..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

البادية .. حكاية فساد وتخاذل

مزمجر الشام

٧ ٢٠١٨ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 2515

البادية .. حكاية فساد وتخاذل

شـــــارك المادة

 

تمتد الرقعة الجغرافية التي اُصطلح على تسميتها بقطاع البادية، من المنطقة الممتدة من شمال شرقي حماة ، مروراً بريف إدلب الشرقي وصولاً إلى ريف حلب الجنوبي 

 

‏وهي رقعة جغرافية واسعة ، تحوي مئات القرى والبلدات ، ذات طبيعة عشائرية ، وتشكل أهمية كبيرة كونها همزة وصل بين مختلف المحافظات السورية ( شمالا - جنوبا - شرقا ) 
 

‏كما يمر فيها شريان النظام الرئيسي نحو معاقله في الشمال والشرق ( طريق خناصر ، اتوستراد السلمية - حماة- الرقة ) .
كما تحوي ثروات باطنية كالنفط والغاز والفوسفات
 

‏تاريخياً : ومع انطلاق شرارة الثورة وبدء عمليات التحرير ، انتشر الجيش الحر في المنطقة وسيطر على معظم مفاصلها ، وشهدت المنطقة معارك عدة ضد قوات النظام أشهرها " الجسد الواحد" و " قادمون ياحمص ".
 

‏وفِي منتصف عام 2014 شنت جموع من جبهة النصرة - المنسحبة من الرقة إثر القتال مع داعش - هجوماً على منطقة الرهجان في البادية ، وهو ما شكل أول وجود فعلي لتنظيم القاعدة في المنطقة تلك 
 

‏مع سيطرة جبهة النصرة على الرهجان وصراعها مع باقي فصائل الجيش الحر ، لم يبق أي وجود يُذكر لفصائل الجيش الحر هناك ، وباتت المنطقة بالكامل تحت سيطرة شبه تامة لجبهة النصرة وحركة أحرار الشام
 

‏تعاقب على قيادة جبهة النصرة في البادية عدة " أمراء" ، بدءاً من أبي عيسى الطبقة ، ومن ثم وبعد مقتله تولى "أبو محمد شورى" قيادة التنظيم هناك 
 

‏وبعد وصول مقاتلي قاطع الشرقية من درعا إلى الشمال ، عيّن الجولاني " أبو محمد شحيل" أميرا على البادية ، وبعد موته في ظروف غامضة تقلد معاونه "حازم الديري" قيادة القطاع
 

‏أما أحرار الشام فقد تركت قطاع البادية تحت إمرة " أبو البراء معرشمارين" ، كما احتفظ أبو عمر الفرا- أحد قادة جيش الإيمان التابع للحركة - بمقرات ومواقع له في المنطقة
 

‏ومنذ ذلك الوقت وحتى تاريخ اليوم ، لم تشهد المنطقة أي محاولات جدّية لقطع طريق إمداد النظام ( طريق خناصر ) ، فضلاً عن محاولة السيطرة على "عقيربات" الاستراتيجية ، و فك الحصار عن حمص أو القلمون أو الغوطة !
 

‏ورغم الأهمية الاستراتيجية البالغة للبادية ، وسيطرة أكبر فصيلين عسكريين في الساحة ( جبهة النصرة - أحرار الشام ) عليها ، إلا انها بقيت مجمّدة خارج دائرة الصراع مع النظام !

 

‏لم يقف الأمر عند ذلك ! بل منعت جبهة النصرة أي فصيل من فتح معركة في تلك المنطقة ، وعطّلت ولادة "جيش العسرة" الذي تشكّل من عدة فصائل للتوغل عبر البادية وصولاً إلى العاصمة دمشق
 

‏- تجارياً : فقد شكلت هذه المنطقة أهمية كبرى نظراً لتحكمها بطرق التجارة مع مناطق نفوذ كل من النظام و داعش ، فكانت أشبه "بباب رزق" لقادة الفصيلين الموجودين هناك ( جبهة النصرة - أحرار الشام )
 

‏وحتى تستوعب أيها القارئ الكريم ما أذكره ، سأشرح بشيء من التفصيل كيف سُخّرت هذه المنطقة لملء جيوب القادة بدلاً من تسخيرها لضرب النظام وشلّ حركته ، وفك حصار بقية المناطق !
 

‏أولاً : التجارة مع داعش
وتشمل بيع جبهة النصرة للسلاح والذخائر - التي تسلبها من باقي الفصائل بصولات البغي والتعدي - لداعش في الرقة ودير الزور بأسعار مرتفعة ، مباشرةً أو عبر وسطاء
 

‏ثم مالبث أن تطور الأمر إلى اتفاق رسمي بين الجانبين ( جبهة النصرة و داعش ) ، كان من أهم بنوده :
-
سماح جبهة النصرة لعناصر داعش في المنطقة الشرقية بزيارة أهاليهم في إدلب وباقي المناطق المحررة، مقابل أن تسمح داعش لقادة جبهة النصرة بالتنقل بين الشمال و درعا والسويداء عبر مناطق سيطرتها ( القلمون - اللجاة ) إن دعت الحاجة ، بما أن طريق النظام مفتوح أمامهم !
-
فرض ضرائب باهظة على تجارة السلاح و المحروقات بين الجانبين، ‏وبالفعل فقد راجت تجارة السلاح والمحروقات من وإلى مناطق داعش ، برعاية النصرة والأحرار ، وبدأت جبهة النصرة وأحرار الشام بفرض مبالغ شهرية على تجّار السلاح وصلت في بعض الأحيان إلى ما مجموعه 500 الف دولار شهرياً !
 

‏ولعل رواج تلك التجارة وما تدره من أرباح مرتفعة ، دفع ( كاجو ) وهو أحد أشهر تجار السلاح في سوريا ، لإرسال الكثير من قادة جبهة النصرة وأحرار الشام لأداء مناسك الحج سنوياً على نفقته الخاصة ! كنوع من الرشوة - لا نشكك بتقوى كاجو وحبه للخير- ناهيك عن آلاف الدولارات والسيارات والهدايا ، التي كانت تُقدّم كرشاوى لبعض قادة النصرة والأحرار لاستمالتهم وضمان استمرار تجارتهم 
 

‏ثانياً : التجارة مع النظام
وهذا ملف فيه من الفضائح والمعاير والمخازي ما يندى له الجبين ، و يرتقي إلى درجة الخيانة للدين والثورة و الشعب

‏شكلّت التجارة مع النظام نصيب الأسد من الأرباح الوفيرة التي كانت تدرها منطقة البادية في جيوب بعض قادة تلك الفصائل ، وذلك عبر ثلاثة معابر رئيسية هي :
 

‏أ - معبر السعن : تديره جبهة النصرة بالكامل ولا تسمح لغيرها بالمشاركة فيه ، ويختص بتجارة المحروقات بكافة أنواعها ، فقد اتفق الجانبان على فرض رسوم باهظة على الواردات والصادرات من المحروقات ، بلغت حصيلتها مئات آلاف الدولارات 
 

ب - معبر مورك : مورك ، تلك المدينة الحَمَوية التى أركعت النظام ، وشهدت أكبر ملاحم الثورة ، دُمر على ثراها مئات الدبابات ، وارتقى على ترابها مئات الشهداء من الجيش الحر والثوار 
 

‏وقد غدت اليوم بعد طرد الجيش الحر منها مصدراً لملء كروش قادة هيئة تحرير الشام ، عبر تحويلها لمعبر لتجارة الغاز مع النظام ، بإشراف المكتب الاقتصادي في الهيئة الذي يترأسه اليوم المجرم مغيرة البدوي ( أمير إدلب سابقاً ) 
 

‏ج - معبر أبو دالي : وهو المعبر الأهم في تلك المنطقة ، وقد أشرف على إدارته كل من جبهة النصرة وأحرار الشام ، وتقاسمتا التجارة فيه كالتالي :
 

‏- جبهة النصرة : احتكار تجارة السُكر والغاز والسيارات ، من وإلى مناطق سيطرة النظام 
- أحرار الشام : احتكار تجارة الإسمنت والمواد الغذائية وغيرها ، من وإلى مناطق سيطرة النظام
 

‏ونظراً للأرباح الطائلة التي يدرها معبر أبو دالي ، فقد تحول إلى بؤرة صراع ونزاع دائم بين هذين الفصيلين ، وبين أمراء وقادة الفصيل الواحد أيضاً
 

‏حيث تنازع كل من أبو يوسف حلفايا ( أمير جبهة النصرة في حماة ) ، وأبو محمد شحيل ( أمير جبهة النصرة في البادية ) على واردات المعبر ، و وصل هذا النزاع إلى حد التصادم المسلح ، حتى تدخل الجولاني وأتبعَ المعبر بالمكتب الاقتصادي مباشرةً الذي يتزعمه أبو أحمد زكور ( جهاد الشيخ ) ، والذي وصلت استثماراته إلى تركيا والخليج ، بعد أن جنى ثروة طائلة في حقبة توليه المكتب الاقتصادي لتنظيم القاعدة والهيئة لاحقاً ، قبل أن يستقيل ويغادر سوريا مؤخراً 
 

‏وأما المكتب الاقتصادي لهيئة تحرير الشام فقد تولى مهامه أبو عبدالرحمن الزربة خلفاً لأبي أحمد زكور ، بدعم من أبي أحمد حدود الرجل الثاني في التنظيم ، وتولى بعده مغيرة البدوي كما ذكرنا سابقاً 
 

‏بالعودة إلى موضوع المعابر : استطاعت التجارة والأموال أن تجمع ما فرقته الحرب ، فقد احتضنت بلدة أبو دالي ولائم و موائد جمعت بين ممثلين عن النظام و بعض قادة النصرة وأحرار الشام، لإدارة تجارة المنطقة
 

‏توجت تلك اللقاءات بعقد تفاهمات سرية بين تلك الأطراف ، مثّل النظام فيها أحمد درويش و فواز التريكي ( عديله) ، وعن الأطراف الأخرى أبو زياد حلفايا وصبري التح كواجهة طبعاً ، نصّت بعض تلك التفاهمات على :
 

‏موافقة النظام على حكر تجارة السكر والغاز بيد هيئة تحرير الشام في المناطق المحررة ، مقابل أن تورد الهيئة للنظام القمح و بعض المواد المستوردة من تركيا والسيارات الغير مجمركة 
 

‏استمر الوضع على ما هو عليه حتى وضع الجولاني عينه على معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا ، والذي تديره أحرار الشام ، طمعاً منه بتجميع مصادر الثروة وشرايين الحياة في المناطق المحررة في قبضته 
 

‏الجولاني لم يخف صراحة ً طمعه في الاستيلاء على معبر باب الهوى الحدودي ، حيث تحدث لبعض قادته أنّ المعبر يدر ما لا يقل عن 6 ملايين دولار شهرياً ، ولا يجب أن يبقَ تحت سيطرة أحرار الشام بعد الآن 
 

‏سوّق الجولاني لخطته في الاستيلاء على معبر باب الهوى بالترويج أن أحرار الشام ترحب بدخول تركيا إلى إدلب ! ، وهو مايعني تسهيل دخول " الاحتلال التركي" العضو في حلف الناتو الكافر ، والمتفاهم مع الروس - على حد وصفه - ! 
 

‏قبل أن يتحول الجولاني نفسه لجندي حراسة - كما نرى اليوم - لما اسماه جيش الناتو الكافر ! ، وبعد أن قاتل الفصائل وسفك الدماء لذات التهمة التي يتوكل اليوم - خوفاً وطمعاً - بتنفيذها !
 

‏وعلى إثر قتال الجولاني لأحرار الشام تخاذلت معظم ألوية وقطاعات الحركة عن القتال ، من بينها قطاع البادية سالف الذكر ، بزعامة أبو البراء معرشمارين وأعلن القطاع بيعته للجولاني !
 

‏الجدير بالذكر أيضاً أن أحرار الشام قد صرفت أكثر من مليونيّ دولار على قطاع البادية فقط ، في الفترة الأخيرة التي سبقت بغي الجولاني ، لتسليحه وتجهيزه بالمعدات ، حتى بلغ تعداد جنود الأحرار في قطاع البادية 7000 عنصر !
 

‏وبذلك لم يعد في منطقة البادية سوى هيئة تحرير الشام ، التي منعت وجود بقية الفصائل في تلك المنطقة ، ( من بين تلك الفصائل تنظيم جند الأقصى الذين وصفتهم الهيئة بالمجاهدين الأطهار ! )
 

‏لماذا انسحب الجولاني مؤخراً من البادية تاركاً مئات القرى والبلدات مشاعاً يستبيحه النظام ، فيشرد أكثر من مئة وخمسين ألف مسلم سوري ، ويتسبب في مقتل وجرح المئات ؟
 

‏تعود أسباب انسحاب الجولاني الأخير من منطقة البادية إلى عدة أسباب رئيسية :
 

‏1 - الانشقاقات الواسعة التي عصفت بالهيئة ، وحاجة الجولاني لمقاتلين في معركته السابقة مع حركة الزنكي ، حيث أن معظم قواطع الهيئة رفضت المشاركة في ذلك البغي 
 

‏2 - فتح الثوار لمعركة على أطراف تلك المنطقة ، مما أضرّ بالتجارة هناك ، وتقدم داعش باتجاه تلك المنطقة أيضاً ، وهو ما يشكل استنزافاً للهيئة في حال قرر الجولاني الدفاع عن المنطقة
 

‏3 - حديث تركيا عن عزمها دخول إدلب ، فأراد الجولاني المحافظة على قواته وتعزيز معاقله في إدلب والمنطقة الحدودية مع تركيا ، ليقدم نفسه للأتراك أنه صاحب الكلمة العليا في المنطقة ، ويضطرهم للتعامل معه كأمر واقع ! وهو ما أثبته مسارعته في حماية الرتل التركي والانفتاح للخارج 
 

‏وبالفعل فقد بدأت الهيئة بالانسحاب من البادية في بداية بغيهم على حركة الزنكي ، ثم وصلت تلك الانسحابات إلى ذروتها قبيل دخول تركيا ، لتشمل أكثر من مئة وخمسين بلدة وقرية في ريفي إدلب و حلب !
 

‏و قد أخلت هيئة تحرير الشام مطار أبو الظهور قبل أن يستولي عليه النظام بأكثر من 20 يوماً ، وأبقى حامية صغيرة فيه ، فالجولاني الذي رفض أن يتمركز الأتراك في المطار فضّل تسليمه للنظام في مسرحية معدة مسبقاً 
 

‏لم يكتفِ الجولاني بتسليم مساحات شاسعة للنظام على طبق من ذهب ، و تشريد أهلها ، بل طلب من جيش البادية المنشق عنه - والذي كان يرابط في تلك المناطق - تسليم سلاحهم الثقيل و المضادات ! لتبقى المنطقة بدون أي دفاع !
 

‏الجولاني نفسه اعترف بتلك الانسحابات أمام عناصره ضمنياً حيث قال إن خسارة الهيئة لقرية هنا أو بلدة هناك ، لا تشكل أهمية بالنسبة له ، فغاياته أعظم و عيونه متوجه إلى القدس !! 
 

‏استخفاف الجولاني بعقول عناصره ، واستهزائه بعقول السوريين ، لم يقتصر على هذا فقط !بل عاد بالأمس ليطالب الفصائل بالمشاركة في استعادة المناطق التي انسحب منها هو وسلمها للنظام !!
 

‏وأمام تلك الانسحابات المتعمدة والمشبوهة لهيئة تحرير الشام ، اجتمعت مختلف الفصائل لتدارك الوضع ، وشكلوا عدة غرف عمليات كان آخرها غرفة عمليات "دحر الغزاة" لمحاولة وقف تقدم النظام، وقد بدأت بالفعل معركتها وتولت الرباط على تلك الجبهات 
 

‏و الهيئة التي لا تملك اليومَ سوى ثلاث نقاط رباط على طول الجبهة - بعد انتشار الفصائل وتولي الحزب التركستاني لنقاط الهيئة - مازالت أبواقها الإعلامية توهم السوريين أنها من تدافع وتحرر الْيَوم ! وهي بالأصل من سلمّت وانسحبت ! .

 

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع