..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

جنون الثورة!

عبد الرحمن درويشة

٢٣ مارس ٢٠١٥ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 3560

 جنون الثورة!
0+0.jpg

شـــــارك المادة

لقد كانت الأصوات الأولى التي انطلقت من المساجد معلنة الحرية أصواتاً مجنونة، وإلا من ذلك العاقل الذي يعلم أن هذا الصوت هو ذاته صوت الحكم بالإعدام، ثم يصرخ به غير آبه؟!

لم يكن ذلك الصوت يشبه أي صوت آخر في ذلك السجن "الأسدي" الكبير، فعلى من يعلن تلك الصيحة أن ينظر إلى الموت كأنه لغز جميل، وإلى الاعتقال كأنه لعبة جديدة، وإلى اللجوء كأنه نزهة عابرة، عليه أن يفكر عكس ما يعتقد الناس، عليه.. عليه فقط.. أن يكون مجنوناً!

هكذا كان يفكر الثوار عندما قرروا التغيير، وإلا ما تسنى لهم أن يقفوا في وجه ذلك البطش المسرف، أو ذلك الحقد الأعمى الذي رأيناه في عيون عصابات "الأسد"، لقد كانت الثورة في بدايتها مجموع هؤلاء الشباب المجانين الذين لم يتجاوز عددهم أول أيام الثورة المئات، ولكنهم بروحهم تلك، استطاعوا أن يقنعوا الآخرين بقضيتهم وأنهم قادرون على صنع المعجزة!

لقد كانت أعينهم تقع على تلك العيون الحاقدة، لكنها لم تكن تحجبهم عن الأمل.

لم تعلُ تلك الأصوات المجنونة إلا لتُسقط "الأسد" وعصابته، هذا هو نصرها السياسي والعسكري والثوري، وميدانها الأرض وسلاحها الكلمة والفكرة والبندقية كل في مكانه، أما وهم السياسة فتخبرنا عنه أربع سنوات عجاف رأينا خلالها فقره وعجزه، وسيظل كذلك لأن السياسة التي يتحدثون عنها لا مجال لها هنا، لأن الثورة لا تستجدي أحداً، ولا تطلب من أحد، وإنما تنتزع أهدافها من براثن الخصوم، ثم تعلن نصرها بنفسها مستعلية على كل المتخاذلين، وأيضاً لا تصدقوا أن سياسياً ما يحب الثورة، فهي كابوس على السياسة وأهلها عبر العصور.

وعلى الصعيد الجواني، فقد أحدثت الثورة فينا الكثير، لقد غيرتنا في آخر المطاف، وإن كنا من أشعلها ابتداء، فليس كل الناس يهتفون للحرية من على أنقاض بيوتهم، أو تزين الابتسامة الجميلة وجوههم المغبرة من حطام تلك البيوت، لا أعرف ثائراً خرج من المعتقل الرهيب إلا وقد ملأه الشوق للتظاهر والهتاف، وكم من أمٍّ لم يزدها رحيل أبنائها إلا إصراراً وإقداماً، هذه هي القلوب التي اختارت الثورة، ثم تشربت روحها، حتى غدت الثورة حياتها ووجودها، على مثل ذلك يقاس الثائر وإلا فدع! فمن لم تغيره الثورة فليس بثائر!

قد تبدأ الثورة رداً على الظلم محدد, ولكنها ما تلبث أن تتعداه إلى كل شيء، كل شيء، أو ربما هي الثورات كلها كذلك، ولكننا نراها تباعاً، لقد كانت ثورتنا ثورة على الخوف المتمكن منا، وعلى السكون القاتل في حياتنا، وعلى الخمول الجاثم على قلوبنا، وعلى تهميش الشباب في معظم جوانب الحياة، وعلى سلطة دينية تشدنا إلى الأرض بدل أن ترقى بنا نحو السماء، وربما تحقق الكثير من ذلك أو هو في طور التحقق ولكن الطريق ما زالت طويلة.

لقد فرضت علينا ظروف هذه الثورة العودة إلى الأسئلة من البداية، أسئلة رأيناها تتجلى أمامنا عندما عجزت الأفكار القديمة عن إسعافنا في مواقف معينة، لقد كان عجزها محرضاً لنا على مزيد من الثورة، لقد اندثرت المسلمات التي أراها أساساً أقام عليها المستبدون بنيانهم، فكان لزاماً إزالتها إن أردنا إزالتهم، لا شيء يمتنع عن السؤال، ولا شيء يستعصي على الثورة، ولا أحد يعفى من الحساب، قد يبدو ذلك مخيفاً ومربكاً في الوقت الراهن، ولكن كما يروى عن ابن خلدون أنه قال: "إذا عم الفساد، فإن أولى مراحل التغيير هي الفوضى".

الثورة هي انقلاب على كل ما حولنا، هي التفكير بخلاف الواقع البائس، هي الرفض لكل قديم مقيم على القلوب، هي الجنون المحمود، ومازلت أذكر ذلك المجنون الجميل الذي أهان "بشاراً" و"حافظاً"، وهز سورية بأسرها، حين وقف فوق باب نادي الضباط بحمص ومزق صورهم بقدمه، ولم يكن فعل ذلك المجنون أنه مزق تلك الصورة فقط، وإنما أعلن خطاباً ثورياً فريداً دون أن ينطق بكلمة، لقد كان أبلغ من كل حكماء العالم..

الثورة جنون، فجنوا يرحمكم الله!

 

 

المجتمع

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع