..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


مقالات منوعة

المسافة بين حماة وحمص...

خير الله خير الله

٧ ٢٠١٢ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 8719

المسافة بين حماة وحمص...
55569.jpeg

شـــــارك المادة

لا تبعد حمص عن حماة سوى نحو خمسة وأربعين كيلومترا. لكنّ المسافة الزمنية بين المدينتين عمرها ثلاثين عاماً. إنها سنوات كافية للتأكد من أن العالم تغيّر، وأن حمص في السنة 2012م غير حماة في السنة 1982م. هذا يعني في طبيعة الحال أن الشعب السوري لن يوقف ثورته ويعود إلى بيت الطاعة كما حصل في العام 1982م نتيجة المجزرة التي تعرّضت لها حماة.
إلى الآن، ليس هناك من يستطيع إعطاء رقم محدد عن ضحايا المجزرة التي ارتكبتها القوات التابعة لألوية معينة ذات صبغة معيّنة.


ما حلّ بحمص عموماً وبابا عمرو على وجه التحديد في السنة 2012م يعطي زخّماً جديداً للثورة السورية التي كانت ولا تزال وستبقى أمّ الثورات العربية في العصر الحديث. إنها ثورة ترمز إلى رغبة شعب بكامله في التخلّص من نير العبودية واستعادة كرامته. الدليل على ذلك أن تدمير جزء أساسي من حي بابا عمرو لم يوقف المقاومة، المقاومة مستمرّة. إنها مقاومة يمارسها شعب يرفض الرضوخ للحلّ القمعي والاستسلام له.
باختصار شديد، حمص 2012م ليست حماة 1982م التي تعرّضت لمجزرة مروّعة لم يعرف العالم شيئاً عنها إلاّ بعد أسابيع عدة من حصولها. حمص في السنة 2012م تعرّضت لقصف مستمر بالأسلحة الثقيلة منذ ما يزيد على شهر. حاولت الأسرة العربية التحرك، كذلك المجتمع الدولي، لكن روسيا والصين حالتا دون ذلك. إنهما تتحمّلان -مع إيران طبعاً- جزءاً من مسؤولية الدم الذي سال والمجازر التي حصلت. لن ينسى أهل حمص ولا السوريون والعرب حماية طهران وموسكو وبكين لنظام قاتل يعتقد أن في استطاعته الانتصار على شعبه.
أمنت حماة في العام 1982م ثلاثين سنة أخرى لنظام الراحل حافظ الأسد ثم لنجله الدكتور بشّار الذي خلفه في السنة 2000م. السؤال الآن: كم عدد السنوات التي سيبقى فيها بشّار الأسد في السلطة بعد مجزرة حمص؟
ليس صعباً الإجابة عن السؤال، النظام السوري انتهى، كان هناك تواطؤ عربي ودولي في العام 1982م، صبّ التواطؤ في اتجاه تغطية ما ارتكبه الأسد الأب. كان تدمير حماة على أهلها كافياً كي يدبّ الرعب في سوريا كلّها، صمدت جمهورية الرعب التي تأسست في العام 1970م ثلاثة عقود أخرى، ساد السكون القاتل في كلّ أنحاء سوريا، أكثر من ذلك، نجح النظام في جعل الرعب يخيّم على لبنان أيضاً، استهدف طرابلس واستهدف زحلة -قبل ذلك- أي قبل مجزرة حماة، أحرق مناطق مسيحية وإسلامية عدة في لبنان. من صيدا، إلى الدامور، إلى الأشرفية... إلى قرى مسيحية حدودية في البقاع والشمال. بعض هذه القرى حوصر وبعضها الآخر دمّر بشكل منظّم بهدف نشر الرعب. عمل على تهجير أهل هذه القرى لافتعال انقسام طائفي ومذهبي في لبنان. بعد ذلك، ضرب ضربته الكبرى بفضل الغطاء الذي أمّنه له الجنرال ميشال عون، النائب المسيحي حالياً، الذي كان حليفاً لصدّام حسين، لدى احتلاله الكويت، كما كان يحتلّ القصر الرئاسي في بعبدا في العام 1990م.
وقتذاك، بفضل عبقرية ميشال عون، دخلت القوات السورية قصر بعبدا ووزارة الدفاع اللبنانية في اليرزة للمرّة الأولى منذ استقلال الوطن الصغير وأمنت سيطرتها على كلّ لبنان بعد سيطرتها على سوريا نفسها.
كانت حماة 1982م نقطة تحوّل على صعيد توسيع نطاق سيطرة النظام على كلّ من سوريا ولبنان. تمثّل حمص في السنة 2012م نقطة تحوّل في اتجاه رحيل النظام إلى غير رجعة. فما لا يمكن تجاهله أن النظام السوري خرج من لبنان في العام 2005م نتيجة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه وذلك تحت ضغط اللبنانيين عموماً والشارع السنّي في المدن الكبرى والمحافظات، على رأسها بيروت وطرابلس وصيدا خصوصاً. عاد النظام إلى سوريا وصار نفوذه في لبنان مرتبطاً إلى حدّ كبير بمشيئة "حزب الله" التابع لإيران، بدل أن يهتمّ بمشاكل سوريا وشعبها الصابر، اعتقد أن في استطاعته استعادة الاعتبار عن طريق تكرار تجربة حماة 1982م في كل أنحاء البلد بدءاً بدرعا الباسلة التي كانت أوّل من انتفض قبل سنة.
في العام 1982م، وفّرت مجزرة حماة حياة جديدة للنظام. في السنة 2012م، يبدو ما شهدته حمص اقرب إلى النهاية من أي شيء آخر. لم تخمد مجزرة حيّ بابا عمرو في حمص الثورة السورية. على العكس من ذلك، وفيما كانت قوّات النظام تتابع حملتها على أهل المدينة، كانت مدن وبلدات عدة في مناطق مختلفة تنتفض مجدداً. شمل التحرّك دمشق وحلب.
كلّ ما يسعى السوريون إلى إثباته في السنة 2012م هو أن التاريخ لن يعيد نفسه. ما بدأ في حماة قبل ثلاثين عاماً انتهى في حمص التي تبدو مصمّمة على قطع الطريق على أي محاولة لتقسيم سوريا وتفتيتها وإعادتها إلى نظام الوصاية العائلي- البعثي. تحوّلت حمص بتنوعها الطائفي والمذهبي والاثني إلى قلب سوريا النابض. من حمص يمكن إعلان نهاية النظام العاجز عن فهم أنه ليس في استطاعة أي حاكم، مهما بلغت سطوته وعنجهيته والدعم الإيراني والروسي والصيني، إلغاء شعبه إلى ما لا نهاية. حماة كانت البداية وحمص تبدو وكأنّها النهاية. إنها مسافة تفصل بين مدينتين تختصر التحوّلات التي شهدها العالم في ثلاثين سنة سقط خلالها جدار برلين وانهار الاتحاد السوفيتي واحتلّ الأميركيون العراق... وأخرج اللبنانيون القوات السورية من بلدهم!
هناك بكلّ بساطة من لا يريد أخذ العلم بذلك!

المصدر: المختصر، نقلاً من ميدل ايست أونلاين 

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع