يوسف بزي
تصدير المادة
المشاهدات : 3201
شـــــارك المادة
منذ أيام، قامت دورية تابعة ل"مخابرات الجيش" في لبنان، بمداهمة مؤسسة مدنية غير حكومية، واعتقال شاب سوري يعمل في مجال حقوق الإنسان، بحجة أن إقامته في بيروت غير شرعية. وبعد اقتياده والتحقيق معه لساعات، تبين أن المخابرات العسكرية تتهمه بعلاقة مع جهات إرهابية. وسرعان ما تبدّدت التهمة واقتصر الأمر على محاولة مصادرة جواز سفره.
وبعد تدخل من قبل مؤسسات دولية ومحلية تعنى بحقوق الإنسان، قررت "مخابرات الجيش" تسليمه إلى مديرية "الأمن العام"، التي تولت احتجازه لمدة يومين، بتهمة مخالفته شروط الإقامة في لبنان، وأبلغته أن قراراً صادراً من اللواء عباس ابراهيم، المدير العام ل"الأمن العام"، يقضي بترحيله وبمنعه من دخول لبنان "مدى العمر".
هذه الحكاية النموذجية، تُظهر النشاط المحموم لبعض الأجهزة الأمنية في ملاحقة الشبان السوريين، الذين لا يخفون معارضتهم للنظام السوري.
أي أن هذه الأجهزة الأمنية تتعمد استهداف المناوئين لبشار الأسد، والتضييق عليهم، وصولاً إما إلى دفعهم لمغادرة لبنان طوعاً وإمّا طردهم منه قسراً وتعسفاً. وبما أن صلاحيات "مخابرات الجيش" لا تشمل مثلاً ملاحقة المخالفين لشروط الإقامة، فلا تفسير للمداهمات والاعتقالات التي تقوم بها تحت هذه الحجة، سوى أن هناك قراراً سياسياً أمنياً غير معلن، بالتخلص من السوريين المعارضين، خصوصاً منهم الناشطين المدنيين والحقوقيين، كما حدث مع المخرج المسرحي والكاتب محمد العطار (انظر زاوية "ستاتوس" ص 14).
وهذا ما يتواءم مع سياسات "حزب الله" تحديداً، وبما يجعل من إدارات الدولة الأمنية في خدمة تلك السياسات التعسفية. ولولا الضغوط الدولية لربما كانت تلك الأجهزة الأمنية استمرت في تسليم النظام السوري بعض أولئك الناشطين، كما حدث قبل ثلاث سنوات، عدا عمليات الخطف التي قامت بها العصابات الموالية للمخابرات السورية داخل لبنان، للكثير من الشبان السوريين.
لا يقتصر الأمر على بعض الاعتقالات، ولا التضييق على بعض الناشطين (ومنهم الفنانون والصحافيون وحتى العاملون في مجال الإغاثة)، بل تشمل هذه السياسات التعسفية الرسمية مجمل السوريين الهاربين من بلادهم، عبر التشدد في شروط الإقامة، وهي في معظم الأحيان اعتباطية وتعجيزية، علاوة على الإذلال المقصود الذي يتعرض له كل طالب إقامة، في مختلف مراحل إنجاز أوراق تلك الإقامة، أو للحصول على تأشيرة دخول. وطال هذا التعسف المتعمد، العمال الزراعيين السوريين، الذين هم، تقليدياً ومنذ عشرات السنين، اليد العاملة في هذا القطاع الاقتصادي الأساسي، ما دفع المزارعين اللبنانيين للاحتجاج والشكوى، إذ تهددت محاصيلهم بالتلف من دون وجود من يحصدها ويقطفها ويوضبها. وتجتمع على مصائب السوريين الموجودين في لبنان، عدا العنصرية المتفشية في المجتمع اللبناني، ممارسات الاستغلال والابتزاز والتمييز، يضاف إليها رواسب الضغينة اللبنانية جراء ثلاثة عقود من الاحتلال العسكري السوري للبنان، إذ تتحول إلى أعمال وسلوكيات ثأرية من كل مواطن سوري بريء، يضاف إليها تبعات السياسة العدوانية التي ينتهجها "حزب الله" ضد الشعب السوري، وتترجم نفسها داخل لبنان في ترصد وملاحقة الشبان السوريين وترهيبهم.
وفي هذا السياق، يستغل "حزب الله" نفوذه القوي داخل بعض الأجهزة الأمنية اللبنانية، من أجل جعل إقامة كل سوري معارض في لبنان شبه مستحيلة أو محفوفة بالمخاطر دوماً. وإذا أضفنا إلى كل هذا، قوانين العمل التي تحرم السوريين من مزاولة معظم المهن، وكذلك حرمانهم من التعليم، والصعوبة البالغة في الاستشفاء والطبابة.. ما يجعل شروط الحياة الكريمة في حدها الأدنى ممنوعة على السوريين. من البديهي أن تلجأ الدولة اللبنانية إلى سياسة ضبط أحوال اللاجئين السوريين في لبنان، وأن تعمل من أجل أمن المجتمع اللبناني، وأن تمارس سلطتها وسيادتها على الحدود وفي المرافئ والمطارات، ولكن وفق قوانين واضحة ومتوائمة مع الأعراف الدولية وشرعة حقوق الإنسان.. فلا تراكم فوق معضلة الأعباء الأمنية والاقتصادية، التي ترتبت على كثافة أعداد اللاجئين السوريين، معضلة مستقبلية متخمة بالعداء بين السوريين واللبنانيين لا أحد يقوى على احتمالها، ولا تتورط الدولة اللبنانية بشراكة خطيئة "حزب الله" في حربه على الشعب السوري. هذا الشعب الذي سيحاسب "حزب الله" حساباً عسيراً في المستقبل القريب.
المستقبل
نزار السهلي
عوض السليمان
معن عبد القادر
أحمد أبازيد
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة