..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


مقالات منوعة

درب الآلام السوري

غزوان طاهر قرنفل

٣ ٢٠١٣ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 3499

درب الآلام السوري
1 النصرة الجبهة.jpg

شـــــارك المادة

عندما تكون المجازر ملمحا أساسيا من ملامح إعمال سلطة ما لنفوذها، وعندما يسقط أكثر من مئة ألف شهيد ويكون ثمة أكثر من مليوني لاجئ ونازح سوري مفترشين العراء والجوع، فنحن أمام جريمة إبادة جماعية للجنس البشري يكون الصمت عنها أكثر دناءة وخسَة من مجرد ارتكابها.

 

 

وكما في ميونيخ الألمانية العام 1938 اتفق الأوربيون وفي المقدمة منهم رئيس الوزراء البريطاني (تشيمبرلن) مع (هتلر) على التضحية بتشيكوسلوفاكيا لـ (إنقاذ السلام) في العالم، حينها صرح ونستون تشرشل (لقد ذهبتم لتجنب الحرب وعدتم مكللين بالعار وفي النهاية ستحتفظون بالعار وستقع الحرب) ... هاهو العالم اليوم يقبل بالعار وينكفئ عن معالجة الأزمة السورية ليتخلى عنها لصالح الجوع الروسي والنهم الإيراني الذي يرى في الجغرافية السورية مجالا حيويا لهيبته الدولية المتآكلة ومصالحه الإقليمية التوسعية التي تتناقض كليا مع المصالح العليا للسوريين ..
لتستمر هذه الكارثة في ابتلاع الوطن السوري وتحويله إلى مجرد أشلاء تتصارع عليه ضباع الإقليم ويكون السوريون هم وقود ذلك الجحيم وحطبها.
عبثا يحاول السوريون التماس دعم أو حل في مشارق الأرض ومغاربها ... بعضهم يسعى عبثا لنسج حل مع الروس دون أن يدرك - أو هو يدرك ويقبل - أن سقف ما تملكه روسيا للسوريين هو إبقاء الأسد مع الكثير من الماكياج لإخفاء معالم القبح والعهر البادية على وجه نظام العصابة ، فروسيا قامرت بكل رصيدها في المنطقة على قلته عندما وقفت ضد إرادة السوريين بالتغيير وناصرت النظام بكل جرائمه ضد شعبه، وهي ستمشي بالشوط حتى نهايته لأن سقوط الأسد ونظامه لم يعد يعني فقط سقوط الهيبة الروسية عالميا واقليميا بل يعني بدء اشتعال المعطف الروسي من جيبه الشيشاني .
وعبثا أيضا يحاول معارضين آخرين إقحام أمريكا في ذلك الصراع في زمن الانكفاء الأمريكي عن كل مالايهدد مصالحها الحيوية في ( النفط وأمن اسرائيل ) على نحو مباشر بالخطر ..
ولقد علمتنا التجارب أن من يلتحف غطاء أمريكيا لابد أن يستيقظ ذات ليلة عاريا!!!... ولعل ماصرح به جون كيري وزير خارجيتها حول ضرورة جلوس المعارضة مع الأسد على طاولة المفاوضات يؤكد هذا المعنى ..
فهذا التصريح لايمثل فقط نكوصا عن كل ما اتفق عليه مع المعارضة السورية والحلفاء الإقليميين بل صفعة مؤلمة لوجوههم وركلة مذلة على مؤخراتهم.
واضح أن القطبين مختلفين على رؤيتهم للمستقبل السوري لكنهم في كل الحالات متفقين على ترك الأمور تأخذ مداها، وفي ظل الانغماس الروسي في المستنقع السوري ومد النظام بكل أسباب الديمومة لاترى الولايات المتحدة بالمقابل حاجة للتورط طالما الخصوم ينهكون أنفسهم بأنفسهم..
ومع غض الطرف الأمريكي عن تقديم الدعم العسكري المحدود للمعارضة السورية ما تتيح لها تحقيق مكاسب محدودة وتوسع مجال سيطرتها على مساحات جغرافية أخرى دون أن تمكنها من الحسم الكامل يخشى السوريون أن يفضي ذلك لارتسام ملامح خطوط تماس جديدة بين المعارضة والسلطة لن يكون بمقدور _ أو يتاح لـ _ أي منهما تغيير مناطق ارتسامها لتتحول المسألة إلى حرب استنزاف مديدة يخشى أن تنتهي - في أحسن الأحوال - إلى أفق حل دولي يرسم خريطة جديدة لسوريا تأخذ خطوطها وملامحها من ( اتفاق دايتون للسلام في البوسنة ) ويكون كل الأطراف بعد طول إنهاك جاهزين لتقبله والركون إليه . وحدهم السوريون إذا من يتعين عليهم أن يدفعوا - ليس فقط ثمن حريتهم وتخاذل العالم عن نصرتهم بل وصراع وتجاذب المصالح الدولية على أرضهم - دما ودمارا وتشردا ، متروكون لمصيرهم أمام أعتى وأحط نظام يمكن أن تشهده اليشرية ...
ولم يعد أمامهم اليوم إلا متابعة خوض الصراع إلى منتهاه بقواهم الذاتية وبالقليل من الدعم الذي يتحصلون عليه مهما كانت الأثمان التي يترتب عليهم دفعها ، لأن النكوص إلى الوراء يعني بالضرورة موتا سريريا للمجتمع السوري لعقود طويلة آتية .

هي معركة ولادة جديدة لسوريين جدد ولسورية جديدة، يتطلعون لمستقبل يختلف كثيرا عما ألفه وتعايش معه آباؤهم ... مايضعنا جميعا أمام مسؤولياتنا الوطنية والتاريخية ، هل نبقى كمعارضين نتلهى بالخلاف على اقتسام جلد الدب قبل اصطياده ونرمي بسهام الغدر والضغينة ظهور بعضنا فيما يعمل النظام فينا آلته العسكرية قتلا وتدميرا ؟!!! قليل من الاحترام لدماء الشهداء وآلام المشردين تكفي لتسقط عنا أنانياتنا المفرطة ورؤانا القاصرة .. لنرى حقيقة المآل السوري الكارثي الذي يوجب علينا نبذ الفرقة والتناحر لأنه السبيل الأمثل والوحيد لنتمكن من هزيمة العصابة وترميم ماتبقى من ركام وطن يلم شملنا ويبلسم جراحنا.
هو درب الآلام الذي يتعين علينا كسوريين السير عليه نحو خلاصنا من أجل سورية التي نحلم والحياة التي نستحق .

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع