..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


مقالات منوعة

زيتون في معصرة الثورة

سلوى الوفائي

١٥ ٢٠١٢ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 6407

زيتون في معصرة الثورة
1.jpg

شـــــارك المادة

زيتون في معصرة الثورة بعد شهور انتظار، طلع علينا الأسد بخطاب هزيل يحكي فيه عن انجازاته في سورية العظيمة و يتباهي أنّ سورية في عصره أصبحت من أفضل دول العالم في إنتاج الزيتون، من أجل ذلك أحرق رامي مخلوف عشرة آلاف شجرة زيتون في إدلب لصاحبها غسان عبود لأنه رفض مشاركته على أسهم قناته الفضائية، إذ لا ينبغي لمستثمر أن يفرّ من قبضة الاستغلال في سورية، و من أجل أهمية الزيتون صرّح الأسد أنّ ما يجري في حمص من قلاقل سببه شجار بين تجار سوق الهال في حمص، ربّما كانوا مختلفين حول (قبان) الزيتون.

 

فلا غرابة أن يصبح الزيتون رمزاً للثورة السورية المباركة لأنّ مشعل الحرية أوقدّ من شجرة مباركة، زيتونة، لا شرقية و لا غربية، يكاد زيتها يضيء و قد بدأت جذوته تتقد في درعا الجنوب، و تأجّجت حتى حمل مشعلها القاصي و الداني في سورية. و اليوم يطلّ النّور قادم من الجنوب من أرض اليرموك، من بين شوكه أزهر الصبّار. حمل مشعله فلسطينيون، إخوة لنا في الكفاح و النضال ضد الاحتلال. أدركوا و هم أقدر الناس على فهم سيكولوجيا الذّبح، أنّ الأسد و اسرائيل وجهان لعملة واحدة، و أنّ الممناعة لم تكن إلّا محض كذبة أغرقهم الأسد في أوهامها سنين و سنين. أنشأ مخيم اليرموك عام 1957 لتوفير الإقامة والمسكن للاجئين الفلسطينين في سورية. يعتبر أكبر تجمع للاجئين الفلسطينين في سورية ويقع على مسافة 8 كم من دمشق داخل حدود المدينة. لم تقتصر الحياة فيه على الفلسطينين فقط بل هناك عائلات سورية كثيرة تسكن في المخيم، توجد فيه مقبرة شهداء الثورة الفلسطينية، و فيها قبور لأبرز القادة في تاريخ الثورة الفلسطينية كأمير الشهداء خليل الوزير أبو جهاد، و أبو الوليد، وأبو العباس والكثير من الشهداء من أبناء هذا المخيم الذين قدموا التضحيات لفلسطين. و اليوم يقف أصغر أطفال اليرموك ليقولوا قولتهم: نموت واقفين لتحيا سورية حضن اللاجئين. يعبّرون عن تضامنهم مع شعب سورية الثورة، سورية الحرية، سورية العزة و الكرامة، و يعبروا عن بغضهم لنظام ممانعة منافق حال بينهم و بين فلسطينهم نصف قرن من الزمن، و تاجر بدمائهم و أعراضهم باسم الصمود و باسم المقاومة، ليكشف زيفه اليوم جهاد مقدسي بكلمات صدق فيها وهو الكاذب أنّ نظام حكومته يعتبر الفلسطينيين ضيوفاً أساؤوا أدب الضيافة و قد حقّ عليهم العذاب. لأجل ذلك امتدت المؤامرة الأسدية لتطال رقاب الفلسطينيين و تشعل فتيل المناحرات بين صفوفهم ليجرّ المنطقة كلّها إلى ساحات الفتنة التي برع بزرعها كما لم يبرع أحدٌ من قبل. اشتعلت المخيمات الفلسطينية في دمشق أخيراً و تأججت حالة من الغليان بعد مجزرة أمس التي راح ضحيتها عدد من الأخوة الفلسطينيين , وقد خرج أهالي مخيمي اليرموك وفلسطين في مظاهرة عارمة من مسجد فلسطين قدرت بعشرات الآلاف للتنديد بالمجازر الوحشية التي ترتكبها عصابات الإجرام الأسدية بحق الشعبين الشقيقين ونادت بإسقاط الأسد , و أكّدت على تضامن الشعب الفلسطيني مع الشعب السوري ووقوفه إلى جانبه ضد الأسد الطاغية. لا أحد يعرف حقيقة نظام الممانعة الأسدية كما عرفه الشعب الفلسطيني الذي ذاق الأمرّين من مؤامرات هذا النظام على القضية الفلسطينية ومتاجرته بها طيلة نصف قرن من الزمن , فأخذ يرتكب المجزرة تلو الأخرى بحق شعبنا الفلسطيني لاسيما في لبنان، فالجرائم الوحشية والمجازر الدموية الشهيرة التي ارتكبها نظام الممانعة في الثمانينات بحق شعبنا الفلسطيني في المخيمات الفلسطينية في لبنان ومن أشهرها مجازر مخيمي عين الحلوة وتل الزعتر لم تفعل مثلها اسرائيل حتى عند اجتياحها للبنان عام 1982. ومن أبشع تلك الجرائم التي شهدها العصر الحديث حصار حافظ الأسد للمخيمات الفلسطينية وترك أهاليها يموتون جوعا , فبعث ياسر عرفات برسائله إليه يناشده فيها بفك الحصار عنهم لأنهم أصبحوا يأكلون الكلاب والقطط , فأجابه الطاغية : " سأجعلكم عبرة للتاريخ" ، فأجابه عرفات : "عرفنا الآن أنك أداة اسرائيلية"، و اليوم فهمها القاصي و الداني فهبّ الشعب الفلسطيني ليقول كلمته لن نهدأ حتى إسقاط النظام وسنحاسب كلّ من يقف إلى جانبه من قوى وأحزاب الممانعة العميلة وفي مقدمتها الخائن أحمد جبريل شيطان المخيمات الذي تمّ تدجينه في فروع الأمن السورية ليكون اليد الطويلة لهم في المخيمات و قد لعب دوراً قذراً في تحريض الفتنة و سفك دماء الفلسطينين. و لم يمض زمن طويل بعد على اغتيال القيادي في حماس كمال غناجة المعروف باسم نزار أبو مجاهد، و هو قيادي من الصفّ السرّي، قُتل على يد الشبيحة في بيته في قدسيا، حين جاء في زيارة مؤقتة لسورية، بمحاولة من النظام الأسدي الغاشم لإيصال رسالة إلى قيادة حماس التي يعتبرها ناكرة للجميل. وجد كمال غنّاجة مقتولاً في بيته و عليه آثار تعذيب، و ملقىً في سقيفة المنزل، و حاولوا أن يحرقوا بيته لإخفاء آثار جريمتهم البشعة فشاء القدر إلا أن يفتضحوا، و نعته حماس قائلة في بيانها: "لقد قضى غناجة عمره عاملًا في صفوف حركة حماس وفي خدمة قضيته وشعبه"، وأكّدت حماس أنّ دماءه لن تذهب هدرًا. وغادر العديد من قادة حركة حماس العاصمة السورية دمشق، و هي مقر مكتبهم الرئيسي، بعد تفجر الأوضاع السياسية هناك. وامتدّ طغيان الأسد على الفلسطينين حتى وصل إلى مخيماتهم في لبنان. ألا تكفي ستة عقود من البؤس البشري الفظيع، و القهر السريالي الذي عاشه الفلسطينيون في نهر البارد وعين الحلوة؟ ألا يكفي متاجرة بالهوية الفلسطينية حتى من قبل الفلسطينين أنفسهم؟ العرب بثرواتهم المختزنة و إسرائيل بعقل غولدا مائيرا و بن غوريون و سادة العالم النُّجب من القطب إلى القطب، كلّهم يشاركون بتحريك الخيوط السوداء لمسرح الكوميديا السوداء. من صائب عريقات، ذو الوجه البارد الذي يختزن ثقافة الإفلاس العربي، إلى اسماعيل هنية الذي أقام دولته المستقلة في غزة، إلى محمود عباس الذي لا يعلم أحد على أيّ وسادة يتكأ حالياً، كلّهم تدخلوا في مساعي لمعالجة الأزمة، و ردّدوا كعادتهم عباراتهم الببغائية حول العلاقات اللبنانية-الفلسطينية، دون أن يشيروا و لو بالبنان إلى مُخرج المسرحية و مُنتجها الحصريّ. ما تقوم به حكومة الأسد المجرمة من زرع الفتن – و هو الفنّ الوحيد الذي تتقنه إلى حدّ الفضيحة – إنّما يهدف إلى تصدير الأزمة السورية إلى خارج سورية بعد أن فقدت السيطرة عليها داخلياً. إنّ اختلاق أزمات كأزمة المخيمات الفلسطينية و أزمة استهداف الطائرات التركية وقبلها أزمة اختطاف الرهائن اللبناينة، إنّما يهدف إلى تشتيت الإعلام العالمي، و صرفه عن واقع المأساة كمن يرمي بالعظام إلى الكلاب، ليحتفظ لنفسه باللحم الخالص ليتلذذ بشوائه على نار الطائفية و يقدّمه وجبة دسمة لبشر من الدرجة الثانية أو العاشرة اختلّت جيناتهم الوراثية لكثرة ما اعتادوا أكل الخبيث. لقد تحول اليرموك إلى ساحة تحرير كما تحول مخيم نهر البارد إلى ميدان تحرير قبل 15 يوماً. و قد خرج آلاف الفلسطينيين في اليرموك أمس في تظاهرات حاشدة وهتفوا للحرية و لإسقاط النظام الأسدي و كذبة المقاومة و الممناعة، و لعنوا روح طاغية الشام و أنشدوا "سكابا يا دموع العين "، و عشرات الهتافات و الأناشيد الثورية و حملوا أعلام فلسطين و الثورة السورية المباركة. هذه هي روح التضامن العربي الذي نتمناه و نؤمن به، حصدنا اليوم قطافاً لبذور غرسناها في تربة صالحة، فهل ينسى الفلسطينيون أخوة لهم احتضنوهم و كانوا عونا لهم في زمن الطغيان؟ لا يطرح النخيل إلا ثمراً طيباً، و لا ينضح الزيتون إلّا زيتاً مباركاً نسرج به مشاعلنا لنمضي معاً في ساحات الحرية وصولاً إلى القدس الشريف. ومحال أن ينتهي الزيتون يا فلسطين الحبيبة. عاشت فلسطين حرة أبية، عاشت سورية و يسقط الطغيان.

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع