..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

حين لا يكون هناك استعداد لرمضان

عامر الهوشان

٢٥ ٢٠١٨ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 2642

حين لا يكون هناك استعداد لرمضان

شـــــارك المادة

تمر المنحة الإلهية العظيمة دون أن تُستثمر بالشكل الذي ينبغي، وتنقضي أيام مدرسة الثلاثين يوما من غير أن يتم الحصول على شهادة التفوق والنجاح في ختامه، وتنتهي فرصة العمر دون أن يتم اغتنامها بما يتناسب مع عظيم أجرها وجزيل ثوابها وحجم فوائدها وثمراتها الدينية والدنيوية.

 

أستغرب من بعض المسلمين اليوم ممن يكرر سؤالا أفاض في الإجابة عنه العلماء والدعاة والمربون والواعظون بتفصيل منقطع النظير، سؤال يتردد بعد أيام من انتهاء موسم العبادة والطاعة في رمضان مفاده:

 

مر عليّ شهر الصيام هذا العام كسائر الأعوام الماضية، لم أستثمر أيامه ولياليه بالطاعة والعبادة كما يجب، لم أحقق ما كنت أتمناه وأصبو إليه من الإكثار من تلاوة القرآن وتدبر معانيه والقيام به في جوف الليل، بالكاد أتممت ختمة واحدة طوال أيام الشهر ولياليه، فاتتني الكثير من الصلوات الخمس جماعة في المسجد بسبب كثرة النوم في النهار أو الانشغال بأمور الدنيا وأهوائها، ليال كثيرة من الشهر الكريم حُرمت فيها من أداء صلاة العشاء جماعة ومن بعدها القيام "التراويح" بسبب متابعتي لبعض برامج التلفاز التي أشغلتني عن أداء الصلاة في البيت أحيانا، أما الإكثار من ذكر الله والإنفاق في سبيل الله فلم أحقق فيه أي إنجاز يذكر اللهم إلا أداء الفرائض كزكاة الفطر وزكاة المال.........

 

مشكلة مزمنة عند كثير من المسلمين تتكرر وتتفاقم عاما بعد عام مع ختام موسم الطاعة والعبادة الذي يمر وينقضي دون أن يحدث التغيير المطلوب في القلوب والنفوس والسلوك بسبب غياب الاستعداد المطلوب الذي يسهب العلماء والدعاة في أهميته وضرورة الأخذ به قبيل ابتداء الشهر الكريم بأسابيع وأشهر، ناهيك عن عدم اجتناب المسلمين للتحذيرات الكثيرة المتكررة التي يطلقها الغيورون على فوات فرصة رمضان الذهبية من أيدي المسلمين بسبب بعض الشواغل والصوارف التي تزداد وطأتها وحدتها يوما بعد يوم.

 

لا يستغرب عاقل رسوب طالب في أي مرحلة من مراحل التعليم أو عدم تحقيقه لأمنياته وأحلامه على الأقل إن لم يستعد جيدا للامتحان، ولا يتعجب أحد من فوات ربح موسم من مواسم التجارة الدنيوية على تاجر لم يملأ متجره بمستلزمات الموسم ومتطلباته ولم يستعد له الاستعداد المطلوب....... فلماذا يستغرب بعض المسلمين من مرور شهر الصيام عليهم مرور الكرام دون أن يقطفوا ثماره اليانعة بعد أن غفلوا عن الأخذ بأسباب الإعداد والاستعداد روحيا ونفسيا وقلبيا و.......؟!!

 

لا أظن أن مسلما عنده شيء من الاهتمام بقدوم شهر الصيام لم يقرأ ما هو مسطور في الكتب ومنشور في عموم وسائل الاتصال الحديثة عن شكل وحجم استعداد السلف الصالح لاستقبال شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النار وهم من هم في التقوى والصلاح والاستقامة والإيمان.

 

استعداد بالتوبة والإنابة إلى الله قبيل قدوم شهر الصيام واجتناب المعاصي والآثام في رجب وشعبان استعدادا لاستقبال شهر المنح الإلهية بقلب طاهر ونفس مزكاة التزاما بقوله سبحانه: { وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } النور/31، واقتداء وتأسيا بمضمون الحديث الصحيح عَنْ أَبِي بُرْدَةَ قَالَ: سَمِعْتُ الْأَغَرَّ - وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُحَدِّثُ ابْنَ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ تُوبُوا إِلَى اللَّهِ فَإِنِّي أَتُوبُ فِي الْيَوْمِ إِلَيْهِ مِائَةَ مَرَّةٍ) صحيح مسلم برقم/2702.

 

استعداد بالإكثار من الصيام في شهر شعبان كتهيئة للنفس وتعويد لها على الامتناع عن الطعام والشراب والمفطرات وتأسيا بخاتم الأنبياء والمرسلين الذي كان يكثر من الصيام في شعبان حتى إن أم المؤمنين عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ لا يُفْطِرُ وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ لا يَصُومُ، فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ إِلا رَمَضَانَ، وَمَا رَأَيْتُهُ أَكْثَرَ صِيَامًا مِنْهُ فِي شَعْبَانَ) متفق عليه.

 

استعداد بالفرح بقدوم الشهر الكريم والدعاء الصادق ببلوغ أيامه ولياليه وطلب العون من الله باغتنام بركاته ونفحاته وعقد النية والعزم على الإكثار من العبادة والطاعة فيه.

 

ورد عن بعض السلف أنهم كانوا يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم رمضان ثم يدعونه خمسة أشهر بعدها حتى يتقبل منهم. وكان عمرو بن قيس إذا دخل شهر شعبان أغلق حانوته وتفرغ لقراءة القرآن.

 

وقال أبو بكر البلخي: شهر رجب شهر الزرع، وشهر شعبان شهر سقي الزرع، وشهر رمضان شهر حصاد الزرع. وقال أيضاً: مثل شهر رجب كالريح، ومثل شعبان مثل الغيم، ومثل رمضان مثل المطر، ومن لم يزرع ويغرس في رجب، ولم يسق في شعبان فكيف يريد أن يحصد في رمضان.

 

استعداد بتقوية الإرادة ومعاهدة النفس على عدم تكرار مأساة تضييع ساعات شهر الصيام في النوم أوخلف شاشات التلفاز ووسائل التواصل الاجتماعي التي تعتبر من أخطر وأهم أسلحة شياطين الإنس لتفريغه من مضمونه وجوهره النفيس.

 

استعداد بالتخلي عن اختزال شهر الصيام بكونه امتناع عن الطعام والشراب فحسب، وإنهاء لحالة هستريا التحضير له بتخزين وشراء جميع ألوان وأنواع المأكولات مما لذ وطاب، والتفات إلى تهيئة النفس والقلب والجوارح لتلقي المنح والنفحات.

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع