..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

النفاق الدولي: ازدواجية حقوق الإنسان مع المسلمين

أنور مالك

١٢ ٢٠١٦ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 3745

النفاق الدولي: ازدواجية حقوق الإنسان مع المسلمين
مالك00.jpg

شـــــارك المادة

ثبت بأدلة دامغة أن المجتمع الدولي يكيل بمكيالين في التعامل مع قضايا المسلمين وبالضبط أهل السنّة، ويهضم كل حقوقهم التي شرّعتها القوانين الدولية ومواثيق حقوق الإنسان، وهذا الأمر يجري حالياً بطرق مفضوحة خصوصاً في سوريا والعراق وفلسطين. جرّم القانون الدولي قتل المدنيين أثناء الحروب وغيرها، كما جرّم التهجير والتعذيب والتنكيل بالإنسان والحطّ من كرامته الآدمية، ولا يستثني هذا عن ذاك سواء بسبب دينه أو عرقه أو لونه أو جنسيته أو جنسه.

ولكن يجري عكس ذلك تماماً في سوريا، حيث قتل أكثر من 190 ألف مواطن أغلبيتهم من المدنيين، هذا أقل تقدير، والذي صدر عن مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وتوجد أرقام أخرى تتحدّث عن أعداد فاقت الربع مليون سوري قتلوا خلال هذه الحرب النجسة.

وجرى تهجير المدنيين في داخل سوريا وخارجها وبلغ عددهم حوالي نصف الشعب السوري حسب ما أوردته الأمم المتحدة نهاية أغسطس/ آب الماضي. رغم كل ذلك، المجتمع الدولي بقي يتفرج متظاهراً بالعجز أحياناً كأنه يتلذّذ بهذه المأساة الإنسانية التي أجمع العالم على أنها مأساة القرن.

لقد حدثت جرائم ضد الإنسانية في سوريا وتمّ توثيق ذلك من قبل المراقبين الدوليين الذين أرسلتهم الجامعة العربية ثم الأمم المتحدة من خلال أفعال القتل العمديّ والإبادة والاغتصاب، والإبعاد أو النقل القسري للسكان والتفرقة العنصرية، وهي جرائم يعاقب عليها القانون سواء حدثت في وقت السلم أو الحرب.

كما حدثت جرائم حرب بشتّى أنواعها منها تعذيب الأسرى وإساءة معاملتهم وإعدامهم، وجرائم مختلفة موجهة ضد المدنيين السوريين في كثير من المدن كاغتصاب النساء والتعدّي على الممتلكات الشخصية، والتشغيل والتهجير والتعذيب والقتل الجماعي. كل هذه الجرائم المصنفة في القانون الدولي كجرائم حرب حدثت في سوريا وثبت بالتوثيق المستقل اقترافها من قبل نظام بشار الأسد.

لم يقتصر الأمر على جرائم ضد الإنسانية والحرب، بل ثبت على نظام الأسد ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية من خلال القتل الجماعي المنظّم ضد جماعة محدّدة تتمثل في أهل السنّة بصفتهم الأغلبية الساحقة من السكان.

والإتفاقية التي وافقت عليها الأمم المتحدة عام 1948 ووضعت موضع التنفيذ عام 1951 وصادقت عليها أكثر من 130 دولة بينها سوريا، صنّفت كإبادة جماعية بموجب المادة الثانية عدة أفعال ترتكب على قصد التدمير الكلّي أو الجزئي لجماعة قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية، وتتمثل في قتل أعضاء من الجماعة، إلحاق أذى جسدي أو روحي خطير بأعضائها، أو إخضاعها عمداً لظروف معيشية يراد تدميرها المادي كلياً أو جزئياً، وفرض تدابير تستهدف الحؤول دون إنجاب الأطفال داخل هذه الجماعة ونقل أطفال منها عنوة إلى جماعة أخرى.

لقد حدث هذا في سوريا وتكرّر كثيراً، وتجلّى أكثر من خلال مجزرة الكيمياوي في الغوطة الذي استهدف جماعة سنّية بقصد إبادتها، وأدّت إلى مقتل الكثيرين من بينهم الأطفال. كما ثبت ذلك في الحصار الذي يضربه جيش الأسد على قرى وأحياء وصل الحال ببعضها إلى أكل الحشيش والقطط وشرب مياه المجاري، ومات الكثيرون من الأطفال والنساء والرجال بسبب الجوع وانعدام التغذية والأدوية.

رغم أن القانون صنّف ما حدث في سوريا كجرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب وجرائم إبادة جماعية، إلا أن المجتمع الدولي لم يتحرّك بل ساعدت بعض الدول عبر الأمم المتحدة نظام الأسد الذي يقترف هذه الجرائم وقدمت له الحماية الدولية ومنعت ملاحقته بموجب مواثيق الأمم المتحدة.

والأكثر من ذلك أنه يجري استغلال الظروف من طرف أباطرة ومافيا صناعة السلاح من أجل المنفعة الاقتصادية عبر التجارة بأسلحة فتاكة تقدم للنظام كي يواصل حروب الإبادة ضد الشعب السوري، ويجري ذلك تحت رعاية القوى العظمى في العالم.

لقد دمّرت المساجد والكنائس والمدارس والمستشفيات وروضات الأطفال ودور العجزة وملاجئ الأيتام ومخيمات اللجوء والمدن والقرى على رؤوس المدنيين، ولم يتحرّك المجتمع الدولي وظل يكتفي بالتنديد عبر تصريحات تأتي في إطار الاستهلاك الإعلامي، أو لتفادي حرج بعض حكام الشرق والغرب أمام شعوبهم المصدومة من هذه المحرقة التي لم يسبق لها مثيل.

هذه الانتقائية التي تتنافى مع قيم القانون الدولي، لم تقتصر على سوريا بل نجد ذلك في العراق أيضاً، فمنذ غزو أمريكا له عام 2003 والمواطنون العراقيون وبالتحديد أهل السنّة يتعرّضون لشتى أنواع الجرائم، بينها التي مارسها الأمريكان مباشرة من خلال مجازر جماعية واستعمال الفوسفور الأبيض والأسلحة المحرّمة دولياً، أو من خلال التعذيب في السجون وخير شاهد ما رآه العالم من صور فاضحة لسجن أبو غريب.

كما واصلت الحكومة الطائفية المدعومة من أمريكا جرائمها ضد السنّة العراقيين، حيث مارست عليهم شتّى الجرائم ضد الإنسانية من اغتيالات وتفجيرات ضد المدنيين والقتل على الهوية من قبل مليشيات طائفية، والتهجير والاختطاف واغتصاب النساء في المعتقلات.

رغم كل ذلك لم يهتم المجتمع الدولي بدوره ولا تحمّلت أمريكا مسؤوليتها الأخلاقية بصفتها المتسبّب في كل ما يحدث، وذلك لإنقاذ هؤلاء من الانتهاكات الجسيمة التي تمارس من طرف الحكومات الطائفية المتعاقبة على قيادة العراق.

صمت المجتمع الدولي على مدار 11 عاماً والمسلمون السنّة يتعرّضون للإبادة الطائفية الكاملة الأركان، ولكنه بمجرد أن تناولت وسائل الإعلام بطريقة مشبوهة ما يحدث مع الإيزيديين والمسيحيين في العراق، تحرّك هذا العالم بازدواجية مقيتة تسيء كثيراً للقانون والشرعية الدولية والمواثيق الأممية التي صادقت عليها أغلب دول العالم.

نقول ذلك ونحن دافعنا عن حقوق من ذكرنا وطالبنا بحمايتهم وتمكينهم من كل حقوقهم في المواطنة والعيش والكرامة الآدمية.

العالم الذي انتفض لأجل الإيزيديين والنصارى في العراق، هو نفسه الذي غضّ الطرف عن جرائم أخطر منها مورست على السنّة في العراق وسوريا. وهو العالم نفسه أيضاً الذي يلتزم الصمت تجاه المجازر الصهيونية القذرة في غزة، بل ذهب إلى حدّ دعم حكومة الكيان العبري وهي تبيد المدنيين في مجازر لا يوجد قانوني واحد على وجه الأرض لن يصنّفها كجرائم حرب إن لم تبلغ درجة الإبادة الجماعية.

كما أنه العالم نفسه الذي يصمت عن جرائم يتعرّض لها المسلمون في بورما من طرف البوذيين ولأسباب دينية القصد منها إبادة المسلمين فقط. كما أن العالم الذي غضب من سيطرة تنظيم القاعدة على شمالي مالي هو نفسه الذي يسكت عن جرائم إبادة تقترف بحق المسلمين في إفريقيا الوسطى ضمن حملة عرقية ممنهجة.

للأسف الشديد، توجد ازدواجية ونفاق دولي ينتهج في العراق وسوريا وفلسطين وبورما وأفريقيا الوسطى وغيرهم من بلدان العالم، التي يتعرض فيها المسلمون لكل ما جرّمه القانون الدولي وصنّفه ضمن جرائم حرب أو ضد الإنسانية أو إبادة جماعية.

لقد سكت العالم عن جرائم طائفية ترتكبها إيران في سوريا والعراق ويدعّمونها في ذلك، بل تغاضى عن جرائمها في حق أهل السنّة الإيرانيين وأيضاً الشعب الأحوازي المحتل والبلوش وغيرهم، حيث تمارس شتّى الجرائم من تعذيب وقتل وحصار للمدنيين وانتهاكات للأرض والعرض وإعدامات على الهوية، ولكن بمجرد أن ظهر تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” المعروف اختصاراً بـ “داعش”، ومارس وحشية هي أصلاً جاءت كنتيجة حتمية لوحشية أخرى ظلت تقترف بحق أهل السنّة لسنوات طويلة، تحرّك العالم كلّه من أجل القضاء على هذا التنظيم الذي ينتهك حقوق الإنسان ويقترف جرائم الحرب، رغم أن هذا التنظيم صنّف كمنظمة إرهابية، وجرائمه لم تصل بعد إلى جرائم دولة ترتكبها إيران ونظام بشار وملالي العراق… وللحديث بقية.

 

 

الخليج أونلاين

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع