..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


مقالات منوعة

قواعد هامة في فهم الواقع السوري

سعيد الحمصي

٣١ ٢٠١١ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 2285

قواعد هامة في فهم الواقع السوري

شـــــارك المادة

منذ فترة وأنا أتعامل مع ما أعيشه في حياتي معتمداً على مجموعة قواعد آمنت بها وتعايشت مع من حولي من خلالها، وكان لها دور كبير في إيضاح الكثير من الحقائق لي، وكانت توصلني هذه القواعد إلى التعامل بالعدل مع الناس وعدم ظلمهم والجور عليهم، وسأتناول على مدى ثلاثة مقالات بعض هذه القواعد وأطبقها على الحالة السورية، وهدفي من ذلك أن أتعرف إلى حقيقة ما يجري في سوريا، بعد أن تضاربت الآراء:


- الرأي الأول: يهاجم النظام ويتهمه بالظلم وممارسة القهر والذل للشعب السوري، وذلك فقط لأنه طالب بعد أربعين سنة من الخنوع والخضوع والاستسلام لهذا النظام، طالب بحرية... كرامة... احترام، وبعد ذلك بدأ يقول لن نحصل على هذه الطلبات الثلاثة إلا بعد سقوط هذا النظام، فبدأ يطالب بسقوط النظام.
- الرأي الثاني: يدافع عن النظام، ويوزع اتهامات تطور الأحداث إلى مجموعة عصابات؛ تارة يقول عنها إخوان، وتارة بشمرجا، وتارة سلفية جهادية مدربين لدى المخابرات الأمريكية، وتارة مخربين مهربين مخدرات تابعين إلى لبنان، وأن النظام بريء من كل ما ينسب إليه من قتل المواطنين الأبرياء، بل هم من يُقتلون على أيدي هذه العصابات الإرهابية، وأن الدولة تمشي في إصلاحات، ولكن للأسف أن الفتنة التي تعصف بالبلاد لا تعطي ولا تريد أن تعطي فرصة للإصلاح.
حسناً؛ الآن المواطن السوري من يصدق، وما هي الأسس التي يكتشف فيها الكاذب من الصادق، وأهمية تحديد الصادق من الكاذب هنا، تتركز في تحديد موقفه ودوره في الأحداث، وتحدد مسؤوليته، وواجباته اتجاه ما يحدث، حيث أنه لا بدّ أن يكون لكل مواطن سوري دور في تحديد شكل المستقبل الذي سيعيش فيه ما تبقى من عمره، والذي سيعيش فيه أبناؤه وبناته في المستقبل.
القاعدة الأولى: ما بني على باطل فهو باطل:
عندما يُحكم بقطع يد رجل اتهم بالسرقة، يكون مبنياً على أدلة ترفق مع التهمة للمحكمة، وشهود يشهدون ضده، وعليه يصدر حكم قطع اليد، ولكن إذا تبين للقاضي بطلان الأدلة، وتزوير الشهود للحقيقة فإنه سرعان ما يلغي حكمه على هذا الرجل، فعندما نسأله: لماذا غيرت حكماً قد صدر وانتهى، يقول: لبطلان الأدلة، وما بني على باطل فهو باطل.
من المثال السابق وأمثلة كثيرة أخرى تُثبت صحة هذه القاعدة، من هنا سننطلق إلى ادعاء النظام السوري بوجود جماعات إرهابية تقوم بقتل الجيش والأمن، والناس، وهذا ما استدعى قوى الأمن والجيش التوجه لمحاصرة المدن والقرى لمحاربة هؤلاء، ومنعهم من الإفساد ونشر المخدرات، وبث الفتنة الطائفية بين الشعب السوري، وينسبون كل القتل الذي يقومون هم فيه إلى هذه الجماعات ويبرؤون الجيش والأمن من ذلك كله.
السارق في مثالنا هو الجماعات الإرهابية في مثالهم، وشهود الزور والأدلة هم النظام وأمنه، والقاضي في المثال هو المواطن السوري، النظام يتهم جماعات إرهابية تخريبية تحمل أجندة خارجية، تريد تهديد أمن الدولة ووحدته، وذلك بسبب أنها دولة ممانعة وداعمة للمقاومة سواء الفلسطينية أو اللبنانية، ودليلها على ذلك شهود عيان وهم الأمن والجيش، وطبعاً الإعلام المزمر والمطبل بحياة النظام.
لدينا هنا كلمات مهمة لنناقشها بإسهاب وهي:
* جماعات إرهابية تخريبية تحمل أجندة خارجية: ولنا أن نسأل أنفسنا من أين أتت هذه الجماعات؟ ومتى جاءت؟ وكيف جاءت؟ الجميع يعلم أن النظام السوري نظام قمعي مجرم، وأن المواطن السوري خلال العقود الأربع الماضية لا يجرؤ أن يحمل سكين، أو أن يواجه جندي صغير في الأمن، والجميع يعلم ذلك، ثم هل هم من أجبر الأطفال بالكتابة على الجدران؟ وهل هم من أجبر أهالي درعا للمظاهرة لصالح أولادهم بسبب ما نالوه من تعذيب وتقليع للأظافر؟ وهل هم من أشعلوا الشارع السوري بالمظاهرات؟ ثم لقد كان من الصعوبة في البداية تحديد هويتهم، فتارة يوجهون التهم للعراق، وتارة للبنان، وتارة لتركيا، وأخيراً للسلفية الجهادية المتدربة لدى المخابرات الأمريكي، في حين أن المخابرات الأمريكية قتلت رأس السلفية الجهادية أسامة بن لادن، وهي تحتضن أتباعه وتدربهم!!، والله قمة السخرية والاستهزاء بالمواطن السوري.
* بسبب أنها -أي سوريا- دولة ممانعة ومقاومة تحتضن المقاومة الفلسطينية واللبنانية: أيضاً هذا محض كذبٍ، خلال أربعة عقود أيضاً لم تكن إسرائيل مرتاحة على حدود مثل ارتياحها على الحدود السورية، فمنذ 1973م لم يتم إطلاق طلقة واحدة بالجولان، ثم ثانياً: لقد تكشف اليوم أن من باع الجولان هو النظام السوري، ومن أعطى الأمان لإسرائيل هو النظام، ثم ما معنى احتضن المقاومة الفلسطينية أولاً؟ هل يعني سمح لهم بالبقاء في سوريا، فهذا نعم حصل ولكن مقابل مكاسب مالية يعرفها من يعرفها، وأما إذا كان المقصود بكلمة احتضان المقاومة أي دعمها ومساعدتها على المقاومة فهذا لم يحدث، ومنذ أن تواجدت المقاومة الفلسطينية في سوريا، وهي مأسورة مكبلة، لا تستطيع أن تصرح بأي أمر إلا من خلال النظام السوري، ولا بدّ أن يمجد بداية هذا النظام، وقد تعدى الأمر إلى التمجيد بإيران وبأحمدي نجاد حيث وصف بأنه أمير المؤمنين، وأما المقاومة اللبنانية فإنني أشهد بأنهم احتضنوها بالمعنيين، وهذا الدعم لحزب اللات والعزى، هو الاحتضان الحقيقي، ولكن علينا أن نعرف ما هي المقاومة اللبنانية هل هي فعلاً مقاومة العدو؟، أقول نعم هي مقاومة العدو، ولكن ما تعريف العدو بالنسبة لحزب اللات والعزى، هو نحن أي الشعوب السنية، وليس العدو الصهيوني، وقد أثبتوا ذلك بمساندة النظام في قتل شعبه، مساندة إعلامية وعسكرية كما روى أكثر من شاهد عيان، ولعل الأيام القريبة القادمة ستكشف لنا ذلك بكل وضوح.
* شهود عيان وهم الأمن والجيش، وطبعاً الإعلام المزمر والمطبل بحياة النظام: إن القاضي عندما يريد أن ينظر إلى قضية ما لا بدّ أن يستمع إلى كافة الأطراف، ومن ثم يستمع لشهود الإثبات وشهود النفي، ثم يصدر حكمه، أليس ذلك ما يحدث يا أهل العدل؟ إن المتهم هو النظام والذي ينفذ جرائمه بأيدي الأمن وبعض ميليشيات الجيش، وقد أدلى بما لديه، فأين الخصم وأين شهود العيان المستقلين، إن النظام السوري، دأب على عدم السماح لأي وسيلة إعلامية بالدخول لتشهد على ما يحدث في سوريا، ويمنع الناس أن تتحدث بأريحية لدى حتى وسائل إعلامه، ونحن نعلم أن السعي المنظم والمرتب إلى عدم إظهار ما يحدث في سوريا اليوم لهو الدليل القاطع على أن هذا النظام كاذب فيما يدعيه ويقوله، بل ومدلس للحقائق، وإلا لو كان صادقاً لأظهر ما يفعله أمام الناس.
مما سبق يثبت أن النظام قد مارس الكذب في كافة ما يصرح به وما يقوله، وأن ما بنى عليه تبرير دخول الجيش إلى المدن والقرى السورية وادعاءه بوجود عصابات إرهابية تقتل وتذبح الناس هو باطل وما بني على باطل فهو باطل، إذا الذي يقوم بكل هذه الجرائم هو النظام السوري وأذرعته الأمنية وبعض أركان جيشه.
خاتمة: لقد ثبت بالدليل القاطع أن هذا النظام يتصف بالصفات التالية:
- كاذب أشر.
- مجرم بشع.
- كافر مصر.
- عميلٌ للشيعة.
وعليه؛ فإن مقاومة هذا النظام واجب شرعي على كل مواطن سوري ابتداءً وعلى كل مسلم انتهاءً، لذا أقول لكل الشعب السوري، انتفضوا وثوروا وتظاهروا في وجه هذا الظالم وأسقطوا نظامه، وأنتم تعلمون لا يمكن أن يتم ذلك إلا بعد تقديم تضحيات كبيرة، وأنا واثق بأنكم مستعدون لذلك، فالأيام السابقة أثبتت ذلك، وبرهنت عليه دماء الشهداء الأحرار الأبرار، ومواقف البطولة التي سطرته نساء الوطن، وشبابه وشيوخه وأطفاله، عربه وكرده، وما هي إلا أيام قليلة وينهار هذا النظام، بإذن الله - تعالى - والله غالب على أمره.
القاعدة الثانية: المثبت مقدم على النافي:
لو أن رجلاً قال لك: إنني رأيت محمداً في مقهى كان، ثم أتى آخر وقال لك: أنا لم أر محمداً في مقهى كان، فمن تصدق؟، الأول مثبت لرؤية محمد أم الثاني نافي لرؤيته، إذا هل محمد كان في المقهى أم لا؟.
إن الأحداث اليوم تدور حول هذا المعنى تماماً، فشهود عيان وصور وفيديوهات تقول: أن هناك مظاهرات تخرج بالآلاف في معظم مدن سورية وقراها، ثم يأتي الإعلام السوري وينفي وجود هذه المظاهرات بالآلاف، ويصور مناطق فارغة من البشر، ليثبت أنه لا توجد مظاهرات، هل عدم رؤية الإعلام السوري للمظاهرات كما يزعمون هو دليل على عدم وجودها كما صاحبنا محمد، أم المثبت للمظاهرات هو الواجب تصديقه، فقد يكون -وهذا إن أحسن الظن بالإعلام السوري- الإعلام السوري لم يكن حين كانت المظاهرات، أو لم يكن في مكان المظاهرات، أو - وهو الأصوب على الأرجح - لا يريد الإعلام أن يظهر للشعب السوري ما يحدث حتى لا يتشجعون في الخروج، لأنه بوق النظام، ويعمل لمصلحته وهو ليس حر بالطبع.
إذاً القاعدة الثانية تساعدنا في تحديد من الصادق ومن الكاذب، وقد ثبت أن الإعلام السوري متواطأ مع النظام في قمع وقتل الشعب، ونشر الفتنة بين أطياف الشعب السوري، وأنا لا أريد أن أقول كما قال أكثر من إعلامي في التلفزيون السوري، بأن لا تنظروا لكافة القنوات فهي مغرضة وعميلة وعدوة لنا، واسمعوا فقط لإعلامنا النزيه النظيف الذي يريكم الحقيقة بعينها، وهم يذكروننا بقريش حين كانوا يمنعون الناس من الاستماع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأن لا يستمعوا إلا لهم، لن أقول لكم ذلك، ولكن أقول لكم: حين تستمعون إلى التلفزيون السوري أعملوا عقولكم، وانطلقوا في فهم ما يقوله الإعلام السوري من خلال المخزون الكبير الموجود في عقولكم عن هذا النظام ونوعيته وطبيعته، وعندها سيهديكم الله - تعالى - لمعرفة الحقيقة ومعرفة من هو الكذاب الأشر، هل هو الإعلام السوري أم الإعلام الحر، وهذه ليست تزكية للإعلام العربي بقدر أنه توضيح بأن الإعلام العربي لا يحتوي هذا الكم الهائل من الكذب والنفاق، والمتوفر بكثرة في الإعلام السوري.
القاعدة الثالثة: لا يصلح أن يكون الخصم حاكماً:
هناك قصة جميلة ومشهورة لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -، عندما شكاه يهودي للقاضي بأنه أخذ منه درعه، ولم يعده فجاء أمير المؤمنين إلى القاضي بجانب اليهودي ليذكر كل واحد منهم حجته، فحكم القاضي لصالح اليهودي لقوة حجته، انظر ما حدث!! أمير المؤمنين يقف بجوار خصمه أمام القاضي، لماذا؟ لأنه لا يصلح أن يكون الخصم حكماً.
ولو طبقنا هذا المثال على الحالة السورية، يظهر لنا مدى مخالفة النظام لهذه القاعدة التي أسسها الإمام علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -، حيث لا يجوز للنظام السوري أن يكون خصماً وحكماً، ونحن نرى الموضوع كما يلي هناك خلاف بين فئة من الشعب -بغض النظر عن عدد المتظاهرين، البعض يقول بالآلاف، وهذا ما نراه، والبعض يقول بضع مئات، وهذا ما يدعيه النظام-، إذا هناك خصمان؛ الشعب والنظام، فمن الذي يجب أن ينظر في القضية ويوقف المتخاصمان أمامه بمستوى واحد وينظر ثم يتحقق من أدلة كل طرف، هل يجوز أن يكون النظام أو أنابه، من قضاة مرتشين أو أمن مشارك في الجرائم والمتهم الأول في إراقة دم الشعب السوري الأبي أو إعلام متواطأ مع النظام، بالطبع لا، إذاً تكون جهة خارجية معتدلة عربية مسلمة مستقلة، تنظر في الأمور وتحكم، وعندها سيعلم النظام كم هو ظالم؟ وكم هو قاتل؟ وكم هو سارق؟ وكم هو عميل؟ عندها سيعلم النظام أنه ظلم الشعب السوري على مدار أربعين سنة، وعندها سيعلم النظام أنه قتل من الشعب السوري أكثر مما قتلت إسرائيل المحتلة من الشعب الفلسطيني منذ 1948م، وعندها سيعلم النظام أنه نهب ثروات سوريا التي هي حقٌ للشعب السوري وليس لفئة فاسدة من النظام، وفي النهاية إن حكم الشعب السوري، ليس محصوراً على فئة أو حزب محدد، لا يحق للشعب السوري انتخاب غيره ويفوز بأعلى نسبة في التاريخ.
وهناك أمر مهم جداً يطرح نفسه، هل الحاكم السوري معين من قبل الشعب أم الشعب معين من قبل الحاكم؟ صحيح!! الذي ينظر إلى نظام الحكم في سوريا وإلى طبيعة العلاقة بين النظام والشعب، يعتقد أن سوريا عبارة عن شركة، صاحبها بشار الأسد ورئيس مجلس إدارتها، وأعضاء مجلس الإدارة طبعاً من عائلة صاحب الشركة المقربين لأنه يثق بهم، وأما الشعب فهم يمثلون العاملين وترتفع مرتبتهم بحسب تملقهم إلى أعضاء مجلس الإدارة، فهل أمور الحكم تسير هكذا، أم أن الحاكم موظف لدى الشعب المالك الحقيقي للوطن، وعليه فإن الشعب هو المسؤول عن تعيين الحاكم ومجلس الشعب والبرلمان وهو من يضع الدستور الذي يحتكم إليه، وهو الذي يضع الأسس التي يتم انتخاب الرئيس والوزراء، من كافة أطياف الشعب بحسب كفاءتهم ووطنيتهم وحبهم للشعب السوري، وليس بحسب قرابتهم، وتملقهم للرئيس الذي هو يأخذ مرتبه من الشعب.

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع