنا في الوقت نفسه التأثير في العسكر، ولم نحقق بالتالي أية مكاسب ولا انتصرنا لقضية.
طبعًا لأننا نسينا أو تجاهلنا أن العسكر في الثورة السورية هم الثوار أنفسهم حملوا السلاح وليسوا شيئًا آخر غير الشعب، طلبنا منهم أن يبذلوا دماءهم في سبيل قضية آمنوا وآمنا بها، ثم منعناهم أن يكون لهم رأي فيها، مدعين أننا أولى منهم بذلك لأننا لم نحمل السلاح!!
أخيرًا ينبغي التنويه بأنه ليس المقصود من اعتبار رأي العسكر في القرار السياسي أن نحول القرار السياسي إلى استعراض عضلات يتولى فيه الأقوى كبره، أو يُفرض فيه الرأي بالسلاح وتسفك في سبيل ذلك الدماء.. لا.. ما نطمح إليه هو تنظيم قوى الداخل، وتشكيل جسم سياسي أو هيئة شورية تضم الشرفاء الناصحين ممن يسمون بأهل الحل والعقد في مختلف الاختصاصات، ويمثل العسكريين فيه أفضلُ الكفاءات من بينهم يعبرون عن رأيهم، ويضمنون التزام فصائلهم بقرارت هذه الهيئة وما يصدر عنها.
وبذلك يصبح التمثيل السياسي ذا قوة وقادرًا على التأثير، وتوجد الثورة لها قيادة معتبرة تلزم الآخرين باحترامها والتعامل الندّيّ معها.

والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل.

 

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع