..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

الاتفاق النووي الإيراني: الطريق نحو حروب جديدة

علي حسين باكير

١٥ ٢٠١٥ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 3388

 الاتفاق النووي الإيراني: الطريق نحو حروب جديدة
باكير 00.jpg

شـــــارك المادة

الثقة ليست عنصراً من عناصر السياسة الخارجية الإيرانية، فالمنظومة الإيرانية لا تعمل استناداً إلى قيم أخلاقيّة كما قد يعتقد البعض خطأً. وبمراجعة لسلوك هذا النظام منذ أكثر من ثلاثة عقود سنتأكد أنّ جوهر سياساته تقوم أساساً على مفاهيم مناقضة تماماً لمفهوم الثقة، منها على سبيل المثال لا الحصر: الخداع والمناورة والمماطلة والكذب والغش والازدواجية.

لا نريد أن نخوض في الجذور المتأصلة لهذه المفاهيم في سلوك النظام الإيراني ومنبعها، لكن ما نريد مناقشته هو علاقة ذلك بالاتفاق النووي الأميركي- الإيراني وكيف من الممكن أن يؤثر على مضمونه وأن ينعكس على المنطقة.
من المصائب الكبرى في هذه المرحلة أن الاتفاق الذي تنشده إدارة أوباما مع نظام الملالي إنما يقوم في جوهره على الأمنيات وعلى الثقة المفترضة غير المشروطة، ولا يستند وفق التفاصيل التي نعرفها وكما ناقشنا سابقا على أي آلية تحقق قوية وفعّالة، ولا على أي نظام ردع صارم يمنع الجانب الإيراني من محاولات الغش أو الخداع أو التلاعب، على اعتبار أنه إذا حاول ذلك في ظل وجود آلية كهذه أو نظام فإن النتائج ستكون مدمرة عليه.
هذه المعادلة الخطيرة هي التي ستفرض نفسها في النهاية على المنطقة، لأن لا أحد من اللاعبين يثق بالطرف الآخر. الجانب الإيراني يتعلم بشكل ممتاز من تجارب الآخرين، وقد تعلّم من تجربة الشاه ومن تجربة صدّام ومن تجربة القذافي، ومن تجربة كوريا الشمالية، ومن تجارب كثيرة أن لا يثق بالأميركيين ولا حتى بحلفائه الروس.
أما الجانب الأميركي فهو يعلم علم اليقين أن الإيرانيين غشوا ويغشون باستمرار حتى في ظل اتفاق نوفمبر 2013 واتفاق أبريل 2015.

لقد نشرت معلومات مؤخرا تشير إلى أن إيران لا تزال تحاول بطرق سريّة وغير مشروعة شراء مكوّنات تكنولوجيا لبرامجها النووية والباليستية، وذلك استنادا إلى تقرير أممي في الأول من يونيو الماضي بالإضافة إلى تقرير آخر للاستخبارات الألمانية في يوليو الحالي حتى في ظل إعلانها الالتزام بالاتفاق الحالي منذ نوفمبر 2013، ولكنّ الإدارة الأميركية تتغاضى عن كل ذلك لأسباب تتعلق بطموح أوباما الشخصي، ولأنها تأمل أيضاً أن يعدّل الاتفاق من سلوك إيران فيما بعد.
وفي المقابل، فإن عدم ثقة معظم الدول الإقليمية بالنظام الإيراني وسياساته وكذلك عدم ثقتهم بسياسات إدارة الرئيس الأميركي أوباما تعدّ أمرا مفروغا منه.
لا شك أن الإيرانيين سينظرون إلى الاتفاق إذا ما تم التوصل إليه على أنه فرصة لالتقاط الأنفاس، وتحسين وضعهم الاقتصادي وتطوير قدراتهم العسكرية التقليدية وتطوير حجم وبنية وقدرات برنامجهم النووي بمساعدة غربية، ولكن ولأنّهم لا يثقون بالأميركيين، فإنهم سيعتقدون أن الاتفاق قد يؤمن الوقت الكافي لأي إدارة أميركية أخرى للاستعداد لمواجهة إيران في أي مرحلة من مراحل الاتفاق أو عندما ينتهي، وهذا يتطلب أن تقوم إيران باستعداداتها الخاصة لمواجهة مثل هذا الاحتمال وعدم الركون إلى الاتفاق فقط.
في المقابل، من البديهي افتراض أن الدول الإقليمية ولاسيما العربية ستعمل خلال فترة الاتفاق التي تمتد إلى حوالي 10 سنوات إلى التسريع من طموحها النووي على أمل أن يؤدي ذلك إلى تقليص الفجوة النووية بينها وبينها إيران.
ولقطع الطريق على مثل هذه الحسابات الأميركية والعربية، فإن الخبرة التاريخية بالإضافة إلى تقاليد السلوك الإيراني تفترض بأنّ النظام الإيراني سيعمد إلى الغش والخداع لا محالة، لكن درجة الغش وحجمها ستكون تدريجية كمّاً ونوعاً بحيث لا يؤدي اكتشافها (إذا تم ذلك) إلى رد فعل مدمّر بقدر ما يخلق حالة من التشويش والانقسام لدى المجتمع الدولي.

هل غشت طهران فعلا؟ هل توجد أدلة؟ ما الجهة المخولة بإثبات ذلك؟ هل يستحق حجم الغش إنهاء الاتفاق النووي؟ هل يجب ضرب إيران عقابا لها على غشها؟... إلخ.

مثل هذه المعطيات تجعل من احتمالات اندلاع حروب في المنطقة بسبب هذا الاتفاق -إن تم التوصل إليه رسميا- أمرا ممكنا، لا بل مرجّحا لاسيما في المرحلة الأولى والأخيرة منه.
في بداية الاتفاق سيسعى كل طرف إلى التقارب مع الطرف الآخر حتى يتم تثبيت الاتفاق على أرض الواقع وتعزيزه بمصالح مشتركة.

هذا المنطق رصدناه من قَبل لدى إدارة أوباما والنظام الإيراني منذ أشهر طويلة في مقالات سابقة لنا. الطرفان يريدان استخدام موضوع «محاربة التطرّف» في المنطقة كمادة محفّزة (catalyst) لتمتين الاتفاق. ولأنّ تعريف التطرّف هنا لدى الجانبين هو «الآخر السنّي حصراً» فهذا يعني مزيدا من الحروب الخاطئة التي لن تؤدي إلا إلى مزيد من الطائفية والتطرف والإرهاب، خاصة عندما تكون طهران وواشنطن جزءا من هذا المشروع.

إذا ما صمد الاتفاق بضعة سنوات، فإن الفترة الثانية تفترض أنّ المنطقة ستشهد حروبا أوسع هذه المرة لأن سباق دول المنطقة مع بعضها البعض ومع الزمن سيكون على أشدّه.

والمفارقة أنه في الوقت الذي تجادل فيه إدارة أوباما خصومها وتبرر لنفسها بالقول إنّه لا بديل عن الاتفاق مع إيران لأن الخيار الآخر سيكون هو الحرب، فإن الاتفاق النووي سيؤدي بطريقة أو بأخرى إلى هذه الحرب التي يقول إنه يتفاداها.

 

 

 

العرب القطرية

 

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع