..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

مستقبل الصراع الدولي على سورية

رضوان زيادة

٢١ ٢٠١٧ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 2607

مستقبل الصراع الدولي على سورية
349 (10).jpg

شـــــارك المادة

عندما كان مرشحا يخوض حملته الانتخابية باسم الحزب الجمهوري؛ أثار دونالد ترامب مسألة المناطق الآمنة في سورية، حيث وعد بإنشاء مناطق لحماية المدنيين، واستخدامها مأوى للاجئين السوريين، لكنه لم ينفذ الفكرة، بعد أن اكتشف مدى تعقيدها وبعد تحذير روسيا ورفضها. وكانت المعارضة السورية قد دعت إلى تنفيذ هذه المناطق منذ عام 2011 وسيلة لحماية المدنيين داخل سورية، وهذا هو السبب في أن الموقف الروسي الجديد لدعم فكرة "مناطق التصعيد" كان مفاجأة لمعظم جماعات المعارضة المتشكّكة جدا في النية الروسية في سورية.
وقد ساعد الغموض في شروط "مناطق تخفيف التصعيد" الروس على قطع الطريق على فكرة المناطق الآمنة التي لا يرغبون برؤيتها تفرض على عكس رغبتهم ورغبة نظام الأسد. لجأت روسيا في سورية مراراً إلى لغة الغموض، في محاولة منها لتجنب الانتقادات المتكرّرة، بحيث أصبحت هذه اللغة سياسة بحد ذاتها، فلجميع القوى الدولية والإقليمية مصطلحاتها ومفاهيمها التي تحاول دوما فرضها.


دعمت تركيا فكرة المناطق الآمنة منذ بداية عام 2012، ثم دعمت مجدّدا فكرة مناطق خفض التصعيد أو التوتر التي حدّدتها محادثات أستانة؛ وهي تعني التخلي تماما عن مفهوم المناطق الآمنة أو مناطق حظر الطيران، حيث تضع تركيا الآن كل طاقتها لمحاربة حزب الاتحاد الديمقراطي والمليشيات الكردية، وهذه هي النسخة السورية من حزب العمال الكردستاني الموضوع على قائمة المنظمات الإرهابية التركية.
لم تقدم إدارة ترامب أي تفسير للاتفاق الموقع بشأن جنوب سورية، حيث حاولت تقديمه قصة نجاح بعد الاجتماع بين الرئيس ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في محاولةٍ لتجنب الانتقادات الداخلية في العلاقة بين حملة ترامب الانتخابية والقيادة الروسية. هذا هو السبب في أن مستقبل هذا الاتفاق لن يكون مختلفا عن غيره، ومن الصعب جدا على إدارة ترامب أن تجادل العكس، لكن الاتفاق ربما يكشف عن استراتيجية ترامب الجديدة في سورية التي هي ببساطة استمرار لسياسة أوباما السابقة، من حيث التركيز في القتال والقضاء على "داعش"، بالاعتماد على مليشيات محلية، من دون وجود قوات أميركية على الأرض. لكن ما لم تدركه إدارة ترامب اليوم أن الوضع في في سورية اليوم مختلف عمّا كان عليه الصراع في سورية في عام 2013 أو قبله.


لدينا اليوم ثلاثة مستويات مختلفة من الصراع، وفي كل مستوى هناك فاعلون وأطراف عديدون مشاركون. على الصعيد الدولي، تتنافس روسيا مع الولايات المتحدة على مصالحها في سورية. على المستوى الإقليمي، لدينا تركيا من جهة، وهي تشترك على الأقل بـ560 ميلا من الحدود مع سورية، في منافسة مع إيران والسعودية على القضايا الطائفية، والتوسع في سورية. وعلى المستوى الثالث، لدينا مجموعات محلية داخل سورية تتقاتل مع بعضها بعضا، كما أن النظام السوري الذي يخاتل دوما باستخدام مصطلح السيادة، لجأ إلى الاعتماد أكثر فأكثر على المليشيات الشيعية للقيام بالقتال، في مقابل جماعات المعارضة المسلحة التي باتت تنقسم إلى تلك الإسلامية المتطرفة، وتلك الوطنية تحت راية الجيش السوري الحر الذي فقد وجوده يوما بعد يوم.


تجعل هذه الخرائط المعقدة من الصعب جدا على أي إدارة أميركية بناء سياسةٍ فعالة في سورية، إذ على جميع أصحاب هذه المصالح المتضاربة أن تتوافق على ما ترغب بتحقيقه في سورية، وهو، في الوقت نفسه، يفرض على هذه الأطراف المختلفة أن تتفق في فهمها للمصطلحات المختلفة، عندما نقول "وقف إطلاق النار" أو "الهدنة" أو "مناطق التصعيد"، وإلا فإن هذه الأفكار أو المفاهيم ستصبح مصطلحات "نظرية"، لا معنى لها على الأرض، وستبقى الأطراف المختلفة تتقاتل على سوء نوايا الأطراف في سياساتها تجاه سورية. ولذلك، ليس صعبا أن تتهم المعارضة السورية اتفاق "خفض مناطق التصعيد" بأنه خطة لتقسيم سورية. ذلك أن روسيا ترغب في استخدام "مناطق التصعيد" هذه وسيلة لتجميد الصراع في سورية، ثم زيادة فرص حكومة الأسد في قضم الأراضي التي تسيطر عليها المعارضة. وعندما تتخلص الولايات المتحدة من "داعش" في الرقة ودير الزور، لن يكون أمام سورية أي خيار آخر، بدلا من تسليم هذه الأراضي إلى الحكومة السورية لحكمها، لأن الولايات المتحدة لن تكون قادرةً على إرسال قواتٍ إلى هناك، للسيطرة الكاملة على هذه المناطق. فعلى الرغم من الخطابة التي استخدمتها إدارة ترامب، في كل مرة، للتمييز عن إدارة أوباما في كل مرة، وعلى كل المستويات، إلا أنها تبدو أنها تتبع خطى أوباما التي سارت من قبل في سورية، التركيز على تنظيم الدولة الإسلامية كما قلنا، والاعتماد على المليشيات المحلية، للتخلص من المجموعات الإرهابية، والاتفاق مع روسيا لتخفيض التصعيد، أو تجميد الصراع، لأنه ليس لديك مصالح لاستثمار مزيد من الموارد في حلها، والبقاء النهائي بعيدا بقدر ما تستطيع من "المستنقع السوري".


هذا هو مستقبل الصراع الدولي على سورية، وهو تجميد الصراع على حاله، ومنع أقلمته، لكن من دون حله، لأن كل هذه الأطراف الدولية، وخصوصا الولايات المتحدة، ليست مستعدة لاستثمار أية موارد إضافية لحل المسألة السورية بشكل نهائي، وبما يستجيب لحق الشعب السوري في اختيار نظام حكمه وانتخاب رئيسه، بل وأبسط من ذلك، ستبقى قضية اللاجئين السوريين مثارةً باستمرار، مع تصاعد أعمال العنف الإرهابية في منطقة الشرق الأوسط وأوروبا، وهي ما يزيد معاناة السوريين التي لا يبدو أن أحدا ما في هذا العالم القاسي يكترث لها، أو يعير لها بالاً. سورية اليوم مثال نموذجي لفشل المجتمع الدولي في حل قضيةٍ كان التدخل المبكر قادرا على إيجاد حلٍ لها، لكن رؤية المصالح الضيقة، والخوف من الفشل، بعد ما جرى في العراق انتهى بنا بالوضع في سورية إلى ما هي عليه اليوم، ثلاث أزمات تتكاثر: انتقال سياسي يستعصي على الحل، ويزيد الألم والمعاناة مع تمسك الأسد بموقعه، ورغبته المشؤومة في تدمير سورية حلا لها، ولاجئون لا يجدون سوى البحر ملاذا آمنا، ومنظمات إرهابية تزداد عنفا وسوداوية، وجدت في سورية موئلاً مناسبا لها لتحكم وتنفذ ما لم تكن تحلم بتحقيقه أبداً، والنتيجة سورية التي نعرفها لم ولن تعود كما كانت من قبل.

 

العربي الجديد

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع