..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

شرق الفرات.. القصة من البداية

أسرة التحرير

١٤ ٢٠١٩ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 15103

شرق الفرات.. القصة من البداية

شـــــارك المادة

أطلقت تركيا في التاسع من أكتوبر/ تشرين الأول 2019 عملية عسكرية شمال شرق سوريا تحت مسمى "نبع السلام"، بمشاركة من القوات التركية والجيش الوطني السوري، وذلك لتحقيق هدفين اثنين، أولهما: القضاء على ما تعتبره تركيا ممراً إرهابياً يهدد أمنها القومي وولاياتها الجنوبية، عبر طرد الميلشيات الانفصالية (PKK-PYD) التي تقودها ميليشيا قسد، وإبعادها مسافة 30 كيلومترا باتجاه الجنوب.

وثانيهما: توفير منطقة آمنة تضمن عودة ملايين اللاجئين السوريين إلى ديارهم بعد سنواتٍ من التهجير القسري بسبب الحرب الدائرة هناك منذ سبع سنوات.

ومن المفترض أن يبلغ امتداد المنطقة الآمنة التي تسعى تركيا إلى إنشائها نحو 500 كم على طول الشريط الحدودي، تمتد من عين العرب غرباً إلى المالكية بريف الحسكة شرقاً، بعمق يتراوح بين 30-35 كيلو متراً.

 

ماذا تعني منطقة شرق الفرات؟

يُقصد بمنطقة شرق الفرات كامل المساحة الجغرافية التي تقع شرق وشمال شرق نهر الفرات بدءاً من الحدود الإدارية لمنطقة "عين العرب" غرباً حيث دخول نهر الفرات إلى سوريا من طرف تركيا، وانتهاءً بمنطقة "البوكمال" التي تقع على الحدود السورية-العراقية.

وتتميز هذه المنطقة بأهمية كبيرة على كافة الصعد (اقتصادياً-اجتماعياً-سياسياً-جغرافياً) فهي سلة سوريا الغذائية التي تملك أهم السهول الزراعية الخصبة والمعروفة بإنتاج المحاصيل الزراعية الإستراتيجية كالقطن والقمح وغيرها، وفيها أكبر قسم من الثروة المائية السورية والسدود الإروائية والمنتجة للطاقة الكهربائية، بالإضافة إلى كونها المنطقة الأغنى بالثروات الباطنية وخاصة النفط والغاز.

وعلى الصعيد الاجتماعي، تتميز المنطقة بتنوع التركيبة السكانية التي تتوزعها، حيث يقطنها غالبية من العشائر العربية تشكل ما نسبته 93% من سكان الرقة، و80% من سكان الحسكة، و100% من سكان دير الزور، و94 % من سكان منبج، ونحو 92% من سكان تل أبيض.

وإلى جانب العرب يعيش في المنطقة خليط من القوميات والأعراق الأخرى كـ (الكورد والتركمان والآشور، والإيزيدية، والجركس ..إلخ)، حيث عاشت هذه التركيبة على مدار العقود الماضية حالة من الود والوئام، دون وجود مشاكل قومية أو نعرات دينية أو طائفية.

 

الأكراد والثورة السورية:

يعتبر الأكراد أحد مكونات المجتمع السوري التي عانت من ظلم نظام الأسد، حيث كان الأكراد في ظل حكم "نظام الأسد" محرومين من أبسط حقوقهم، فلقد منع النظام تجنيس مئات الآلاف منهم، وحرمهم من إنشاء مدارس كردية أسوة بالمدارس النصرانية والأرمنية، ولم يسمح لهم بإنشاء الجمعيات أو النقابات، كما حال دون وصولهم إلى المناصب العليا في الجيش، وبقيت مناطقهم عرضة للتهميش والحرمان.

في عام 2003 تأسس حزب الاتحاد الديمقراطي، فرع "العمال الكردستاني" في سوريا، ولم يكن لأكراد سوريا دور في هذا الحزب، بل كانوا يتطلعون لحياة كريمة ضمن النسيج السوري العام، وهذا ما يفسر مشاركتهم الكثيفة في المظاهرات السلمية التي انطلقت عام 2011، حيث غصت مدن القامشلي والحسكة وعين العرب بالمتظاهرين الأكراد الذين طالبوا بإسقاط النظام، إلا أن حزب الاتحاد الديمقراطي قمع تلك المظاهرات ونكّل بالمتظاهرين تنفيذاً لصفقة عقدها مع نظام الأسد، تقضي بتحييد المناطق الكردية عن مواكبة الثورة مقابل إطلاق يد الحزب شمال شرق سوريا بحجة حماية المناطق الكردية.

وهكذا، استخدم نظام الأسد حزب الاتحاد الديمقراطي لكسر شوكة بقية الأحزاب الكردية الثورية، وكسر شوكة العرب القاطنين في مناطق الحزب.

شاهد || ميليشيا قسد .. وأحلام الانفصال 

 

شرق الفرات بين احتلالين:

احتل تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) مدينة الرقة والمناطق المحيطة بها عام 2014، وأحكم قبضته الأمنية على المدنيين، ما تسبب في موجة نزوح كبيرة بين الأهالي، وفي خطوة لاحقة وسّع التنظيم سيطرته باتجاه دير الزور وريفها الشرقي وصولاً إلى الحدود العراقية.

أثار توسع نفوذ "داعش" مخاوف واشنطن التي أقدمت في أكتوبر 2015 -عبر التحالف الدولي الذي شكلته- على تشكيل قوات سوريا الديمقراطية -التي تعتبر واجهة لحزب الاتحاد الديمقراطي- وزوّدتها بالأسلحة والذخائر بحجة محاربة تنظيم الدولة، إلا أن هذه الميلشيا تسببت في تدمير عشرات المدن خلال حربها على "داعش" وتعمّدت تهجير سكانها الأصليين، إضافة إلى أنها ارتكبت العديد من المجازر بحق المدنيين، واعتقلت المناهضين لها، وساقت عشرات الآلاف من شباب المناطق التي سيطرت عليها إلى التجنيد الإجباري.

ومنذ ذلك الوقت، عملت ميلشيا "قسد" على تغيير هوية المناطق التي احتلتها، فغيرت أسماءها العربية، كما فعلت في مدن مثل (كوباني – عين العرب) و (كَري سبي – تل أبيض) و (سري كَانيه – رأس العين) (البوزانية - عين عيسى).

كما أقدمت على تهجير سكان المناطق العربية من مدنهم، فباغتت الثوار خلال انشغالهم في قتال نظام الأسد، واحتلت مدينة "تل رفعت" و20 قرية في ريف حلب الشمالي، ما تسبب في تهجير 150 ألف شخص من سكان تلك المناطق، ولاتنسى ذاكرة الثورة شهداء "عين دقنة" وكيف مثّل مقاتلو "قسد" بهم، وطافوا بجثثهم المحمّلة على شاحنة ضخمة في شوارع عفرين.

 

لماذا "نبع السلام"؟

سعت "قسد" إلى حكم ذاتي ضمن دولة فيدرالية، وهي التي أفصحت منذ البداية عن مشروع "روجافا" القاضي بسلخ شمال شرق سوريا، وتشكيل دويلة لا مركزية ضمن مشروع لإقامة دولة "كردستان" الكبرى.

ولتحقيق هذا المشروع، لجأت قسد إلى قضم المناطق العربية شمال شرق سوريا وضمتها لمناطقها التي تسعها لحكمها بطريقة أو بأخرى، وعملت على اضطهاد سكانها وتغيير هويتها، كما منعت النازحين من الإقامة في المناطق التي تسيطر عليها إلا بوجود كفيل، وبالتوازي مع ذلك، أقدمت "قسد" على اضطهاد الشعب الكردي لإجباره على الرضوخ لمخططاتها، فمنعت الأحزاب الكردية الأخرى من ممارسة نشاطها السياسي ولاحقت الناشطين الأكراد المناهضين لها، واعتمدت سياسة النظام في كمّ الأفواه وقمع الحريات.

وإلى جانب ذلك، جاهرت قسد بعلاقتها الودية مع "نظام الأسد" صاحب التاريخ السيء مع الأكراد، واحتفظت بعلاقات ميدانية واقتصادية متينة معه، وهي التي زوّدته بالمشتقات النفطية طوال سنوات الثورة، ونسّقت معه لقتال الثوار وإشغال جبهاتهم، وسلمته بعض مناطقها في ريف حلب الشمالي شتاء 2018 عند اقتراب الثوار منها خلال عملية "غصن الزيتون".

وعقب تقدم الجيش الوطني السوري وتحريره مدينتي "تل أبيض" و"رأس العين" شمال شرق سوريا، سارعت "قسد" إلى الارتماء في أحضان روسيا ونظام الأسد، وعقدت معهما تفاهماً في "قاعدة حميميم" الروسية لإنقاذ كيانها الذي شارف على الانهيار بعد تخلي الأمريكان عنها.

ويقضي الاتفاق -بحسب وكالة سبوتنيك الروسية- بانتشار قوات النظام مع أسلحتها الثقيلة والمتوسطة في مدينة منبج، ورفع علم النظام فوق المراكز الحكومية داخل المدينة وعلى مداخلها ومخارجها، وفي غضون ذلك، دخلت قوات النظام إلى مدينة "الطبقة" وبلدة "عين عيسى" الخاضعتين لسيطرة قسد في ريف الرقة، ما يعني أن الأخيرة سلّمت تلك المناطق للنظام، وآثرت مرة أخرى أن تكون في صف "الأسد" على أن تكون في صف الثورة.

وأصدرت الإدارة الذاتية التابعة لـ "قسد" بياناً قالت فيه إنه "تم الاتفاق مع الحكومة السورية التي من واجبها حماية حدود البلاد والحفاظ على السيادة السورية كي يدخل الجيش السوري وينتشر على طول الحدود السورية التركية، لمؤازرة قوات سوريا الديمقراطية لصد هذا العدوان وتحرير المناطق التي دخلها الجيش التركي ومرتزقته المأجورين، وهذا الاتفاق يتيح الفرصة لتحرير باقي الأراضي والمدن السورية المحتلة من قبل الجيش التركي كعفرين وباقي المدن والبلدات السورية الأخرى" بحسب نص البيان الذي أكد -بما لا يدع مجالاً للشك- أن قسد ونظام الأسد وجهان لعملة واحدة.

كل ذلك، أسهم في إسقاط القناع الذي ترتديه قسد، وكشف زيف الدور الذي تمثّله على الأكراد، وهيّأ الظروف أمام عملية عسكرية تكبح جماح هذا الكيان الانفصالي المستحدث، وتعيد المناطق التي احتلها إلى أهلها، وتحبط المخططات التي تهدد وحدة سوريا أرضاً وشعباً بما في ذلك الأكراد، ولهذا انطلقت عملية "نبع السلام" بتأييد من الشعب السوري وفي مقدمته الأكراد الذين رأوا فيها الخلاص من المأساة التي يعاني منها أكراد سوريا وعربها على حد سواء، بل من كيان امتهن الإرهاب والعمالة واتّخذ من القضية الكردية وسيلة لتحقيق أهدافه القذرة، متناسياً أنه لا يمكن أن يمثل "الكورد" كما لا يمكن "لداعش" أن تمثل الإسلام.

 

تابع أيضاً ميليشيا قسد .. وأحلام الانفصال 

   

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع