..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


اعلام وتراجم

في رثاء الشيخ المجاهد محمد زهران بن عبد الله عَلّوش -رحمه الله تعالى-

محمد زياد التكلة

٢٧ ٢٠١٥ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 8751

في رثاء الشيخ المجاهد محمد زهران بن عبد الله عَلّوش -رحمه الله تعالى-
علوش الشهيد 00.png

شـــــارك المادة

إنا لله وإنا إليه راجعون...

كان من عادتي أن أكتب عن شيوخي ومعارفي ممن له قدمه في الإسلام بعد وفاتهم، إلى أن أصابني العجز والضعف عند وفاة شيخيّ الجليلين زهير الشاويش، ثم محمود شاكر الحَرَسْتاني، رحمهما الله تعالى، وأقعدني عن ذلك جلل المصاب الخاص بي قبل المصاب العام، وأعترف أني تهيبتُ وعجزت، وقصّرت!

ولكن بالأمس انتقل إلى رحمة الله أخونا وزميلنا العزيز الشيخ الفاضل والقائد المجاهد أبو عبد الله، محمد زهران ابن الشيخ عبد الله عَّلُّوش، الحَسَني، الدومي، الحنبلي الأثري، حيث استشهد وهو في أرض الرباط والجهاد بغوطة دمشق المباركة، إثر استهدافه بقصف روسي غادر بعدة صواريخ، مع ثلة من رفقته المجاهدين، عصر الجمعة 14 ربيع الأول سنة 1437، عن 47 سنة.
بكت القلوب قبل العيون منذ صدمني الخبر، ونازعتني نفسي أن أحاول معه بعض الوفاء لحقه الخاص والعام بالكتابة بعد استشهاده، فأرجو أن يكون فيما أكتب شيء من أداء الواجب لفقيد المسلمين.

عرفتُ الشيخ أبا عبد الله من فوق عشرين سنة، شابًّا يتوقد غيرة وحبًّا للدين، وهو الذي رضع التدين والسنّة منذ نعومة أظفاره، فوالده الشيخ عبد الله عَلّوش -حفظه الله وعظم أجره- من قدماء أصحاب الإمام الألباني ورواد المدرسة السلفية في دوما، وأخذ عن عدد من الأعلام كالشيخ العالم السلفي عبد الفتاح الإمام، ودرس في الرياض وهو شاب على كبار العلماء في العقد الثامن من القرن الهجري الماضي، مثل المفتي محمد بن إبراهيم آل الشيخ، وابن مهيزع، وابن باز، ودرّس في السعودية، ثم رجع إلى بلده داعية للسنّة، وافتتح معهدًا لتدريس القرآن وعلومه في دوما، وكان له أثره هناك.

وُلد الفقيد سنة 1390 (يوافقها 1970م)، وأسماه والده اسمًا مركبًا محمد زهران (على اسم قبيلة زهران العربية المعروفة، حيث درّس حينًا وكانت له ذكريات طيبة)، وتربى على يد والده، ودرس القرآن ودرّسه وهو شاب، ونشأ ابن المساجد في دوما مستقيم الشأة، وتخرج من الثانوية، وكان آنذاك رياضيًّا بطلا في رياضة الكاراتيه، ودخل كلية الشريعة في جامعة دمشق، ودَرَس فيها سنةً فقط، ثم تركها وسافر للدراسة في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، ودخل كلية الحديث، وتخرج من الكلية سنة 1414 (وليس صحيحًا أنه حصل الماجستير أو تخرج من دمشق كما ذكر بعضهم). ومن خواص رفقائه فيها الشيخ الدكتور عمر بن سليمان الحفيان.
وفي مدة مكثه بالمدينة، تردد على دروس العلماء، مثل المشايخ: حماد الأنصاري، وهو عمدته هناك، وعبد المحسن العباد البدر، وعبد الله الغنيمان، وعبد الرحمن الحذيفي (وهو تلميذ أبيه لمّا درّس في معهد بلجرشي)، ومحمد بن محمد المختار الشنقيطي، واللغوي أحمد دَوّ الشنقيطي (وليس ابن الددو الموجود الآن كما توهم بعضهم)، وكان كثير التردد والتواصل مع سماحة الشيخ ابن باز، وله معه علاقة خاصة امتدادًا لعلاقة والده، وكان يعينه على بعض الأعمال الدعوية، وتردد شيئا على ابن عثيمين، وغيره، مثل الشيخ محمود شاكر الحرستاني ومحمد بن لطفي الصباغ.
رجع لبلاده بعد التخرج، وكانت له جهود دعوية وتدريسية، إضافة لأعماله الحياتية الخاصة، ولا سيما في بيع العسل، وله تردد على بعض العلماء، ولا سيما الشيخ عبد القادر الأرناؤوط، وتزاملت معه في الأخذ عنه وعن غيره، ومنهم زرنا معًا واستجزنا المشايخ:

عبد الغني الدقر، وعبد الرحمن الشاغوري في دمشق، وأحمد سَرَدار في حلب، وعبد الله بن عبد العزيز العقيل في الرياض، وسمع منه أطراف السبعة.
وأجاز له جماعة من العلماء في البلدان سوى من سميتُ قريبًا، مثل:

زهير الشاويش وأحمد الكعكة وأحمد نصيب المحاميد في الشام ، وعبد الرحمن الملا وعبد الرحمن الكاف ومحمد الشاطري ومحمد علي المراد وعبد الفتاح راوه وعبد الله الناخبي وعبد القادر البخاري ومحمود شاكر الحرستاني ومحمد السبيّل ورشيد القيسي في السعودية، ومحمد المنتصر الكتاني، وعبد العزيز الغماري، وعبد الهادي المنوني في المغرب، ومحمد الشاذلي النيفر في تونس، وعبد الرؤوف الرحماني وعبد العزيز الأعظمي وعبد القيوم الرحماني في الهند، وأحمد زبارة وعبد القادر شرف الدين والأسد حمزة الأوسي في اليمن، ومحمد سعد بدران في مصر، وغيرهم كثير، يزيد عددهم على المئة، وبضع شيخات، مذكورون في ثبته المسمى: الرَّوح والريحان، بتخريج العبد الفقير.
ومن جهوده التدريسية كان أخبرني منذ سنوات أنه أتم شرح صحيح مسلم.

كان رحمه الله متحرقًا على حال أهل السنّة، خصوصًا في بلده، وتعرض لمضايقات أمنية عديدة مدة وجوده هناك، مع تردده الدائم للسعودية حيث كانت له إقامة فيها.
وكانت له نظرة بشخصية بعيدة عن حتمية الصدام في البلد، ويقول لا نريد إذا حصل شيء أن يُذبح المسلمون وهم عزّل كما حصل بالبوسنة، فكانت له رؤيته الخاصة في ضرورة الاستعداد والتدرب الشخصي، قبل الأحداث الحالية بمدة، إلى أن قُبض عليه بتهمة حيازة الأسلحة وممارسة النشاط الإسلامي سنة 2009م تقريبًا، وأودع سجن صيدنايا سيء الصيت، وكان الاتجاه للحكم عليه بالإعدام، وشارك في عصيان كبير بالسجن، ولكن لَطَف الله حيث تأخر الحكم عليه، وصدر عفو رئاسي بعد سنتين فشمله ذلك، وخرج من السجن، وعلم فور خروجه بوجود مذكرة اعتقال جديدة فتخفى مباشرة.
وكانت الثورة الوليدة قد بدأت بالمنحى السلمي، إلا أن الشيخ كان على فكرته الأولى، ولا سيما وقد توجه أمر الصراع، فأسس سرية الإسلام مع عدد قليل من الشباب، وبدأت لها عمليات وانتصارات، حتى باتت قوة في منطقته، وتوسعت وانضمت لها عدة جماعات بعناية الله ثم بما نحسبه من إخلاص كوادرها إلى أن صارت أكبر القوى للمجاهدين هناك، ومن أكبرها في سوريا، فصار الاسم لواء الإسلام، ثم جيش الإسلام، وتوسعت عملياتهم وزاد انضمام الوحدات الأخرى لهم تحت إمرته، ودخلوا في الجبهة الإسلامية بما يعرفه متابعوا الأحداث، فصار أحد أبرز القيادات وأكثرها تأثيرًا.
كان الشيخ يقول: أنا أكثر ما يهمني في الثورة التمكين للإسلام والسنّة. ويعتبر العمل العسكري موازيًا لنهجه الدعوي.
وليس صحيحًا مطلقًا ما ذكرته بعض الكتابات أنه سبق وأن قاتل في العراق.

* وللتاريخ فقد كان قبل نشوء الجماعات التكفيرية على ساحة الجهاد الشامي بنحو سنة يحذر من انتشار أفكارهم، ويطلب من بعض المشايخ المشاركة في الجهد للتوعية والتصحيح والتحذير، ويقول هؤلاء يخزنون السلاح ولا يقاتلون النظام ولهم دعمهم، وإن خرجوا فلن يخرجوا إلا على المجاهدين، وحصل ذلك كما توجس، ولهذا كان من أولوياته مكافحتهم وتطهير الصف الجهادي منهم، ولا سيما لكثرة من اغتر بشعاراتهم ونشاطهم الإعلامي من المغرر بهم والأحداث، ومما أخبرنا أنه ناظر بعضهم وقال لهم: لم لا تقاتلون النصيرية وهم كفار وأعداء مشتركون اتفاقًا؟ فإذا فرغتم نتفاهم بيننا؟ فجاء الرد: هم كفار أصليون، وأنتم مرتدون، فقتالكم أولى منهم!
ولهذا لم يكن يتساهل معهم ألبتة ولا مع غيرهم من المتساهلين بدماء المسلمين، وناله من حربهم وتشويههم وافترائهم ما ناله.

* وإني لأعجب ممن يتساهل بالوقوع في عرض هذا المجاهد العظيم وغيره بأعظم التهم التي وصلت للعمالة بله الردة، ويكون مستنده القيل والقال، وأخبرني تويتر والفيس بوك عن المجهول عن مثله معضلا؟ فلا تم تطبيق منهج أهل الحديث في قبول الأخبار، ولا حضر الورع، وتغيب الشرع!

وكم مرة تأكدت منه -أيام كان ثمة اتصال- ومن أقرب الناس له عن بعض التهم التي اتهم بها، ومن تبعية الجهة الفلانية والعلانية، فأقسم بالله إني وجدت ذلك كله كذبًا وافتراء عليه، وكم قال بعض رؤساء المجاهدين بالشام إنهم لا يعلمون شخصًا افتُري عليه هناك مثله رحمه الله.

وما كنتُ لأترك يقيني ومعرفتي التامة له لشكٍّ مصدره مجاهيل، وأدين الله بهذا المنهج معه ومع غيره، وأشدد على ذلك لأني رأيت بعض الفضلاء متأثرًا بما أشيع حوله، والله المستعان.

* أشهد على الرجل أن همه كان نشر السنّة ونصر الإسلام، وأنه كان منذ عرفته إلى أن حالت الظروف دون التواصل معه في المدة الأخيرة كما هو في غيرته الكبيرة وهمته للسنّة وسعيه لنصرتها، وأسأل الله أن يتقبله وعمله، وأن يبارك في استمرارية جهده وتحقق أمله، وأن يسامحني على التقصير الخاص والعام معه، فلو أردتُ أن ألخص حال الرجل منذ عرفته إلى أن حيل بيننا: فهو الإخلاص والتحرق الجاد لرفعة الإسلام.

* أعلم يقينًا عن الرجل أنه تمت مساومته مرات مقابل تنازلات وشراء ولاءات فكان شامخًا راسخًا لم يرضخ، وأظن ذلك من أسباب استهدافه أنه لم يكن يرضى أن يتبع لأي جهة، حتى آخر مؤتمر كبير للمعارضة أعلن انسحابه من قراراته لما رأى نتائجها وأنها تفرض اتجاهات غير شرعية.

* مما يعرفه عنه المقربون منه أنه كان يصر على اقتحام الخطوط الأمامية، ويشارك بنفسه في القتال، رغم محاولات القادة ثنيه عن التعرض المباشر للخطر، ولهذا كان من شهادات الآخرين أنهم لا يعرفون قائدا يتحرك في الداخل مثله، وقد كان دائم التصريح أنه يبحث عن الشهادة ويتعرض لها، وأنه لا خوف على الجيل القادم بعد أن كسر حاجز الخوف واستنصر بالله، وتربى على العقيدة.

* مما أعرفه عنه أنه كان شديدًا في ذات الله، ولا يحابي أو يداهن فيه، ومع هذا فأسهل ما يكون منه التراجع إن علم خطأ، ومرة كان يقرر مسألة على بعض الإخوة، وبعد انقضائه وصله رد علمي من أحد زملائه، فما كان منه لما علم بذلك إلا أن التفت للإخوة قائلا: لقد كنا في ضلال مبين!
وكان إلى جانب شخصيته النافذة له جانب من الدعابة مع إخوانه، حلو المفاكهة والمجالسة، وله سرعة بديهة وأجوبة مسكتة حاضرة! وكان خطيبًا مفرهًا، يحب استخدام الفصحى في حديثه دون تكلف.

* كان مع ثباته على السلفية يتعاون مع المخلصين من المدارس الأخرى، وأذكر مرة حصل خلاف مع زميلنا الشيخ الشيخ العالم الشهيد رياض الخرقي في جوبر، واعتدى عليه بعض الناس، وأُوصل له الخبر فانزعج له، وأعلم أنه حزن للغاية لما استشهد أخونا الشيخ رياض رحمه الله.

* من أعماله المهمة أنه تعاون مع المخلصين حوله لإنشاء مكاتب متخصصة للأمور العلمية والدعوية والقضائية والجهادية والإرشادية، فكان جيشه عملا مؤسسيًا، وكان حرص الشهيد ومن معه على مشروع التصفية والتربية، ويردد دائما: نحن مشروع أمة.

* وأعلم عنه جيدًا توكله وصدقه ولجوئه لله مع قلة المعين، وأنه كان يحرص في هجماته على عدم إعطاب الآليات لغنيمتها، فكان غالب تسليحه من الغنائم، والشيء بالشيء يُذكر، أعلم عنه شدة حاجته وبدئه بالإيثار على نفسه وأسرته، وبحكم وجود قرابة أسرية من جهة أسرة زوجتي أعرف أخبارا كثيرة في هذا -ولا أكتم سرًّا إن قلت إنه سبق أن خطب إليّ ولكن ما قدر الله ذلك- وقد زارت إحدى قريباتي مؤخرا زوجته التي تقربها، فلم تر عندها إلا حصرًا على الأرض وبضع وسائد هي فرش بيته كما أخبرتني، وما كان يمد يده على مخصصات الجيش مع كونه القائد، ومن شهد له بذلك الشيخ أحمد معاذ الخطيب في مقاله عنه.

* كانت له مكتبة لا بأس بها في دوما، وكانت الكتب التي جلبها مع مكتبة أبيه منهلا وزادًا للشباب المؤمن هناك مع قلة وصول الكتب الشرعية السلفية وتضييق الخناق عليها، وأنا ممن استفاد منه، بل أول كتاب أخرجته محققًا -وهو الأربعون لأبي بكر ابن المقرئ- هو من أعطاني مصورته الخطية، جزاه الله عني خيرًا، ولكن هذه المكتبة تمت مصادرتها من الجهات الأمنية!

* جرى استهداف الشهيد أكثر من مرة، ولكن نجاه الله، وقاد معارك كبرى بنفسه، وحررت قواته مناطق كثيرة، وأثخن في أعداء الإسلام والوطن، وبقي ثابتًا مرابطًا إلى أن أصيب في استهداف مباشر بقصف روسي وهو يتفقد المواقع في الجبهة المشتعلة، هذا هو الخبر الصحيح، لا كما أشيع من أنه كان في مقر سري، وحقق الله أمنيته المعلنة من الشهادة، وأما الجبناء الغادرون والملاحدة الظالمون فنبشرهم بأن الأمة منصورة والنصر المحتم قادم بأرض الشام، فسطاط المسلمين القادم، وإنما هؤلاء يحاولون تأخير الأمر بكيدهم ومكرهم، وما كان الدين قائما بشخص ولا قائد مهما عظم، وإلا لمات الدين بموت محمد صلى الله عليه وسلم، ولكن الدين منصور، والسعيد من اصطفاه الله لنصرة دينه، ولم يكن مجرد رقم سلبي في تعداد المسلمين!
والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

* إن لنا أكبر عزاء فيما رأيناه من انتشار القبول لك يا أبا عبد الله في البلدان، وحزن المخلصين والعلماء والخاصة والعامة بك، ورأيت في تعزيتك بالرياض الأمم تأتي زرافات ووحدانا من كبار العلماء والدعاة فمن دونهم، ما ساقتهم مصلحة ولا أمر سلطان، وقرأنا من حزن كافة أطياف الأمة ورثائها ما يدل على القبول، ومثله فرحة الملاحدة والنصيرية والرافضة وأذنابهم والغلاة، وكان اصطفافهم وتوحد فرحتهم أكبر دليل على نظافتك وسلامة منهجك!

* رحمك الله يا أبا عبد الله، نعزي فيك أنفسنا، ونعزي والديك وأسرتك وذويك ومحبيك وعموم المجاهدين، ونستبشر لك لدعوتك ولأمتك الخير، فإن دماءك ودماء المجاهدين تروي الأرض المتعطشة للنور، فتنبت جيلا يستظل بخيراتكم وزرعكم وحرثكم!
جعلني الله وإياكم من المتحابين في الله، الذين اجتمعوا عليه، وافترقوا عليه، وجمعني بك في الفردوس الأعلى.

 

كتب هذه الخواطر المرتجلة محبُّه
محمد زياد بن عمر التكلة
في الرياض 15-3-1437

تعليقات الزوار

..

احمد امين الخال - اسطنبول

٢٨ ٢٠١٥ م

نحتسبه عند الله من الشهداء في علياء جنانه وستبقى دماء الامة الاسلامية تحمل جينات خالد بن الوليد والقعقاع ومن ضن ان الباطل سينتصر على الحق فقد اساء الضن بالله

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع