..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

رسائل في الدعوة (1)

محمود الزويد

٢ ٢٠١٧ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 3582

رسائل في الدعوة (1)
1.jpg

شـــــارك المادة

رسالة رقم (١)

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله محمد بن عبدالله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وسلم تسليماً كثيراً، وبعد:
فهذه قواعد نسجتها من كلام السلف أذكرها في التعامل مع الناس عموماً والمخالف خصوصاً.

1_*ذكر  ما للمخالف من محاسن وحسنات؛ وما عليه من مساوئ وسيئات بتجرد وإنصاف تام*

وهذا ميزان دقيق ينبغي أن يتكلم به من كملت أهليته،  وقويت أدلته، ونوى القربة في النصح لا الفرية والتعيير، سيّما أهل الشأن وذوو المقام من ولاة الأمر علماء أو أمراء.

ومما يذكر من إنصاف شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله  في ابن حزم بعد أن بين مخالفاته، قال في (الفتاوى ٤/٢٠): "وَإِنْ كَانَ لَهُ مِنْ الْإِيمَانِ وَالدِّينِ وَالْعُلُومِ الْوَاسِعَةِ الْكَثِيرَةِ مَا لَا يَدْفَعُهُ إلَّا مُكَابِرٌ؛ وَيُوجَدُ فِي كُتُبِهِ مِنْ كَثْرَةِ الِاطِّلَاعِ عَلَى الْأَقْوَالِ، وَالْمَعْرِفَةِ بِالْأَحْوَالِ، وَالتَّعْظِيمِ لِدَعَائِمِ الْإِسْلَامِ، وَلِجَانِبِ الرِّسَالَةِ : مَا لَا يَجْتَمِعُ مِثْلُهُ لِغَيْرِهِ . فَالْمَسْأَلَةُ الَّتِي يَكُونُ فِيهَا حَدِيثٌ، يَكُونُ جَانِبُهُ فِيهَا ظَاهِرَ التَّرْجِيحِ . وَلَهُ مِنْ التَّمْيِيزِ بَيْنَ الصَّحِيحِ وَالضَّعِيفِ وَالْمَعْرِفَةِ بِأَقْوَالِ السَّلَفِ مَا لَا يَكَادُ يَقَعُ مِثْلُهُ لِغَيْرِهِ مِنْ الْفُقَهَاءِ"

قال الإمام الكرجي القصاب : "من لم ينصف خصومه في الاحتجاج لم يقبل بيانه وأظلم برهانه"

2_ *النية الصادقة في النصح ، من أسباب التوفيق، وتحقيق المطلوب وإحقاق الحق*.

وهذه آفة من يتكلم، أنه يريد بذلك سمعة أو عداء من يخالفه  ومضارة به، وحاله كحال من يخلط السمّ بالعسل، وشأنه كشأن من حدّث من الزنادقة بأحاديث يوهم بها العامة هو  يحل بها حلالاً أو يحرم بها حراماً غايته بذلك زرع الفتنة وبث الكذب فيهم، وهم يرونه رجلا حريصاً على نشر السنة وتعليم الخير، وكذلك من تكلم يظهر للناس رأفته عليهم وحبه لهم، وهو ناوٍ الطعن والفرية والتعيير، أو الغيبة بطريقة النصح.

قال السراج البلقينـي في محاسن الاصطلاح ص176: "لكن الانتهاض لمجرد الاعتراض من جملة الأمراض".

فمن كان غايته أن يلفت وجوه الناس له، ويشار له بالبنان لتتبعه سقطة غير ضارة أو قادحة، فهذا مريض القلب ضعيف البصر والبصيرة بحال البشر، وبعقيدة أهل السنة والجماعة.

ويعظم الأمر إن كان التشنيع لغرض دينوي أو أمر مادي أو منصب وجاهي!

ففي الحلية عن الحسن ابن يسار البصري رحمه الله قال "من النذالة أن يأكلَ العبدُ بدينه"!

نسأل الله العفو والعافية.

3_ *التكلم في الرجال له غاية بيان الحق، وإنصاف الخلق، لا التشهي وشرعنة الهوى*.

قال العلامة عبد الكريم الخضير "في التعليق على الجواب الكافي": " أصل الجرح والتعديل : إنما أبيح للضرورة ؛ لأنه على خلاف الأصل والكلام في الناس لاسيما أهل العلم أمره خطير جداً ؛ أعراض المسلمين حفرة من حفر النار ؛ أعراض المسلمين حفرة من حفر النار , خطر يعني : يحذر الإنسان كل الحذر أن يتكلم في الناس لا جرح ولا تعديل ؛ إنما أبيح الجرح والتعديل للرواة للضرورة للضرورة ؛ ضرورة حفظ السنة ؛ لا يمكن أن نعرف الصحيح من الضعيف ، المقبول من المردود , إلا من خلال الجرح والتعديل ؛ وأيضًا الجرح والتعديل بقدر الحاجة : يعني إذا كانت الحاجة تقوم بالأقل ما نظرنا إلى الأعظم ،  على كل حالٍ : مسألة الجرح والتعديل والكلام في الرجال إنما يباح للضرورة ".

وقال أبو الشاطبي رحمه الله في الموافقات، "إنَّ الطعن والتقبيح في مساق الرد أو الترجيح ربما أدى إلى التغالي والانحراف في المذاهب، زائداً إلى ما تقدم، فيكون ذلك سبب إثارة الأحقاد الناشئة عن التقبيح الصادر بين المختلفين في معارض الترجيح والمحاجّة" (٥١٩/٤).

4_ *لا يحكم على الناس إلا  بعد التأكد والتثبت عملاً بنصَّ القرآن والسنّة واتباعاً لمنهج سلف الأمة*.

وكم من قريب محَببٍ أبعد، وطاهر عفيف رُمِي بهتانا وزوراً، كله بسبب جريمة عدم الإنصاف وقول الحق، ولله در السلف في هذا الشأن تكلموا بالرجال بميزان دقيق تجردوا به عن اهوائهم وحكّموا فيه ميزان الشرع جرحاً وتعديلاً، بذكر ما للرجال وما عليهم، ولو كان من ذوي القربى والرحم، وقصة ابن المديني عامرة بهذا لمن سأله عن والده، فقال لهم إنه الدَّين هو ضعيف.
 وعلى هذا كل من قبل بالتهمة أو شارك بنقلها وتصويرها للغير  دون تثبت فهو مشارك بها، ويختلف الحال باختلاف النقل والمقال، وعند الله يجتمع الخلق، فيقف ذاك الطعن ومثله الناعق والناقل إن شاء الله في صف أهل الإفلاس الذين حكى عنهم النبي صلى الله عليه وسلم، وقارب تشبيهم ما حكاه القرآن عمن أفلس فكان عمله هباءً منثوراً.

ومن جميل ما قاله ابن حزم الظاهري رحمه الله، في الإحكام في أصول الأحكام "وسيرد الجميع إلى عالم الغيب فيحكم بيننا فيما فيه نختلف وتالله لتطولن ندامة من لم يجعل حظه من الدين والعلم إلا نصر قول فلان بعينه،ولا يبالي ما أفسد من الحقائق في تلك السبيل العضلة وبالله تعالى نعوذ من الخذلان".

ومن الإنصاف في التثبت قبول الأقوال في الخصم  دون أن يرد قول المصيب والناصح له، ويساند قول الطاعن والمعيب عليه، فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال:"من جاءك بالحق فاقبل منه وإن كان بعيدا بغيضا ومن جاءك بالباطل فاردد عليه وإن كان حبيبا قريباً" (حلية الأولياء ١/١٣٤).

5_*ألا يقصد بذلك الشهرة فهي مذمة و قد كانت عند السلف اقذر من الجيفة النّتنة*
بل تكاد أن تقول اجمعوا على ذلك، وسيرهم في ذلك عجيبة وأحوالهم فيها غريبة، وكانوا يكتبون وتارة يعزون، وآخرى يؤلفون في بيان ذمها، فلله درهم وعلى الله أجرهم هم ومن تبعهم.

قال الشاطبي: "وممَّا انتهت الغفلة أو التغافل  بقوم ممن يشار إليه من أهل العلم أن صيروا الترجيح بالتنقيص تصريحاً أو تعريضاً دأَبهم، وعمروا بذلك دواوينهم، وسودوا به قراطيسهم...الخ" (٥٢٣/٤).

وفي الحلية مما يثبت شيء من هذا فعن عن عمر بن عبد العزيز رحمه الله قال: "إني لأدعُ كثيرًا من الكلامِ مخافةَ المباهاة!".

وقال ابن المبارك رحمه الله: "كتب إليّ سفيان الثوري: بُثَّ، واحذر الشهرة!".

وفي جامع بيان العلم عن أبي حازم رحمه قال، "صار النّاس في  زماننا يعيب الرجل من هو فوقه في العلم؟  ليرى الناس أنه ليس به حاجة إليهم!! ولا يذكر من هو مثله، ويزهو على من هو دونه، فذهب العلم وهلك الناس) وأنظر صحيح جامع بيان العلم ص (٥٣٢)، وهذا شأن أهل التعالم وإن كان فاعل ذلك شيخ زمانه...

6_ *ألا يتكلم الصغار في الكبار، ولا المتعالم في الطالب والعالم؛ ولا الطالب بالمتخصص، إلا بالحجة والبرهان*.

قال الإمام الذهبي رحمه الله كلاماً نفيساً في بيان هذا: "الجاهل لا يعلم رتبة نفسه فكيف يعرف رتبة غيره"، وقد قال أكثم الصيفي رحمه الله: "ويل لعالم أمر من جاهله، من جهل شيئاً عاداه، ومن أحب شيئاً استبعده" أخرجه ابن عبد البر في جامعه، وذكر ابن قيم في الإعلام عبارة: "من جهل الشيء عاداه، وعاد أهله" أو كما قال.

وينبغي أن يمسك المخالف لسانه في التكلم في العلماء وأهل الفضل: قال عمر رضي الله عنه: "إياكم والفتن فإن وقع اللسان فيها مثل وقع السيف".
والعلماء هم أولياء الله ذكره النووي وابن جماعة والخطيب في الفقيه والمتفقه عن الإمامين أبي حنيفة والشافعي رحمهما الله، ومن أطلق لسانه فيهم بلي بموت القلب، وخشي عليه سوء المنقلب، وأيم الله حكاية هؤلاء معلومة لا في زمانهم فحسب؛ بل في زماننا!! ولا يستغرب ذلك، فمن عاد أولياء الله فقد أذن بحرب الله، وكفاك بهذا الخطب في تعظيم حرمة أهل العلم.

7- *دعوة المخالف والبيان من صحة ما قيل عنه ونُسب إليه، وتذكيره بالله إن ثبت ما قيل عنه* واستبيان السبب الذي جعله يقع فيما وقع فيه، فلعله تأول نصاً، أو اجتهد في غيرِ موضعٍ.

والأمر بالتثبت واجب عيني؛ثبت بالدليل القطعي والظنّي، وعليه الإتفاق، وشأن من شاع الأخبار دون تثبت أو تبين شأن أهل النفاق، وإن لم يكن منهم فقد شابههم!!، ومن تشبه بقوم فهو منهم.

هذا إن كان الخبر في شأنٍ عام، فكيف بالله إن كان طعناً بعالم جليل أو طالب علم نبيل، أو عابد صالح متبع للهدي غير افراط ولا تفريط.
واسمع  لما قاله السبكي رحمه الله،  في قاعدة الجرح والتعديل ص (93) : "فإذا كان الرجل ثقةً ومشهوداً له بالإيمان والاستقامة، لا ينبغي أن يُحْمل كلامه وألفاظ كتاباته على غير ما تعوّد منه ومن أمثاله، بل ينبغي التأويل الصالح، وحسن الظن الواجب به وبأمثاله": قلت_العبد الفقير_ وما أن يتكلم رجل ناصحاً أو مبيناً لحكما أو متكلما بشخص أو معيبا لفعلٍ بالدليل واتباع للشرع لا للهوى مع مرعاة الحال؛ حتى ترى التهم المعلبة تساق له، والكلمات الجارحة تُوجَّه إليه ، بطعن بعلم الشيخ وعدالته والتحذير منه، بل وقد يصل الحد إلى موالاة أعدائه كما حصل في زماننا هذا! ظناً من بعض من ضحك عليه، وغره ستر الله له أنّها قربة لله(1)، وما هو إلا: سوء فهم، وتلبيس من عدوّ الله.
8_ *ألا  يتتبع الهفوات والسقطات، فليس أحد بعد الصادق معصوم*

وهذا مجمع عليه في عقيدة أهل السنة والجماعة، وشأن من فعل ذلك هو واحد من اثنين، إما مريض قلب فيه نفاق و حقد وغلّ، أو جاهل ظلوم! لم ينصف ولم يعرف ماذا يفعل.

وفي صفوة الصفوة عن قال بكر المزني رحمه الله قال "إذا رأيتم الرجل موكلاً بعيوب الناس، ناسياً لعيبه، فاعلموا أنه قد مكر به".

وقال ابن رجب في جامع العلوم والحكم: "روي عن بعض السلف أنه قال: أدركت قوماً لم يكن لهم عيوب، فذكروا عيوب الناس، فذكر الناس لهم عيوباً، وأدركت أقواماً كانت لهم عيوب، فكفوا عن عيوب الناس، فنسيت عيوبهم".

وينبغي عليه أن ينظر في الخلاف المعتبر وغير المعتبر وينظر في أسبابه، فصلاً عن نتائجه وعواقبه، كما حكاه الشاطبي رحمه الله في الموافقات (٤/٤٣٤).

9_ *ألا ينسب الخير لنفسه وينفيه عن غيره*.

وأنظر إلى أسلوب القرآن في تصوير مثل هذا المشهد. قال تعالى: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ}. قال القرطبي رحمه الله: "هذا على وجه الإنصاف في الحجة  كما يقول القائل أحدنا كاذب ، وهو يعلم أنه صادق وأن صاحبه كاذب، والمعنى: ما نحن وأنتم على أمر واحد ، بل على أمرين متضادين".

ومن صوّر نفسه بمثل الذي حذرنا فقد زكاها، والله يزكي من يشاء، ولا ينبغي لعبد أن يزكي نفسه ولا يمدحه على وجه التعالي والتكبر؛ ونصوص الكتاب والسنّة، مشهورة ومعلومة.

فهذه رسالة من هذا المبحث كفاية إن شاء الله  والله أسأل لي وللمسلمين الهداية إنه أعظم مأمول، وخير مسؤول،  والحمد لله رب العالمين.

وكتبه، خادم العلم وأهله أبي إسحاق محمود بن أحمد الزويد عفا الله عنه

----------------------------------
(1) أمثال من يعينون الطواغيت والظلمة على المسلمين، كبعض المنتسبين للعلم مع سيسي مصر.

 

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع