..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

إيران ومشروع الدولة الإقليمية العظمى

نبيل العتوم

٨ ٢٠١٥ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 2919

إيران ومشروع الدولة الإقليمية العظمى
000 والخليج.jpg

شـــــارك المادة

برز الاتفاق النووی الذی وقعته إیران مع القوى العظمى، لیرسم مقاربة جديدة قائمة على فرضية أن خارطة  التوازنات فی المنطقة قد تبدلت وتغيرت إلى غير رجعة، حيث تصدح سمفونية الإعلام الإيراني ليل نهار، بأن  ساعة الحسم قد دقت وبأن طهران باتت تتربّع علی عرش الشرق الأوسط دون منازع، كونها القوة التي باتت الأکثر تأثیراً ونفوذاً وهيمنة على مستوى الإقليم.

تعتبر طهران أن الإنجاز الذي تحقق اليوم لم يكن بالحصاد السهل على الإطلاق، فقد بذلت في سبيل تحقیقه الغالي والنفيس، وتحملت فی سبیله الحظر والعقوبات الاقتصادیة، وحملات التشویه، لكنها في النهاية نجحت في مواجهة کل أدوات الهیمنة الغربیة، سواء الناعمة منها، أو الخشنة؛ بل إن ما وصلت إلیه ایران –على حد تعبيرها– کان أشبه بالمعجزة، فی ظل الظروف الصعبة التی أحاطت بها منذ قیام الثورة الإسلامیة فی عام ١٩٧٩، لكنها نجحت أخيراً في أن تسیر بالبلاد والمنطقة نحو واقع جدید.
نعم، یحق للعالم العربي، الذي يُعايش التخريب الإيراني للأمن الإقليمي ليل نهار أن يقلق من هذا التحول الحاصل لصالح إیران، ومن زيادة احتمالات دولة الملالي المتزايد بالتوجه نحو عسكرة برنامجها النووي، وأن تزيد من وتيرة سعي إیران المستميت الحصول علی القنبلة النوویة، وبأي ثمن، وعلى حساب أي سياسة ووسيلة كانت.

لا شك بأن إیران قد وصلت إلی ما وصلت إلیه بالوسائل غير المشروعة، وهنا ینبغی الالتفات إلی أن تحصیل الدول للنفوذ، یکون مشروعاً عندما تکون الوسائل مشروعة، وتعتمد علی العلاقات الطبیعیة، لكن المثال الإيراني يختلف تماماً، فهي دولة مدانة بكل المقاييس، خاصة عندما تکون الوسائل والطرق التي تنتهجها غیر مشروعة، بل غير أخلاقية، کإشعال الحروب، الفتن، الفوضى، التوسل بالنزاعات المذهبية، والتحريض الطائفي والقتل على امتداد الإقليم.

بدايةً حاولت إيران استغلال توظيف ما اصطلح على تسميته “الربيع العربي” لصالح مشروعها التوسعي، وسعت لدعم سيناريو مشروع التقسيم المراد للمنطقة على أسس طائفية وإثنية وعرقية ومذهبية، تمهيداً لشرعنة توسعها في المنطقة، والثانية أسهمت السياسة التي انتهجتها إيران بالحفاظ على أمن إسرائيل، بسبب سلوكها التدخلي في العراق وسوريا ولبنان، ومن هنا يمكن الحديث عن زمن صعود نجم إيران الذي أفرزته لعبة طهران في المنطقة فمحور الممانعة الذي تتسيده طهران استطاع فيه ولي الفقيه أن يكون أداة طيعة بيد واشنطن، وأن يراكم ويبدع في نشر الدمار والقتل والتخريب والفوضى المسماة في أروقته «خلاقة» وتحديداً في دول الطوق التي استنزفت خلالها واستهدفت المؤسسات العسكرية، ودُمرت الموارد والمقدرات والبنى التحية بأدواتٍ إيرانية، ومن خلال وكلائها وبتمويلها، بحيث لم تخسر أمريكا وإسرائيل فيها لا جندي ولا حتى دولارٌ واحد، وكل ذلك خدم الكيان الصهيوني، وحقق ضماناً لأمنه وبقائه بعيداً عن حروب المنطقة، بدوره الإيراني وبالرغم من فشله المتكرر في تحقيق ما تصدر له من مهمات، وما تعرضت له أدواته من هزائم متتالية، وبعد فشل مشروعه في لبنان، اليمن، العراق، وحتى سوريا التي باتت مستنقعاً غار فيه الإيراني حتى أذنيه، إلا أنه حجز مقعده في هذه اللعبة، وتم إشراكه في الحراك السياسي الحاصل، والمثير أن يكون شريكاً في التحالف الدولي لمواجهة الإرهاب.

من المناسب التذكير هنا بأن طهران لم ولن تحرك یوماً جیوشها أو أساطیلها لمواجهة الشيطانين أمريكا أو إسرائيل، بل تركت هذا المهمة لوكلائها القاصرين في المنطقة، وبالمقابل اجتهدت وناضلت مسلحة بمبادئ  تصدير ثورتها ” الإسلامیة “، وعملت من خلال جهدها الدؤوب، وبعزيمة راسخة لاستهداف دول الإقليم العربية  وشعوبها في أمنها واستقرارها، فلم تنج دولة من الخطر الإيراني وويلاته.
صحيح أن دولة الملالي رفضت أن تکون وکیلة للغرب فی المنطقة بشكل معلن کما کان الشاه المخلوع، ولم  تبحث طهران عن نفوذ تحققه لها القواعد العسکریة الأمریکیة، بل لجأت إلى بناء قوات مسلحة، وحرس ثوري، وخلايا نائمة، مدججة بالهذيان المهدوي، وبالفكر التوسعي على أسس مذهبية خيالية مقيته، وأرسلت قواتها وخلاياها  بدءاً من العراق، مروراً بسوريا، البحرين، الكويت، السعودية… والحبل على الجرار حتى تعيث خراباً وتفجيراً وقتلاً، فشغلت الأمة العربية، واستنزفت إمكاناتها وقدراتها، وتوجيه مواردها باتجاه الخطر الإسرائيلي والقضية الفلسطينية.

كذلك توسلت إيران بخطاب الکراهیة والمذهبية لیکون مطیّتها للنفوذ فی الدول، وسلكت النهج التحریضي ضد الشعوب ومکوناتها الإثنیة والمذهبیة، وحققت نفوذها بفعل ضعف البناء الاجتماعي والأمني العربي، ومن خلال توظيف استخدام القضیة الفلسطینیة، ونصرة المستضعفین والدعوة إلی الوحدة الإسلامیة، ومقارعة المستکبرین، كشعارات فارغة مقيته لخداع بعض القطاعات الشعبية العربية.

ونحن نقول لمن انطلت عليه عملية الخداع الإيراني، أن دولة الملالي لم تقدم على الصعيد الداخلي نموذجاً فریداً من الوحدة الداخلية لتكون نموذجاً للدیمقراطیة الدینیة، من خلال إقامة حکومة شعبیة قائمة علی القیم الدینیة، یحق للمواطن فیها أن یقترع وینتخب ممثلیه فی الدولة والبرلمان، والمشارکة فی تقریر مصیر البلاد، بشكل حر ومسؤول بحيث تكون ملهماً للحكومات والشعوب العربية، بل كانت مثالاً صارخاً للدكتاتورية الدينية المبنية على فكرتي الخرافة والتوسع، على حساب حقوق الإنسان، وانتهاكات حرية الشعب الإيراني بمكوناته، وخارطته الديموغرافية والدينية، حيث مارست انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان من زج لرموز المعارضة في غياهب السجون، وممارسة التمييز العنصري والمذهبي، واستهداف مواطنيها، بشكل تصدرت فيه إيران عن جدارة لقب أكثر دولة في العالم تنفذ عمليات إعدام على المستوى الدولي.

خارجياً؛ لاشك بأن إیران تُحاول تعظيم دورها الإقلیمي من خلال المزید من التأثیر والتعاظم، خاصة مستغلة ”الهوسة” الدولية لمکافحة الإرهاب، وأن تستعرض نفسها كشريك في الحفاظ على الاستقرار الإقليمي والدولي، ومحاولة استغلال فكرة خطيرة تروج لها مراكز التفكير الأمريكية، ومفادها أن الولايات المتحدة لن تستطيع القیام بعملیات بریة ضد تنظیم داعش، بدون الدور الإيراني الفاعل، ولهذا توصي مخازن التفكير في واشنطن إدارة أوباما، بضرورة أن یکون لإیران دور مهم مستقبلاً فی قیادة القتال ضد التنظیم، وترى أهمية  تخفيف العقوبات الاقتصادیة وسیاسة الحظر علی تصدیر الأسلحة التي قد تؤثر بشکل کبیر علی قوة إیران العسکریة لمجابهة الإرهاب؛ مما سیُمهد هذا الطریق إلی أن تصبح إیران شريكاً فاعلاً ومؤثراً في مكافحة الإرهاب، وأن تلعب دوراً قيادياً فی الدفاع عن منطقة الشرق الأوسط، لهذا توصي بعض مراكز التفكير الأميركية برفع مستوى التعاون الغربي مع طهران لتحقيق النصر على الإرهاب.

أمام كل ذلك، وبعد إنجاز الاتفاق النووي، وما تلاه من توحد جميع الإرادات الدولية والإقليمية تحت عنوان أوحد خلال المرحلة القادمة «مواجهة الإرهاب»، من هنا يمكن فهم الحديث وبدء التوافق على تسوية شاملة أساسها القبول بأن تكون إيران دولة إقليمية كبرى، بحيث لا حرب فيها إلا على الإرهاب، ومن خلال القناعة التامة بالدور المحوري لإيران لمواجهته، ونسوا هؤلاء جميعاً أن دولة الملالي كانت وما زالت منبع الإرهاب ومصدره الأساس في المنطقة.

 

 

مركز أميه للبحوث والدراسات الاستراتيجية

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع