..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

من يوقف جرائم ضامني "خفض التصعيد"؟

محمود الريماوي

٣٠ سبتمبر ٢٠١٧ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 2789

من يوقف جرائم ضامني
349 (1).jpg

شـــــارك المادة

تساءل المنسق العام للهيئة العليا للمفاوضات السورية، في تغريدةٍ له قبل أيام: "من يوقف جرائم ضامني خفض التصعيد، جرائم يشاهدها المجتمع الدولي بصمت مريب". الجرائم التي يتحدث عنها رياض حجاب هي التي نشط في اقترافها الطيران الروسي ضد ريفي إدلب وحماة، في الآونة الأخيرة. وذلك استعداداً لحسم وضع مدينة إدلب. وقد سبق للطيران الروسي أن استهدف هذه المدينة المنكوبة بالتركيز على استهداف المدنيين أولاً، ولطالما سلك الروس في سورية مسلكاً مفاده بأنه لا لزوم لوجود المدنيين، وخصوصاً في المدن ذات الكثافة الإسلامية السنية. ولم يحدث مرة أن أبدى الروس أي استعداد من أي نوع لتجنيب المدنيين ويلات الصراع. وعلى العكس من ذلك، دأب الطرف الروسي على استهداف المدنيين باعتبارهم هدفاً "عسكرياً" سهلاً، يحقّق نتائج مفيدة عسكرياً وسياسياً.


وإلى المدنيين، فقد تخصّص "الأصدقاء الروس"، على مدى العامين الماضيين، في استهداف المراكز الطبية من عيادات ومشافٍ. وخلال الأسبوع الماضي، أخرجوا أربع عيادات ومشافٍ من الخدمة في إدلب.. ولا شك أن استهداف هذه المراكز الطبية، جنباً الى جنب مع مراكز الدفاع المدني، في بلد منكوب مثل سورية، يمثل إنجازات باهرة للدولة الكبرى العضو الدائم في مجلس الأمن! فحتى المليشيات الطائفية تتورّع عن القيام بهذا الاستهداف المنهجي والمشين لمراكز الطبابة والإغاثة، والتي تعاني، في الأصل، من نقصٍ في معداتها، ومن صعوبةٍ في أداء عملها، نتيجة المخاطر الأمنية، ونقص الكادر الطبي، وزيادة أعداد المرضى والمصابين. ومع ذلك، لا يتوانى الطرف الروسي عن مضاعفة المأساة لشعب منكوب، ويرى في ذلك انتصاراً له. وهو ما يجعل رياض حجاب، وهو أبرز السياسيين السوريين، يتساءل متهكماً عن الطريقة التي يعتمدها الضامن الأول لتخفيف التوتر، لأداء عمله، والتي تتمثل بارتكاب الجرائم بدم بارد ضد المدنيين أولاً، ثم ضد المرافق المدنية ثانياً، وضد المعارضة المعتدلة ثالثاً. ويعتمد الروس، منذ شقّوا هم وحلفاؤهمالإيرانيون، مسار أستانة لما يسمى تخفيف التوتر، سياسةً عمادها دفع المعارضة إلى التزام وقف إطلاق النار في مقابل مضاعفة التوتر من الضامنين المزعومين.


بفضل السلوك الروسي في سورية، واصطفاف الدولة الكبرى إلى جانب مليشيات إيران، فإنه يصعب متابعة أعداد الضحايا من المدنيين الذين يسقطون يومياً، وحصر الأضرار المتلاحقة بالمرافق المدنية. فيما تتعسّر أعمال الإغاثة لألف سبب، وسط ارتياح روسي لنشر الخراب والدمار، فكلما اتسع نطاق القصف العشوائي رأت موسكو ذلك يحسّن فرص الحلول.
وإذ أشار حجاب إلى الصمت الدولي المريب عن جرائم الضامنين، فإن الطرف الثالث بين الضامنين، وهو الطرف التركي، رفع صوته هذه المرة محتجاً ضد القصف الروسي المتوالي على المدنيين، وعلى المعارضة المعتدلة في إدلب ومحيطها، ومحتجاً على الطريقة الروسية بتخفيف التوتر في هذه المنطقة. لقد سبق أن تم استدراج الطرف التركي للانضمام إلى المسار الروسي والإيراني في أستانة، وهو مسار يستهدف، بين ما يستهدفه، إخراج تركيا من المعادلة السورية. ولهذا، يبدو نشر قوات تركية إلى جانب قوات روسية في إدلب أمراً تحِفّ به الشكوك، إذ يدل كل السلوك الروسي، ناهيك عن الإيراني، على رغبة موسكو بالتحلل من الاتفاق الأخير حول إدلب. ولا بد أن موسكو سوف تقوم بمساوماتٍ مع أنقرة (حول الموقف من الأكراد مثلاً) لتحقيق هذا الغرض، وذلك في إطار السعي إلى إخراج تركيا من المعادلة، مع زيادة الدعم السياسي والدبلوماسي لوجود مليشيات إيران العراقية واللبنانية والإيرانية في سورية. وسبق أن أدلى وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، بتصريحات على هامش اجتماعات الجمعية العامة في الأمم المتحدة، أفاد فيها بالسعي الروسي إلى الحفاظ على وجود مليشيات إيران، ومحاربة كل جماعة مسلحة أخرى في سورية. وهي أهدافٌ تدركها أنقرة جيداً، ولا علاقة لها بالحل السياسي، أو مسار جنيف، أو قرار مجلس الأمن 2254، أو بحقوق الشعب السوري، بل هي أهداف ذات علاقة بديناميات واقع التحالف الروسي الإيراني المكين، وبانتظار أن تعمل أنقرة بمقتضى هذا الإدراك، وأن لا يستغرقها الموضوع الكردي بصورة كلّية، ويصرفها عن الانشغال ببقية الملفات المتعلقة بحضور تركيا الإقليمي.


وهناك من يسعى إلى التهويل بالموضوع الكردي، من أجل أغراض أخرى، تتمثل بخلط الأوراق وفرز معادلات واصطفافات جديدة في المنطقة. وتنفرد طهران وموسكو خلال ذلك بتقرير مصير سورية والسوريين عبر مواصلة سياسة التجريف والأرض المحروقة مع أكبر قدر من التدليس السياسي حول الحلول، وحول أنه لا حل عسكرياً للأزمة السورية! وهي عبارة التدليس الأثيرة للمحور الإيراني الروسي الذي لا ينكبّ سوى على الحل العسكري الذي يستهدف البشر والحجر والشجر، مع قطع الطريق على كل حل سياسي، وبالذات مسار جنيف، بمرجعيته المعروفة وبالقرارات الدولية ذات الصلة بالأزمة السورية.
في وقت سابق من سبتمبر/ أيلول الجاري، دعا الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، إلى تشكيل مجموعة اتصال حول سورية، تضم خصوصاً الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، قائلاً، في هذا الصدد، إن مسار أستانة لا يكفي. وقد أبدت موسكو تجاهلاً لهذا الاقتراح الحيوي الذي قد يؤدي الأخذ به إلى وقف انفرادها بالملف السوري، وقد يضع السلوك العسكري الروسي في سورية مجدّداً تحت الأضواء، وخصوصاً لجهة استهدافه الدائم المدنيين والمرافق المدنية والمراكز الطبية ومراكز الدفاع المدني. ولما يؤدي إليه من تقويض الحلول السياسية وتأخيرها إلى أبعد مدى ممكن، وهي الاستراتيجية التي اعتمدتها موسكو، منذ تدخلها العسكري المباشر في سورية في مثل هذه الأيام قبل عامين. ومنذ اشتقاقها مسار أستانة الملتوي الذي لا يستخدم أبداً عبارة وقف إطلاق النار. ومن المفيد أن تتمسّك المعارضة السورية بمبدأ توسيع الرعاية الدولية، خصوصاً مع جنوح السياسة الأميركية إلى مزيج من الانكفاء والاضطراب حيال الأزمة.

 

العربي الجديد

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع