..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


مقالات منوعة

القادم أحلى

نجوى شبلي

٢٧ ٢٠١٢ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 2419

القادم أحلى
1علم سورية.jpg

شـــــارك المادة

امتدت يدي إلى مفتاح مكيف الغرفة بعد أن شعرت بالحاجة إلى شيء من البرودة يخفف عني الضيق الذي أشعر به.

مرت عيني على التقويم؛ لأتذكر أننا في فصل الشتاء, ولكن لا فرق فشتاء جدة لا يختلف كثيرا عن صيفها .
رحلت بذاكرتي إلى هناك إلى مدينتي بانياس حيث الجو المعتدل الذي يميل إلى البرودة في هذا الفصل إنه جو البحر الأبيض المتوسط .

 


تذكرت جلوسي وإخوتي حول منقل الفحم والنار تتأجج فيه, ورائحة قشر الليمون . وصوت فرقعة حبات الكستناء التي تخبر بأنها نضجت.
وفي رحلة الذاكرة هذه, وجدت نفسي في القامشلي حيث عشت وزوجي فترة من الزمن، الشتاء هناك مختلف حيث البرودة التي تبعثها الثلوج التي تكسو الأرض وأسطح البيوت, وحيث لا يدفع البرد إلا مدفاة كبيرة تعمل على المازوت, وقد نحتاج معها إلى لبس شراب يغطي أقدامنا, ثم الاندساس في الفراش تحت لحاف سميك وبطانية من الصوف الحر .
مرت هذه الصور سريعة، تخيلت بعدها حال هؤلاء الذين أجبروا على الرحيل من سورية، فارين من قسوة البشر وتآمر العالم الظالم عليهم ؛ ليعيشوا هناك في مخيمات اللجوء في تركيا والأردن ولبنان وغيرها .
مرت في ذهني صورة لطفلة تبحث عن لعبتها التي اصطحبتها معها وأخذتها على عجل حينما رحلت ؛ لتستقر وعائلتها في هذه الخيمة، وهاهي تبحث عنها الآن وسط المياه التي جرفت الخيمة .
وهناك لاحت من بعيد صورة لامرأة تحاول أن تبعث الدفء في أجساد أطفالها ؛فلا تجد إلا غطاء رقيقا لا يستطيع أن يدفع عنهم قسوة البرد الشديد، ودرجات الحرارة التي قد تصل إلى ما دون الصفر أحيانا، عدا عن الثلوج التي كانت مصدرمعاناة وألم ومرض، ولا تجدي معه حبات المسكن التي تعطى لها ولأبنائها .
اعتصر الألم قلبي وأنا أتصور حال هؤلاء المساكين عندما تأتي الرياح الشديدة فتقتلع خيامهم ؛ فلا يدرون إلى أين يلجؤون؟.، وإلى من يشتكون ؟.
أإلى الغرب أو إلى الشرق ومن أغمض عينيه عن رؤية مأساتهم، وصم أذنيه عن سماع صرخاتهم ؟!
ربما يكون هؤلاء أسعد حالا ممن بقي في الداخل، ويتعرضون للقتل والذبح والاغتصاب وبيوتهم تهدم فوق رؤوسهم، ومن رحل هو أسعد حالا ممن بقي، فمن رحل رحل إلى عالم آخر هو أكثر أمانا وراحة، وكيف لا وهم في ضيافة الرحمن .
نعم هم أفضل حالا ولا شك إن شاء الله، فمن بقي على قيد الحياة عليه أن يتدبر أمره, إنه يفتقد كل شيء، يفتقد الدفء، يفتقد الملبس، يفتقد المأوى، وأهم من ذلك كله يفتقد الأمان الذي سلبه منه حاكم ظالم، وأتباع فقدوا إنسانيتهم، وتعاونت معهم كل قوى الشر من كل مكان .
لقد أصبح هؤلاء المساكين في حاجة لكل ما يمكن أن يبقي الإنسان حيا، وليعيش كما أراد الله له، وليس كما أراد صانعوا الموت والدمار .
لقد فقد هؤلاء كل شيء، ولعل قيمتهم كبشر هو أهم ما فقدوه، وربما كانت جمعيات حقوق الحيوان أقدر على نقل معاناة من وليت أمرهم.
جمعيات حقوق الإنسان التي أدارت ظهرها للإنسان ولم تر له حقوقا إذا كان مسلما وسنيا .
آه وألف آه يا أبناء بلدي .
ليس لنا إلا أن نشكو همنا إلى الله ؛ فعسى أن يسخر لنا إخوة شاركناهم العقيدة، واللغة، والإنسانية وتألمنا لألمهم, فلم يشعر بمأساتنا إلا النذر اليسير منهم .
يا شعبي المظلوم لم يبق إلا القليل والقليل من الزمن لتشرق الشمس، ويعم الدفء، ونتنفس وبعمق الحرية التي افتقدناها، وقد حصلنا عليها، ودفعنا دماءنا وأرواحنا وراحتنا فداء لها. فالصبر، الصبر ...
فالقادم أحلى .

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع