..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

دايتون الشام

يامن الناصر

١٨ ٢٠١٦ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 3091

دايتون الشام
تنادي 0.jpg

شـــــارك المادة

هكذا قال الرئيس المرحوم علي عزت بيجوفيتش:
ليس هذا ما كُنّا نطمح إليه، لكنه أفضل من خيار استمرار الحرب بهذه الصورة، لم تتبنَ قضيتنا أي دولة بجدية، ولم يقف معنا إلا القليل، ووقوفه وقفة الخجول، وحياء الخوف يقطر من جبينه، فوقفات الإغاثة والإعانة في المأكل والمشرب -على أهميتها- لا ننكرها، بل نزيد في شكرها، لكننا خرجنا بثورة كرامة لا ثورة جياع، نحن أردنا الحديد الذي يُلين لنا رؤوس الطغاة، ونلجم به أسطوانة الغلاة، خسارتنا للكثير من المدن والقُرى نتيجة طبيعية لنقص السلاح، وقلة العتاد، وقلة الدعم اللوجستي، والتدريب الذي لم يعد يتناسب من مرحلة الثورة الأولى، خاصة عندما وُضِعنا في مواجهة دول تساند النظام؛ كروسيا، وإيران، وجوقة المليشيات.
فتقديم الكلاشينكوف بزمن الطائرات، ومنع وصول المضادات الجوية؛ جريمة على كل من ادخر جهداً ولم يسعَ لوصولها لنا.
لقد رضينا بعدم تكافؤ السلاح بيننا وبين عدونا، وهذا حالنا منذ فجر التاريخ، نحن لم نملك حتى تلك السيوف المشحوذة التي دافع بها الرعيل الأول، نعم انتظرنا الكثير، وصدّقنا الوعود، وتأملنا بكثير من الدول خيراً.
نحن أردنا أن يقف بصفنا من يقنع بمشروعنا، ويمد لنا يد العون، والتي سنعتبرها ديناً في أعناقنا لردها وقت انتهاء أوار الحرب المشتعلة.
عذراً أحبتي..
بعد خمس سنوات من الحرب فقدنا الكثير من الدماء الطاهرة، ودُمرت الكثير من البُنى التحتية، وضاع جيلٌ في المخيمات، وغادر آخر نحو بلاد الغرب طالباً الحياة الكريمة، كما يراها ذاك المسكين، الذي قطع البحار، وجاب السهول؛ ليصل إلى بلدٍ تُحترم ذاته، وتُقدر شهادته، ويهنأ بلقمة غير مُغمسة بدم أحد.
قد نكون قدمنا نموذجا فاشلا في إدارة المناطق المحررة، ولَم نتمكن من تأمين أدنى مستلزمات الشعب من أمن وغذاء، ولا ننكر ظروف الحرب، وضعف الإمكانيات، وقلة الموارد، لكن ضعف المبادرة أفقدتنا عدة أوراق قوة؛ فمثلاً العصر الذهبي للثورة كان عام ٢٠١٣م، وقتها كان الأمر متاحاً لنا،
وأبوح لكم بسر احتفظت به طويلاً، وهو أن النهضة الفكرية جاءت بعد عام ٢٠١٣م، وتبلورت الصورة، واتضح حجم الوهم، وعرفنا قدر أنفسنا بداية عام ٢٠١٤م، بداية قتال داعش علمنا كم أضعنا من فرص، وزدنا من معاناة الشعب بإطالة أمد الحرب، بعد إدراك الحقيقة ولى زمن الدعم المادي، وكأن عذاباتنا تزداد، وتنافر المال مع الفكر وقتها ولم يجتمعا.
والغريب الذي أدهش قلمي هو عدم اتفاق مجمل الفصائل الإسلامية على محكمة شرعية واحدة عليا للثورة لإدارة الخلاف بين العسكريين والمدنيين، رغم سعيهم لنفس الهدف، فهم اجتمعوا في فكرة الانطلاق، وتصورهم لنهاية المطاف، واحد لكن فرقهم الأسلوب والوسيلة.
فوجدنا محكمة لكل فصيل كانت بمثابة محامي دفاع عنه، علماً أننا لم نعهد في أي عهد سالف أن استُخدمت المحاكم مطية وسيفا على رقاب شعب قاسى ألوان العذاب، أتعبنا ذاك الشعب الذي ابيضت عيناه من الحزن وهو كظيم، والذي أردنا الاتكاء عليه للنهوض بمشاريع أقل ما يُقال عنها إنها مشاريع فئوية حزبية، تمثل ٥٪‏ من عموم الثورة فقط.
في ظل التطورات الحالية من فرض الهدن، والحلول السياسية، على الثوار الإفاقة من السبات الشتوي، والإسراع إلى الاجتماع، وتوحيد الموقف العسكري والسياسي، وأرى أن يكون تشاركيا فقط؛ بعد فشل سلسلة الاندماجات السابقة، فالعدو يقاتلنا مجتمعاً على اختلافه، ونحن نواجهه على فرقة من أمرنا على ما عندنا من قواسم مشتركة.
وللمثال نذكر فييتنام التي حاربت 20 سنة متواصلة (1975 – 1955) إمبراطوريتين، وانتصرت عليهما؛ فرنسا وأمريكا، لعلها اختصرت ثورتها بثلاثة قادة فقط؛ هم:
١-هو شي مينه: قائد روحي.
٢-جنرال جياب: قائد عسكري.
٣-لي داك تو: قائد سياسي.
لم يكن عندهم ألف فصيل، ولا ألفا قائد، ولا عدة مشاريع...
بكت الديار وغارت الأحداق...
في كل مرحلة من تاريخ أمة من الأمم تسطع في سمائها نجوم تهدي الحائرين، وقد تضيء سماءها حتى لكأنها في رابعة النهار؛ إذا كثروا واشتد وهجهم، فامتد مخترقاً الزمان والمكان، كأشبه ما يكون بالطاقة المتجددة التي لا تنفد.
صحيح أننا فقدنا قادات الثورة الأوائل؛ كالحموي، وزهران، والصالح، رحمهم الله، وبفقدهم خسرنا أوتاداً كانت تذبّ عنّا، ونبراساً كنّا نهتدي به في الظلمات ولجج الفتن، وفقدنا معهم قلوبهم الكبيرة التي كانت تتسع لشكوانا وتذمرنا.
شعور اليُتم حاصل بعدهم عند كل ثائر، بل زاد بعدهم زمن التيه، فدتكم نفسي، فالثورة تعاهدكم أن تسير على أخدود فكر الشيخ الحموي، الذي رسمه بدمه على جذع الثورة، وقوة وشكيمة الشيخ زهران، وطيبة وبساطة الشيخ عبد القادر الصالح،


رُزِقتُ مُلكاً فَلَم أَحسِن سِياسَتَهُ
                          ‎وَكُلُّ مَن لا يسُوسُ المُلكَ يخلَعُهُ
‎وَمَن غَدا لابِساً ثَوبَ النَعِيــــم بِلا
                         ‎شَكرٍ عَــلَيــهِ فَــإِنَّ اللَهَ يَــــنزَعُهُ
‎عِلماً بِأَنَّ اِصطِباري مُعقِب فَرَجاً
                       ‎فَأَضيَقُ الأَمــرِ إِن فَكَّرتَ أَوسَعُهُ


قبل أن أنتهي أرد على سؤال ثائر هرم، يتساءل فيه عن جدوى وإمكانية فرض حلول على الثورة، وتقرير مستقبلها دون الرجوع لأهل الأرض؟
أقول: من لم يصدّر حلاً لأزمته سيضطر لاستيراده مكرهاً..
كقول أم أبي عبد الله الصغير، آخر ملوك الطوائف، عندما قالت له: إبك مثل النساء ملكا مضاعا لم تحافظ عليه مثل الرجال.

 

 

مركز عزام للدراسات

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع