شريف عبد العزيز
تصدير المادة
المشاهدات : 3141
شـــــارك المادة
ظاهرة تجتاح العالم الواقعي قبل الافتراضي، حيّرت المراقبين والمتابعين للأوضاع الإقليمية والدولية، والمهتمين بشئون الجماعات الإسلامية، كما حيّرت أيضا دوائر صنع القرار في عواصم السيطرة والهيمنة وردائفها في عواصم التبعية والانبطاح، إنها ظاهرة تنامي التأييد الفكري والأيديولوجي لتنظيم الدولة " داعش " في صفوف الشباب المسلم،
ليس تأييدا محليا أو إقليميا فحسب ولكنه تجاوز الحدود الفكرية الشفافة، وأصبح تأييدا عالميا تترجم في صورة عشرات الحالات لشباب أوروبي وغربي شد الرحال إلى سوريا للاشتراك في صفوف مقاتلي الدولة، إيمانا أم انبهارا أم إعجابا أم فورة شباب؟
لا يدري المحللون، ولا يقفون على أرض صلبة تفسر هذا الإقبال الكبير والمتنامي لتنظيم الدولة بين صفوف الشباب عالميا.
موجة متتالية من البيعات وإعلان الولاء والانضمام للتنظيم شهدتها المنطقة خلال الأسبوعين الماضيين في مصر والجزائر وليبيا وتونس ونيجيريا، وتمدد كبير في الشمال الإفريقي، بيعة لـ«داعش» في المنطقة الوسطى للمغرب العربي المنشقة عن تنظيم «القاعدة»، وبيعة أخرى للخلافة الإسلامية تؤدي طقوسها «كتيبة عقبة بن نافع» في تونس وهي إحدى كتائب قاعدة المغرب الإسلامي، وبيعة أنصار بيت المقدس في سيناء بمصر، وشباب متدينون من جنسيات مختلفة متحمسون في شمال إفريقيا وفي منطقة الساحل للخلافة الجديدة، يضغطون على أمرائهم لمبايعة خلافة البغدادي، دول تحضر وتستعد لمواجهة تمدد هذه الخلافة التي ازداد التعاطف معها قوة بعد استهدافها من طرف التحالف العسكري الدولي في العراق وسوريا.
هذه هي الصور التي تتراءى للمراقبين المتتبعين لتمدد الدولة الإسلامية نحو منطقة شمال إفريقيا ونحو المنطقة الساحلية؛
هاتان المنطقتان الجاهزتان المزدحمتان بآلاف الشباب المتحمس للجهاد، والذي يدفعه خطاب المبشرين بالخلافة الإسلامية بالمسارعة نحو تأييد داعش واللحاق بركابها إن وجد لذلك سبيلا.
المحللون الغربيون يصعب عليهم تفهم إعجاب الشباب العربي والمسلم بتنظيم الدولة بشكل عام، فكثير من الناس يفترض أنه بسبب شبكات التواصل الاجتماعي، إلا أن هذه ليست بالأسباب الكاملة لإعجاب وانضمام مئات الشباب تاركين حياتهم للانضمام لقوات التنظيم في سوريا والعراق.
لذلك تجدهم يتخبطون في تفسيرات كثيرة بعضها عمومي بطريقة لا تصلح لإسقاطها على واقع الأمر، والآخر مجاف للحقيقة بصورة كبيرة، والثالث يصلح في حالات فردية لا تتماشى مع جماعية الإعجاب القائم اليوم.
فنظم التعليم والانهيار الاقتصادي والتفاوت الطبقي والرغبة في المغامرة والبحث عن تجربة جديدة وفريدة، محاور يدور في فلكها معظم المراقبين والمحللين، ولكنها تبقى في النهاية أسباب عامة لا تصلح في واقع شديد الالتباس تشظياته أكثر وأسرع من التقييم والمتابعة.
فداعش تجتذب مثقفين وأكاديمين وأثرياء وأوروبيين مرفهين وهذه نماذج تجعل من محاور التفسير غير صالحة.
واستقراء الواقع الإقليمي والدولي بصورة حيادية سوف يقودنا لأسباب أخرى غير تلك التي يحرص الغربيون على ترويجها وتسويقها عن هذه الظاهرة الصادمة لهم.
ومن أبرز هذه الأسباب ما يلي :
وهو الذي مثّل لحظة الذروة في تصادم الأحلام والطموحات الشبابية مع الواقع المرير بعد فشل الربيع العربي، فشباب ارتفعت طموحاتهم حتى عانقت عنان السماء، وداعبت آمال الحرية والنزاهة والعدل والحق والرخاء عندهم عباب السحاب، وفجأة تحولت الأحلام إلى أسوأ الكوابيس، وانحطت آمالهم إلى أسفل سافلين، وهم يرون انتفاضة الأنظمة الاستبدادية وتكاتف قوى الشر لعودة النظم السلطوية الفاسدة، والذي كان الانقلاب العسكري في مصر أبرز تجلياته وأفظع حقائقه، فعودة نظم الحكم الفاشلة التي أدت لتفاقم مشاعر الظلم، والإساءة المنهجية للمواطنين على أيدي حكوماتهم لم تقم سوى بتأجيج مشاعر الغضب وتسهيل حركة الشباب تجاه تنظيم الدولة، فعلى مدار عقود عاملت الحكومات العربية مواطنيها كتهديد لأمنها القومي؛ معرضة إياهم لمستويات فريدة من العنف.
فوفقًا لاستطلاع رأي حديث عقده معهد كارنيجي للسلام، فإن خمسة وخمسين بالمائة من المواطنين العرب لا يثقون بحكوماتهم ونخبهم السياسية، ويرى أكثر من تسعين بالمائة أن الفساد المالي والحكومي منتشر بالأجهزة الحكومية، بينما يرى أقل من واحد وعشرين بالمائة أن القانون يعامل كل المواطنين بالمثل.
ثانياً: فشل الحلول الديمقراطية والوسائل السلمية في حسم الصراع مع قوى الاستبداد ووكلاء الهيمنة والتبعية في الشرق الأوسط، فكثير من المؤمنين بحتمية الخيار الديمقراطي ومن المدافعين عنها حتى النهاية تجلت حقيقة الديمقراطية أمامهم بكل روعة وهي تدهس تحت جنازير الدبابات وتقصف بصواريخ الأباتشي، فكفروا بها كفرا أكبر، وطلقوا ثلاثا، ولعنوها ولعنوا أهلها، فقد تجلت الديمقراطية كواحدة من أكبر الخدع والحيل التي احتال بها الغرب الديمقراطي جدا على الشرق المسلم الساذج جدا من أجل صرف هذا الشرق البائس عن أهم مصادر قوته وهو دينه وكرامته وشريعته.
ثالثاً: انهيار المثل الأفلاطونية والساتياجراها الغاندية لصالح الكفاح المسلح والجهاد ضد الطواغيت والمستبدين، فقد تحوَّل الفقه السياسي الإسلامي – مع فشل الربيع العربي- من فقه يتحكَّم فيه خوفُ الفتنة وتسويغ الاستبداد إلى فكر يسوِّغ الثورة، ويجرد الاستبداد من كل شرعية دينية أو أخلاقية.
وهذا تطورٌ في تاريخ الأفكار له ما بعده في مسار التاريخ السياسي الإسلامي.فالجهاد الذي تفجَّر مع فشل الربيع العربي إحياءٌ لمذهب السلف القديم في الخروج على حكام الجوْر الخارجين على الأمة، وتحررٌ من ركام البدع السياسية التي تسوِّغ الخضوع للظلم والخنوع للضيم.
الربيع الذي بدأ مخملياًّ، سرعان ما تسربل بلون شقائق النعمان، لونِ الدم القاني، وهذا أمر يستثقله اليوم من استرخصوا ثمن الحرية ابتداءً، ويستغربه من قاسُوا مجتمعاتنا على مجتمعات أخرى لا تعاني ما نعانيه من تراكم الاستبداد، ونفوذ القوى الدولية، وانشطار الهوية الثقافية.
لكن هذا التحول من المسارات السلمية إلى المواجهات العسكرية –على فداحة ثمنه- دليلٌ بليغٌ على أن فشل الربيع العربي كان شرارة البدء للمفاصلة الجهادية وترك المسارات السياسية المخملية.
رابعاً: الطائفية والأيديولوجية:
فقد كان اللعب بورقة الطائفية حاضرا بقوة في مشهد إفساد الربيع العربي، فالتصدي القاسي للتظاهرات الرافضة للنظم الاستبدادية جاء بناءً على نزعة أيديولوجية وطائفية، وكان كافيًا لتأجيج التضارب المجتمعي أكثر وأكثر؛ مفاقمًا من الاحتقان والقطبية الاجتماعية والطائفية.
فالعنف المنهجي من قبل النظم السلطوية ضد المواطنين خلق شقوق عميقة في النسيج الاجتماعي مسببة الاغتراب للشباب الذي شعر بإمكانية تغيير المستقبل نتيجة للتظاهرات؛ باحثًا عن أسباب جديدة وأكبر للحياة والانتماء.
يظهر هذا واضحًا للعيان في كل من سوريا والعراق واليمن، فالتدخل الإيراني العسكري المتزايد بشكل غير مباشر في الدول العربية ما هو إلا تمظهر للخلاف التاريخي بين أهل السنّة والشيعة الرافضة، ويبعث برسالة شديدة السلبية، وهذه الرسالة لا تترجم عند ملايين السنة في العالم العربي إلا بالشكل التالي: "لقد أتى الشيعة للانتقام".
وبالنسبة للشباب السني الساخط فإن الانضمام لجماعة مجاهدة ذات قوة مبهرة على أرض الواقع هو نصرة للعقيدة والأمة، وتنظيم الدولة لا يفوت مثل هذه الفرصة في استخدام النزعات الطائفية والتأكيد على مشاعر الظلم لدى الشباب السني.
خامساً: جاذبية الخلافة؛
فحلم الدولة الإسلامية النموذج الذي تجمع مسلمي العالم تحت رايتها، وتطبق الشريعة في ربوعها، حلم كان ومازال يراود كثير من المخلصين الذين تؤرقهم العلمانية المتوحشة التي عليها مجتمعاتهم، لذلك كانت الخلافة الإسلامية الهدف الإستراتيجي الأهم والأبرز على أجندة جميع التيارات الإسلامية والجماعات المجاهدة، هدف يتفق عليه الجميع ولا يماري فيه أحد.
وعبر عشرات المحاولات لإقامة الدولة الإسلامية في الوقت الحاضر لم تنجح على الحقيقة سوى دولة "داعش".
وولادة هذه الدولة الجديدة هو أكبر تغيير على الجغرافيا السياسية للشرق الأوسط منذ تطبيق اتفاقية سايكس-بيكو بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، إذ أصبحت قبلة ومهجرا لكثير من الحالمين بالدولة الفاضلة التي تحكم بشرع الله، ولا يرى فيها أثر للخروج عن الأخلاق والفضائل والقيم.
وكل الحركات الجهادية الساعية لإقامة الدولة الإسلامية فشلت في تكوين دولة، وظلت كامنة في مرحلة الدعوة والمواجهة، بما في ذلك التنظيم الأم ـ القاعدة ـ الذي فشل أن يحقق ما حققته داعش على حداثة عمر داعش مقارنة بالقاعدة.
سادساً: بريق الإنجاز؛
فداعش تعتمد سياسة الإنجاز السريع والتخطيط الإستراتيجي، فميدانياً هي تتحرك بحرفية عالية وبرجماتية ظاهرة، وقد مزجت بين الأساليب العسكرية التقليدية والعمل الجهادي التقليدي والعلاقات القبلية وهيكل قيادي بدرجة عالية من التنظيم.
ويرجع "النجاح المذهل" للدولة الإسلامية عند اجتياح مقاتليها لشمال العراق وسوريا، إلى بنية شديدة التنظيم تسيطر عليها دائرة قيادية ضيقة ومتماسكة يستبد بها الغلو والتشدد تعلمت من أخطاء أسلافها في تنظيم القاعدة.
هذه النجاحات الميدانية والحسم في مواجهة الخصوم والقسوة المفرطة في التعامل مع الأعداء يجتذب كثيراً من الشباب الذين يرون دماء المسلمين وجثثهم تملأ الشوارع والطرقات في شتى بقاع الأرض من تايلاند وبورما والصين شرقا إلى أفريقيا الوسطى غربا، ناهيك عن الملايين بين قتيل وجريح في سوريا والعراق وفلسطين ومصر وليبيا، كما تجتذب كثير من المقهورين الذين يرون أنفسهم عاجزين عن التصدي لهيمنة الصهاينة وعربدتهم في فلسطين والأقصى دون حسيب ولا رقيب، بالجملة داعش تمثل لكثير منهم مصدر عزة وفخر وقوة ــ رغم غلوهم الظاهر ــ أمام عربدة وتطاول الخصوم والأعداء.
سابعاً: فقد الثقة في الغرب نهائياً؛
فقد قام الغرب وجيوشه بالتدخل في العراق وليبيا واليمن والصومال، ولكنه فشل في دعم التظاهرات السلمية في سوريا والمطالبين بالديموقراطية في مصر والراغبين في بناء الدولة في ليبيا؛
وكل هذا لا يمكن فهمه إلا في إطار النوايا الخبيثة للغرب فيما يخص المنطقة، تاركًا الخلافة الإسلامية كبديل ذي قوة ووجاهة لاستعادة كرامة وحقوق العرب والمسلمين.
فالغرب وأمريكا التي تتغني بالدفاع عن حقوق الحيوان قيل الإنسان تتلكأ في نجدة السوريين لثلاثة أعوام وهم يقصفون بشتى أنواع السلاح بما في ذلك الكيماوي والمحرم دوليا، ثم تجييش العالم كله ضد تنظيم جهادي بدعوى أنه يهدد المنطقة تاركة الأسد دون أدنى عقاب، وأمريكا التي تتحكم في المؤسسات والهيئات الدولية تدفعها للتنديد بأوضاع حقوق الإنسان في مصر، ثم ترسل وفدا مكون من 250 من كبار رجال الأعمال لفتح استثمارات تدعم وضع سلطة الانقلاب بأكثر من عشرين مليار دولار!
هذه السياسة الأمريكة المتناقضة فسرها لنا أدوراد لوتواكْ – وهو منظِّر استراتيجي أميركي يهودي- يوم 24 أغسطس 2013 في صحيفة نيويورك تايمز.
ففي مقال بعنوان (في سوريا: ستخسر أميركا إذا كسبَ أيٌّ من الأطراف) كتب لوتواك: "إن الاستنزاف الطويل الأمد في هذه المرحلة من الصراع هو المسار الوحيد الذي لا يضرُّ المصالح الأميركية"، وختم بنصيحة لصانع القرار الأميركي قال فيها: "سلِّحوا المتمردين كلما بدا أن قوات السيد الأسد في صعود، وأوقِفوا دعمهم كلما بدا أنهم سيكسبون المعركة".
كل هذه الازدواجية الكاشفة دفعت الشباب لخيار الدولة الإسلامية التي تبدو للعالم كله أنه بصدد تحدي أكبر تحالف دولي شهده التاريخ ضد العالم الإسلامي.
بل حتى الذين لا يحبون «داعش» يتعاطفون معها في مواجهتها للولايات المتحدة وللتحالف العسكري الغربي، فتنظيم القاعدة بدأ بعدد قليل من الناشطين في أفغانستان وبفعل معاداة الولايات المتحدة له انتشر في مواقع كثيرة في العالمين العربي والإسلامي. مفكرة الإسلام
مجموعة علماء
محمد العبدة
محمد حسن العلي
محمد حايك
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير