فايز الصلاح
تصدير المادة
المشاهدات : 3647
شـــــارك المادة
الالتزام بالجماعة: ومن السُبُلُ النَّافِعَةُ في اجتماعِ الأُمَّةِ وائتِلافِها:الالتزامُ بالجماعة ،وذلك بالاجتماع على الحقِّ الثابت في الكتاب والسنة وعلى فهم سلف الأمة،والالتفافِ حول الحاكم الشرعي المسلم الذي يجتمعُ حوله المسلمون. ولقد جاءت النصوصُ الآمرة بذلك،قال تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا } [آل عمران: 103]، وقال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"نَضَّرَ اللَّهُ عَبْدًا، سَمِعَ مَقَالَتِي هَذِهِ فَحَمَلَهَا، فَرُبَّ حَامِلِ الْفِقْهِ فِيهِ غَيْرُ فَقِيهٍ، وَرُبَّ حَامِلِ الْفِقْهِ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ، ثَلاَثٌ لاَ يَغِلُّ عَلَيْهِنَّ صَدْرُ مُسْلِمٍ: إِخْلاَصُ الْعَمَلِ ِللهِ، عَزَّ وَجَلَّ، وَمُنَاصَحَةُ أُولِي الأَمْرِ، وَلُزُومُ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّ دَعْوَتَهُمْ تُحِيطُ مِنْ وَرَائِهِمْ"، رواه أحمد وابن ماجة وهو حسن. وقوله: " ثَلاَثٌ لاَ يَغِلُّ " بتشديد اللام، قال ابنُ الأثير في "النهاية": من الغِلِّ: وهو الحقد والشحناء، أي: لا يدخله حِقدٌ يُزيله عن الحق، وروي: "يَغِلُ " بالتخفيف، من الوُغُول: الدخول في الشر، ويُروى بضم الياء من الإغلال: وهو الخيانة، والمعنى:أن هذه الخلال الثلاث تُستَصلَح بها القلوبُ، فمن تمسَّك بها، طَهُرَ قلبُه من الخيانة والدََّخَل والشر. ومعنى قوله:" فَإِنَّ دَعْوَتَهُمْ تُحِيطُ مِنْ وَرَائِهِمْ":أن دعوة المسلمين محيطةٌ بهم، فتحرسهم عن كيد الشياطين، وعن الضلالة، وفيه تنبيه على أنَّ من خرج من جماعتهم لم يَنَل بركتهم، وبركة دعائهم؛ لأنه خارجٌ عما أحاطت بهم من ورائهم. وروى الترمذي وصححه عن عبد الله بن عمر عن أبيه - رضي الله عنهما – عن النبي - صلى الله عليه وسلم- أنه قال :" عليكم بالجماعةِ ، وإِيَّاكُم والفُرْقَةَ ، فَإِنَّ الشيطانَ مع الواحد ، وهو من الاثنين أبعدُ ، مَنْ أَراد بُحْبُوحَةَ الجنة فليلزم الجماعةَ ". وبحبوحة الجنة : وسطها ، وبحبوحة كل شيء وسطه وخياره. وقال أبو الدرداء رضي الله عنه:سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:" مَا مِنْ ثَلَاثَةٍ فِي قَرْيَةٍ لَا يُؤَذَّنُ وَلَا تُقَامُ فِيهِمُ الصَّلَاةُ إِلَّا اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ، فَعَلَيْكَ بِالْجَمَاعَةِ، فَإِنَّ الذِّئْبَ يَأْكُلُ الْقَاصِيَةَ"، أخرجه أحمد، وأبو داود وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم. وقد بيَّنَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم أنَّ الجماعةَ رحمةٌ، والفرقةَ عذابٌ ،كما في الحديث الصحيح عند أحمد :" مَنْ لَمْ يَشْكُرِ الْقَلِيلَ، لَمْ يَشْكُرِ الْكَثِيرَ، وَمَنْ لَمْ يَشْكُرِ النَّاسَ، لَمْ يَشْكُرِ اللهَ،التَّحَدُّثُ بِنِعْمَةِ اللهِ شُكْرٌ، وَتَرْكُهَا كُفْرٌ، وَالْجَمَاعَةُ رَحْمَةٌ، وَالْفُرْقَةُ عَذَابٌ ". وفي صحيح مسلم وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- :" مَنْ خَرَجَ مِنَ الطَّاعَةِ، وَفَارَقَ الْجَمَاعَةَ، فَمَاتَ، فَمِيتَةٌ جَاهِلِيَّةٌ، وَمَنْ قَاتَلَ تَحْتَ رَايَةٍ عِمِّيَّةٍ، يَغْضَبُ لِعَصَبَتِهِ، وَيُقَاتِلُ لِعَصَبَتِهِ وَيَنْصُرُ عَصَبَتَهُ فَقُتِلَ، فَقِتْلَةٌ جَاهِلِيَّةٌ، وَمَنْ خَرَجَ عَلَى أُمَّتِي، يَضْرِبُ بَرَّهَا وَفَاجِرَهَا، لَا يَنْحَاشُ لِمُؤْمِنِهَا، وَلَا يَفِي لِذِي عَهْدِهَا، فَلَيْسَ مِنِّي، وَلَسْتُ مِنْهُ ". وعند أحمد وأبي داود عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ خَالَفَ الْجَمَاعَةَ شِبْرًا، خَلَعَ رِبْقَةَ الْإِسْلَامِ مِنْ عُنُقِهِ ". الرِّبْقَةُ فِي الْأَصْلِ: عُرْوَةٌ فِي حَبْلٍ تُجْعَلُ فِي عُنُقِ الْبَهِيمَةِ أَوْ يَدِهَا تُمْسِكُهَا فَاسْتَعَارَهَا لِلْإِسْلَامِ يَعْنِي مَا يَشُدُّ الْمُسْلِمُ بِهِ نَفْسَهُ مِنْ عُرَى الْإِسْلَامِ أَيْ حُدُودُهُ وَأَحْكَامُهُ وَأَوَامِرُهُ وَنَوَاهِيهِ. وعَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"افْتَرَقَتِ الْيَهُودُ عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، فَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ، وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ، وَافْتَرَقَتِ النَّصَارَى عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، فَإِحْدَى وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ، وَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَتَفْتَرِقَنَّ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، وَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ، وَثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ"، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ هُمْ؟ قَالَ:"الْجَمَاعَةُ" رواه ابن ماجة وصححه الألباني. وعَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلاَنِيِّ , قَالَ: سَمِعْتُ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ يَقُولُ:كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْخَيْرِ، وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ، مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي , فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ , إِنَّا كُنَّا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ , فَجَاءَنَا اللَّهُ بِهَذَا الْخَيْرِ، فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ شَرٌّ؟ قَالَ:"نَعَمْ" , فَقُلْتُ: هَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ؟ , قَالَ:"نَعَمْ، وَفِيهِ دَخَنٌ". قُلْتُ: وَمَا دَخَنُهُ؟ قَالَ:"قَوْمٌ يَسْتَنُّونَ بِغَيْرِ سُنَّتِي , وَيَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْيِي، تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ". فَقُلْتُ: هَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ:"نَعَمْ، دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ، مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا". فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ , صِفْهُمْ لَنَا. قَالَ:"نَعَمْ، قَوْمٌ مِنْ جِلْدَتِنَا، وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا". قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ , فَمَا تَرَى إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ؟ قَالَ:"تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ". فَقُلْتُ: فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلاَ إِمَامٌ؟ قَالَ:"فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا، وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ عَلَى أَصْلِ شَجَرَةٍ، حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ، وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ"،أخرجه البُخَارِي ومسلم. وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" مَنْ رَأَى مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا يَكْرَهُهُ فَلْيَصْبِرْ، فَإِنَّهُ مَنْ خَالَفَ الْجَمَاعَةَ شِبْرًا فَمَاتَ، فَمِيتَتُهُ جَاهِلِيَّةٌ "،رواه البخاري ومسلم. فكلُّ هذه النصوص ترغِّبُ بالجماعةِ وتُرَهِّبُ من مفارقتها، وقد تحدث الشاطبي- رحمه الله- في كتابه التأصيلي الماتع"الاعتصام" عن معنى الجماعة عند العلماء فأوصلها إلى خمسة أقوال، وهي-بالاختصار- كما يلي: 1- أنها السواد الأعظم. 2- أنها جماعة العلماء المجتهدين. 3- أن الجماعة هم الصحابة على الخصوص. 4- أن الجماعة هي جماعة أهل الإسلام إذا اجتمعوا على أمر. 5- أن الجماعة جماعة المسلمين إذا اجتمعوا على أمير. ولو أنك تأملت هذه الخمس لوجدتها ترجع إلى معنيين اثنين: معنوي وحسي. فالأول المعنوي: هو الاجتماع على الحق الثابت في الكتاب والسنة وعلى فهم سلف الأمة من الصحابة ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ،قال أبو شامة في "الباعث على إنكار البدع والحوادث" (ص: 22):"وَحَيْثُ جَاءَ الْأَمر بِلُزُوم الْجَمَاعَة فَالْمُرَاد بِهِ لُزُوم الْحق واتباعه وإنْ كَانَ المتمسكُ بِالْحَقِّ قَلِيلاً والمخالفُ كثيراً، لِأَنَّ الْحقَّ الَّذِي كَانَت عَلَيْهِ الْجَمَاعَة الأولى من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه رضي الله عَنْهُم، وَلَا نظر إلى كَثْرَة أهل الْبَاطِل بعدهمْ". وهذا ما عبَّرَ عنه ابنُ مسعود رضي الله عنه عندما قال:"الجماعةُ ماوافقَ الحقَّ وإن كنتَ وحدك". ومن هنا لو كان هناك عالمٌ واحدٌ من أهل الحديث والأثر على وجه الأرض ، لكان الواجب على أهل الأرض أن يتبعوه ، لأنه هو الجماعة الحق التي أوصى الرسول صلى الله عليه وسلم بالتزامها . قال إسحاق بن راهويه- رحمه الله- :"إن الله لم يكن ليجمع أمة محمد على ضلالة فإذا رأيتم الاختلاف فعليكم بالسواد الأعظم , فقال رجل: يا أبا يعقوب من السواد الأعظم؟ فقال : محمدُ بن أَسلم وأصحابه ومن تبعه, ثم قال: سأل رجلٌ ابنَ المبارك , فقال : يا أبا عبدالرحمن من السواد الأعظم ؟ قال : أبو حمزة السكري , ثم قال إسحاق: في ذلك الزمان يعني أبا حمزة , وفي زماننا محمد بن أسلم ومن تبعه , ثم قال إسحاق : لو سألت الجهال من السواد الأعظم ؟ قالوا : جماعة الناس , ولا يعلمون أن الجماعة عالم متمسك بأثر النبي صلى الله عليه وسلم وطريقه , فمن كان معه وتبعه فهو الجماعة , ومن خالفه فيه ترك الجماعة , ثم قال إسحاق : لم أسمع عالما منذ خمسين سنة أعلم من محمد بن أسلم". أخرجه أبو نعيم في " الحلية " 9/238. قال الشاطبي في" الاعتصام" 2/778معلقا:" فانظر في حكايته تتبين غلط من ظن أن الجماعة هي جماعة الناس وإن لم يكن فيهم عالم , وهو وهم العوام لا فهم العلماء فليثبت الموفق في هذه المزلة قدمه لئلا يضل عن سواء السبيل ولا توفيق إلا بالله ". وعلقَّ ابنُ القيم رحمه الله على كلام اسحاق بن راهويه في"إغاثة اللهفان" 1/70 قائلاً : "وصدق والله فإن العصر إذا كان فيه عارف بالسنة داع إليها ، فهو الحجة وهو الإجماع ، وهو السواد الأعظم ، وهو سبيل المؤمنين التي من فارقها واتبع سواها ، ولاّه الله ما تولّى ، وأصلاه جهنم وساءت مصيراً". وقال في"إعلام الموقعين"3/397 : " إنَّ الإجماعَ والحجة والسواد الأعظم هوالعالمُ صاحبُ الحقَّ وإن كـان وحـده ، وإن خالفـه أهل الأرض ... وقد شذَّ الناسُ كلُّهم زمن أحمد بن حنبل إلا نفراً يسيراً ، فكانوا هم الجماعة ، وكانت القضاةُ حينئذٍ والمُفْتُونَ والخليفةُ وأتباعُه هم الشاذُّون، وكان الإمامُ أحمد وحده هو الجماعة". والمعنى الثاني للجماعة: هو الاجتماعُ مع المسلمين على الإمام الحقِّ بحيث لا يخرج عليه مادام على الإسلام،وهذا المعنى هو الذي دلَّ عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث حذيفة:" تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ". وهذه الجماعة العامة فيها السنيُّ والبدعيُّ،والطائعُ والعاصي، فيجبُ على كلِّ مسلمٍ الالتزام بالحق فيترك البدعة للسنة،والمعصية للطاعة،فإذا اجتمع المسلمون على السنة والطاعة اجتمع معهم، وإن اجتمعوا على البدعة أو المعصية لم يطعهم ونصحهم، ولا يُحْدِثُ فُرْقةً ولا فتنةً، محققاً لقول الله تعالى:{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ } [المائدة: 2]،ولقول النبي صلى الله عليه وسلم :"على المرء المسلم السَّمعُ والطاعَةُ فيما أحَبَّ أو كَرِهَ، إِلا أَنْ يُؤمَرَ بِمَعْصِيَةٍ، فَإِن أُمِرَ بِمعصيةٍ، فلا سَمْعَ، ولا طَاعَةَ". هذا والله أعلم وأحكم،وله الحمد في الأولى والآخرة،والصلاة والسلام على المبعوث رحمةً للعالمين.
رابطة خطباء الشام
بسام ناصر
محمد صالح العثيمين
المصادر:
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة