..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

منهج ردود الأفعال وأثره على التفكير

محمد العبدة

٨ سبتمبر ٢٠١٧ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 3390

منهج ردود الأفعال وأثره على التفكير
maxresdefault_129_0_0_0.jpg

شـــــارك المادة

من الواضح لمن يتدبر القرآن الكريم أن من مقاصده إصلاح طرق التفكير عند الإنسان ، ومن خلالها يتوصل إلى المعارف الصحيحة ، ويتعرف على الحقائق ولا يضيع في تشعبات الآراء والأهواء .
قال تعالى : "ولا تقف ما ليس لك به علم" الإسراء /36
"ومن الناس من يجادل في الله بغير علم" الحج / 3
"فاستقيما ولا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون" يونس /89
إن إصلاح التفكير يعني رد الإنسان إلى الطريق الأعدل والطريق الوسط في تعامله مع الأشخاص والأفكار ، ولكن عندما يكون تفكيره متأثراً  بردة فعل على فكر آخر وليس نتيجة علم وبحث وموضوعية فإنه لن يصل إلى النتائج المطلوبة ، عدا عن أنه لم ينصف الطرف الآخر ، وفي مثل هذا السلوك تتحول بعض القضايا إلى جدل كلامي لا ينتهي ، جدل يستنزف الطاقات ويشغل الناس عن العلم المفيد والعمل الجاد .
إن إصلاح طرق التفكير يعني التوازن في تقدير الأمور ، فلا تقسم الأشياء دائماً إلى قسمين متناقضين : إما حسن أو قبيح ، إما خير محض أو شر محض ، ولا يكون التصرف إما بتصلب ويبوسة وإما بميوعة منفلتة من كل قيد .
كان للتفكير الناتج عن ردود الأفعال أثر سلبي في تاريخنا الثقافي والعلمي ، بل أتخم تراثنا بهذا القيل والقال وهذه المعارك الكلامية التي ليس من ورائها طائل . كانت عقيدة الإرجاء في بعض جوانبها ردة فعل على تطرف الخوارج الذين يكفَرون بالذنب ، وهو تطرف لايصلح عليه أمر الخلق ، وكأن الايمان عندهم كتلة واحدة إذا ذهب جزء منه ذهب كله ، وقابلتهم المرجئة فقالوا : الايمان هو التصديق أو التصديق والقول ،أو أنه قول بلا عمل ، وأبعدوا العمل عن مسماه فهو لا يزيد ولا ينقص  ، وظنوا أن الايمان الذي في القلب يكون تاماً دون العمل .
كانت ردة الفعل الثانية عند المرجئة هي عندما فشلت الثورات التي قامت على بني أمية ، فهذا مما زاد في انتشار الإرجاء ، قال قتادة : " إنما حدث الإرجاء بعد فتنة ابن الأشعث " أي فشل ثورة ابن الأشعث على الحجَاج أمير العراق ، وفي العصر الحديث تشاءم الشيخ محمد عبده من السياسة ومن فعل ( ساس ) وكل مشتقاته وذلك بعد فشل ثورة أحمد عرابي باشا .
إن عقيدة الإرجاء تناسب أصحاب النفوس الضئيلة المتكاسلة عن الواجبات وترغب في التخفيف منها ، ويتحايلون على النصوص لتتفق مع أهوائهم ، وقد يجهلون بما في القيام بالواجبات من المنافع .
وعندما غلا المعتزلة في ضرورة إثبات الحكمة في التشريع وفي كل أمر أونهي  ، وفي كل فروع الشريعة ، وأوجبوا على الله ذلك ، ولم يلتفتوا إلى مشيئة الله المطلقة التي قد يخفى على الناس بعض تقاديره ، عند ذلك قابلهم الأشاعرة بنفي الحكمة لإثبات المشيئة المطلقة ، وحسب رؤيتهم فإن الله سبحانه وتعالى لا يفعل لحكمة ، لأن الفعل لغرض ما إنما يكون ممن ينتفع ويتضرر وذلك منفي عن الله سبحانه . يقول الشيخ محمد عبدالله دراز رحمه الله : " وإذن فبدلاً من أن يؤكد الأشاعرة القدرة الإلهية الكاملة التي غاب عن المعتزلة تأكيدها ، وبدلاً من أن يجعلوها في مقابل الحكمة التي حاول المعتزلة إبرازها ، نجدهم – بدافع الحمية وقلة الحنكة النظرية – قد ألغوا تقريباً الحكمة من أجل القدرة ، بحيث لم يحتفظوا منها إلا بالاسم وحسب " ( 1 )
إن نفي الحكمة والتعليل لأفعال الله تعالى أدى إلى خلل كبير في الفكر الإسلامي ، حيث ابتعد عن التأمل العميق في قضية الأسباب والمسببات ، وعن استعمال العقل  فيما خلق له وما يجب عليه ، وعن التأمل في خلقه تعالى وما فيه من الحكمة الباهرة ، ولو رجع هؤلاء وغيرهم إلى نصوص الكتاب والسنة وجمعوا بين أطرافها من غير تعصب وردود لما وقعوا فيما وقعوا به .
وإذا جئنا إلى العصر الحديث فسوف نجد أمثلة لهذا النوع من التفكير الذي يبتعد بصاحبه عن الرؤية السليمة ، عندما ظهرت نغمة القومية العربية ونادى أصحابها بالعروبة بعيداً عن الدين ، وغالوا في الاهتمام بتاريخ العرب قبل الإسلام ، قابل ذلك بعض الكتاب الاسلاميين بالإزراء على العرب قبل الإسلام ، وأنهم كانوا في دركات من الانحطاط الأخلاقي والاجتماعي والسياسى ، كل ذلك حتى يظهروا فضل الإسلام على العرب وأنه هو الذي أنقذهم ورفع من شأنهم ، ولا شك أن الإسلام أنقذهم من الضلالة والجاهلية ولكن هذا لايعني أنهم لم يكونوا على شيء، بل كانوا على حالة هي أقرب للفطرة ، وكان عندهم قيم أخلاقية يحافظون عليها ، وهذا مما يؤهلهم لحمل الرسالة ، ولو أنصف هؤلاء الكتاب لكان له الأثر الطيب عند من يبحثون عن الحقائق .
كان شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قد انتقد بعض المتسننة حسب تعبيره الذين ينقصون من قدر علي رضي الله عنه ومن محبة آل البيت عندما يرون انحراف الرافضة وغلوها في علي وبنيه ( 2 ) ونحن نرى اليوم بعض المتسننة يفعلون الشيء نفسه فنراهم يبررون أفعال يزيد بن معاوية ويمدحون الحجاج بن يوسف مضادة للشيعة الذين ينسفون تاريخ بني أمية بل التاريخ الإسلامي كله . وهكذا نرى هذا المنهج في التفكير فأناس يضخمون نظرية المؤامرة وأناس ينفونها بالمرة . إن مثل هذا التفكير لا يؤسس لثقافة معتدلة ومنصفة تبتعد عن الجدل العقيم والانفعال العاطفي ليتجه الإنسان إلى العلم النافع والعمل الجاد . 

 

 

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع