..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

هل بدأت الحرب الأميركية الإيرانية على تركيا؟!

ناصر تركماني

٢٢ ٢٠١٥ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 2573

هل بدأت الحرب الأميركية الإيرانية على تركيا؟!
تركماني00.jpg

شـــــارك المادة

العلاقات التركية الأميركية تدخل فيها الكثير من الاعتبارات، وفي جزئية بسيطة منها فقط مرتبطة بالمسألة السورية، فمن المعروف أن الولايات المتحدة كانت تمسك بالعديد من مراكز القوى الفاعلة في تركيا كالاستخبارات والجيش والإعلام وبعض القطاعات الصناعية والمالية إضافة إلى المافيا التركية.

بعد صعود حزب العدالة والتنمية كقوة سياسية فتية وناشئة، بما لديها من إمكانيات بشرية وتصور واضح عن الحالة التركية ومشاكلها، عملَ الحزب وبدعم من منظمات المجتمع المدني، على تغيير توازنات مراكز القرار التركي لصالح مشروع حزب العدالة أو تركيا الجديدة، فخلال فترة قصيرة قُضي على المافيا التركية، فيما بعد عمل حزب العدالة على تدعيم القضاء بعد سلسلة من الإصلاحات القضائية والقانونية وفتح الطريق أمام ضباط الجيش الذين لهم ميول إسلامية لتولي مناصب حساسة في الجيش، والتي كان سابقاً يتم إقصاؤهم من الرتب العليا بموجب قرارات مجلس الشورى العسكري الذي كان يسيطر عليه التيار المقرب من أميركا (تيار الناتو)، وهذا المجلس هو المخول دستورياً بتعيين قادة الجيوش والفرق وترفيع الضباط بموجب إجتماعات ينعقد كل سنتين مرة.

أما الإعلام ربما كانت المثال الأوضح لتغير موازين القوى الداخلية في تركيا، فمع آفول نجم الإعلام ورجل الأعمال التركي جيم أوزان وسيطرة المؤسسات القريبة من حزب العدالة على هذه الإمبراطورية، انزعجت الدوائر الغربية وخصوصاً الولايات المتحدة وألمانيا من هذا التطور، وخصوصاً أن رجلهم الأول في تركيا أيدن دوغان إمبراطور الإعلام كان هو الآخر مهدداً بالإطاحة بتهم الفساد والتهرب الضريبي والرشوة، ومجموع المبالغ المالية المستحقة الدفع قضائياً وصلت حد 500 مليون دولار، وتدخلت ألمانيا بأكثر من مرة لإنقاذ الرجل وأعلنت عن استعدادها لدفع المبلغ كاملاً، وهو ما دفع الرجل لإعادة شن الهجوم الإعلامي على الحكومة بعد توقفها أو مهادنتها لفترة من الزمن.

كذلك شهدت عدد من كبرى المؤسسات المالية إعادة هيكلة أو حجز من قبل الحكومة مثل دنيز بنك وبنك إعمار وبنك آسيا، التي كانت تمول وتقرض من دون ضمانات جهات داخل تركيا أو تمول مؤسسات ذات أعمال مشبوهة تخدم جهات معادية لتركيا.

حزب العدالة كان مصمما لإعادة القرار الوطني التركي إلى أنقرة وللمؤسسات الرسمية مهما كبرت التضحيات، لذلك أطلق عملية السلام مع الأكراد لأن هذا الملف كان يستخدم لإضعاف تركيا وتهديدا بزوالها من الداخل، وقدم كل التضحيات في سبيل إنجاحها، ولكن قرار قادة حزب العمال الكردستاني لم يكن بيدهم، وخصوصاً أن التنظييم له علاقات معقدة وشائكة مع عدد من الدول التي ستكون متضررة من عملية السلام، وتأتي في مقدمتها أمريكا وألمانيا وهولندا وإيران والنظام السوري، ولكل من هذه الدول أسبابها ومصالحها الخاصة.

نقاط خلافية بين أميركا وتركيا في الملف السوري:
بالتأكيد النظرة الأميركية للموضوع السوري تختلف عن نظرة تركيا، ما يهم أميركا هو أن تحقق حالة من حالات التوازن الذي يؤدي في النهاية لإضعاف القوتين الإيرانية والتركية، بالشكل الذي يسهل لها قيادة وتوجيه سياسة هاتين الدولتين، فتركيا التي تخلصت من الدوران في الفلك الأميركي بعد حزمة الإصلاحات التي قام بها حزب العدالة، بشكل ما تحاول الولايات المتحدة إعادة تركيا إلى فلكها عبر الإستفادة من إندفاع وطموحات إيران في المنطقة، خصوصاً أنه بعد تجربة العراق، الولايات المتحدة كسبت تجربة وعِبر في كيفية التعامل مع ملفات الشرق الأوسط، عبر اللعب على التناقضات وعدم الإستجابة لطلبات الحلفاء إلا في المكان والزمان التي تناسب واشنطن، لأنها تعتبر هذه الدول مسؤولة بشكل أو بآخر عن هزيمتها وإضعافها في المنطقة.

كما أن هذا الوضع يفيد إستراتيجياً تل أبيب المتيقظة على الإنقضاض على الفرص الناشئة نتيجة إحتكاك هاتين القوتين.
نظرية التناقض هذه تنطبق تماماً في كيفية تعامل واشنطن مع اللاعبين على الساحة السورية، فهي من جهة تتبنى PYD مع العلم أنها مرتبطة إيديلوجياً ومالياً وبالقيادة مع تنظيم حزب العمال الكردستاني المدرجة على اللائحة الأميركية والأوربية للإرهاب تحت حجة بأنها مستقلة عن تنظيم حزب العمال وبأنها تقاتل تنظيم الدولة في سوريا، وهذا ما ترفضه تركيا.

في المقابل وعندما يتحدث بعض الأوساط التركية بأنه وفق هذا المبدأ فإنه يصح لنا فتح قنوات تواصل مع حركة أحرار الشام الإسلامية تجن جنون أميركا وترفض ذلك، مع أن حركة أحرار الشام حاربت تنظيم الدولة بفاعلية أكثر من PYD بعشرات المرات وطهرت بالإشتراك مع بعض الفصائل مدينة إدلب كاملة منها من دون أن تحصل على دعم من أحد، فلماذا ترفض الولايات المتحدة تعامل تركيا معها أو إدراج الحركة ضمن مسمى المعارضة المعتدلة إن كان مؤشر القبول الأميركي للفصائل العسكرية السورية هو معاداة ومحاربة تنظيم الدولة، ولماذا لا تقدم قوات التحالف الدعم الجوي للفصائل العسكرية التي تحارب التنظيم على جبهات الريف الشمالي، إن غاية أميركا في سوريا هو إطالة الأزمة السورية قدر الإمكان لحين إنضاج الواقع السياسي الذي يقبل التقسيم، وبالتالي خلق كنتونات ضعيفة جغرافياً وسياسياً وإقتصادياً وعاجزة عن تكوين دولة بالمفهوم الحديث، لتكون هذه الكنتونات مطية لتنفيذ المصالح الغربية.

وهنا تلتقي مصالح الولايات المتحدة مع الخطة الإيرانية التي تهدف إلى تطويق تركيا بالإشتراك مع النظام السوري عبر الكنتونات الكردية في الشمال، وكذلك كسب ورقة جنوب غرب سوريا في مناطق الزبداني والبلودان والقنيطرة لتشكيل حزام أمني حول المناطق الشيعية في لبنان ولاستخدامها فيما بعد كورقة ضغط أو التقسيم مع أميركا وإسرائيل في ظل تسريبات عن وجود خطة إيرانية لتبادل سكاني بين منطقة الزبداني والقرى الشيعية في إدلب وحلب.

وهذا ما يزعج تركيا، فحلفاء إيران لهم الضوء الأخضر من الغرب وأميركا للقتل والتهجير وإرتكاب المجازر بالأسلحة الروسية والإيرانية وتشريد نصف سكان سوريا عبر ممارسات مذهبية وطائفية حاقدة ترتد أساليبها البربرية للقرون الوسطى ولكن أدواتها للقرن الواحد والعشرين، وحلفاء تركيا لهم الضوء الأحمر مع العلم بأنهم لم يخرقوا القوانين الدولية ولم يرتكبوا جرائم حرب قط، فقط لأن مشروعهم مضاد للتقسيم والطائفية ويحملون في مشروعهم نوات نهضة إسلامية يمكن أن تجتاح المنطقة وتلقي بكل خطط الغرب إلى القمامة، وفي الوقت نفسه بدأت الأصوات التركية تعلو بشدة في الآونة الآخيرة ضد إيران وضد خططها الخبيثة للتوسع في المنطقة مذهبياً عن طريق التحريض وضرب السلم الأهلي في المجتمعات العربية والإسلامية، وهذا يشير إلى أن النخب التركية بدأت فعلاً بعملية مراجعة حقيقية لسياسات الخارجية والأمن القومي التركي.

لماذا توقف برنامج تدريب المعارضة في تركيا؟!
إن سقوط الأسد يعني سقوط كافة المشاريع والخرائط التي ترسم على الجغرافيا السياسية السورية، والغرب يدرك هذه الحقيقة فهي من طرف تحاول اللعب على الكلمات والمصطلحات بالقول أن لا دور للأسد في مستقبل سوريا، وهي عبارة غامضة ومبهمة في الفقه السياسي، ومن طرف آخر تمنع عن المعارضة المسلحة الأسلحة المضادة للطيران التي في حال امتلاك المعارضة لها ستتحقق الرؤية الغربية ولن يكون للأسد دور في سوريا لأنه سيسقط وينتهي نظامه المجرم الداعم للإرهاب.
ولكن الولايات المتحدة ومعها الدول الأوربية يريدون أن تكون الأولوية لمحاربة تنظيم الدولة، وأن القوات التي ستشارك في برنامج تدريب وتسليح المعارضة السورية يجب ان تشمل المعارضة المعتدلة، ووفق هذه الرؤية بدأ التدريب مع وجود خلاف أميركي تركي حول نطاق عمل هذه القوات وحول من سيشارك فيها، وتخرجت أول دفعة بعد شهرين وكانت مكونة من 60 عنصراً، في الدفعة الثانية توقفت بعد مدة قصيرة جداً بعد أن تدخلت الإستخبارات التركية وأوقفت تدريب الدفعة لأن المتدربين كانوا من العناصر الكردية المنتمية لتنظيم PYD وقامت الجهات التركية على الفور بترحيلهم إلى سوريا، ويقال أن استقالة الجنرال الأمريكي "مايكل ناغاتا" المسؤول العسكري عن برنامج التدريب جاءت قبيل هذا الخلاف ورفض تركيا تدريب المقاتلين الذين ينتمون لتنظيم PYD (صدر تقرير مفصل عن هذا الموضوع ونشرته قناة a haber).
وينظر الأتراك إلى أن استهداف قوات التحالف (أميركا) لبعض المواقع التابعة للثوار، هي محاولة أميركية لعرقلة تنفيذ مشروع المنطقة الآمنة، وتآليب الفصائل المقاتلة في الشمال ضد تركيا، وبالتالي فتح الطريق أمام مشروع تطويق الثورة السورية عبر إكمال حزام PYD وقطع طرق الإمداد، إستعداداً للتسوية السياسية التي ستكون في صالح الأسد وحلفائه في المنطقة.
كما أن سحب ألمانيا والولايات المتحدة الأميركية لبطاريات صواريخ الباتريوت المضادة للصواريخ البالستية هي رسالة إلى تركيا بأنها سَتُعاقب إذا ما حاولت عرقلة المشاريع الغربية في المنطقة، بينما فهمها الأتراك بأنها رسالة دعم واضحة لحزب العمال الكردستاني التي تقاتل الجيش التركي ورفض إقامة المنطقة الآمنة، وبأنهم أي الأتراك سيمضون بحزم للقضاء على الإرهاب حتى النهاية، وأنهم لن يتراجعوا عن سياساتهم الداعمة للثورة السورية ولا عن مشروع إقامة المنطقة الآمنة.

 

 

أورينت نت

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع