..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

شكل الدولة: (نظرة اسلامية)

مروان عبد الرحمن القادري

٦ ٢٠١٤ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 3201

شكل الدولة: (نظرة اسلامية)
00.jpg

شـــــارك المادة

مقدمة: لابد أن نعلم من البداية أننا اليوم نعيش في سوريا ثورة وأحداثا جساما تتطلب وعيا استثنائيا قادرا على التعامل مع معطياتها الشرعية والواقعية بكفاءة عالية، لأنها محكومة بكثير من الاجتهادات المتباينة وبخاصة فيما نحن فيه من تشكيل الرؤية الإسلامية السياسية لواقع الثورة ومآلاتها، وهنا لابد من مراعاة التناقضات الفكرية والدينية والسياسية بشكل يوفر الحد الأدنى من التوافق والتعايش السلمي وتعظيم مفهوم السياسة الشرعية في تحقيق المصالح ودرء المفاسد. 

 

 

إذ إن معظم الأ حكام الشرعية فيما يتعلق بالحكم قائمة على اجتهادات بشرية محكومة بنص ظني قابل لتعدد الاجتهادات فيه، أو حالات لم يرد فيها نص قطعي أو ظني فيقوم الاجتهاد فيها على أساس القواعد الشرعية المستنبطة من استقراء النصوص و مقاصد الشريعة.
قال الامام الجويني في غياث الأمم صفحة 89: ومعظم مسائل الإمامة عرية عن مسالك القطع خلية عن مدارك اليقين. انتهى كلامه
وقال أيضا في صفحة 80 منه: ومعظم القول في الولاة والولايات العامة والخاصة مظنونة في التآخي والتحري.
وهذه رؤيتي لشكل الدولة من منظور اسلامي وتبقى رؤيتي هذه مجرد وجهة نظر قابلة للنقاش وبالله التوفيق

مقدمة: وجوب الحكم بما أنزل الله
يجب أن نحكم بما أنزل الله كما قال الله تعالى: {وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ} (49) {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ} (50) سورة المائدة
وقال سبحانه: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} (44) سورة المائدة {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (45) سورة المائدة  {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (47) سورة المائدة   {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} (18) سورة الجاثية  {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا} (65) سورة النساء
وإذن نحن يجب أن نحكم شرع الله لنحقق لأنفسنا صفة الاسلام أولا ، وهذا المعنى من لوزام التوحيد ومقتضى شهادة أن لاإله إلا الله وأن محمدا رسول الله
أما شكل الدولة في المستقبل:
أولا: فهي دولة ذات مرجعية إسلامية
الدولة المسلمة ليست دولة ثيوقراطية يتكلم فيها علماء وحكام الإسلام بالحق الإلهي مدعين العصمة وعدم الخطأ، وعدم قبول المراجعة، وليست كذلك بالدولة العلمانية التي تفصل بين الدين والدولة الدين للآخرة و العقل للسياسة وترفض المرجعية الاسلامية في الحكم.
أبو بكر الصديق رضي الله عنه الخليفة الأول قال: يا أيها الناس إني قد وليت عليكم ولست بخيركم فإن أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقوموني، الصدق أمانة والكذب خيانة، الضعيف فيكم قوي عندي حتى آخذ له حقه، والقوي ضعيف عندي حتى آخذ منه الحق إن شاء الله تعالى، لا يدع أحد منكم الجهاد فإنه لا يدعه قوم إلا ضربهم الله بالذل، أطيعوني ما أطعت الله ورسوله فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم قوموا إلى صلاتكم رحمكم الله.  الكامل في التاريخ ج 2 ص 195
وقد ورد في الحديث الصحيح الذي رواه أحمد ومسلم والأربعة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوصي أمير الجيش فيقول له: (وإذا حاصرت أهل حصن وأرادوك أن تجعل لهم ذمة الله وذمة نبيه فلا تجعل لهم ذمة الله ولا ذمة نبيه ولكن اجعل لهم ذمتك وذمة أصحابك فإنكم إن تخفروا ذممكم وذمم أصحابكم أهون من أن تخفروا ذمة الله وذمة رسوله وإذا حاصرت أهل الحصن فأرادوك أن تنزلهم على حكم الله فلا تنزلهم على حكم الله ولكن أنزلهم على حكمك فإنك لا تدري أتصيب حكم الله فيهم أم لا) نعم هكذا لايتكلم قائد الجيش عن الله لأنه لايدري أيصيب حكم الله أم لا طالما أنه لايوحى إليه.
ولايوجد أوضح وأكثر بلاغة من هذا الكلام الذي يؤكد أن حاكم الدولة المسلمة لايتكلم بالحق الالهي وإنما هو بشر يصيب ويخطئ وعلى الأمة أن تراقبه وتراجعه وتنصحه بل وتعزله إذا لم يقبل التقويم.
ثانيا: دولة تعتمد الشورى في جميع المجالات:
الشورى من ثوابت الحكم في الدولة الاسلامية في السلم والحرب، فكل القيادات تعتمد الشورى وأرجح أن تكون ملزمة وليست معلمة فقط، قطعا للاستبداد في الرأي، واستفادة من وجود الأكفأ، وتفعيل طاقات أهل الاختصاص للمشاركة في صناعة القرار.
قال تعالى: (وشاورهم في الأمر) ( وأمرهم شورى بينهم ) وللأهمية لهذا المبدأ سميت سورة من القرآن الكريم بالشورى .

ثالثا: دولة تعاقدية بين الشعب والسلطة:
فالدولة الاسلامية التي نطالب بها ، أو نسعى إليها ، تقوم على الاختيار الحر المعبر عن إرادة الأمة. وأجمع مجتهدو الفرق كلها ماعدا الشيعة على أن طريق الإمامة هو الاختيار والاتفاق . والإمامة عقد بين الإمام والأمة ممثلة بأهل الاختيار (الحل والعقد) . والأمة مصدر السلطات ، تختار الحاكم وتراقبه وتعزله ضمن ضوابط شرعية تبين حقوق وواجبات الحاكم والمحكومين.
رابعا: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من ثوابت الدولة:
ضمن ضوابط صارمة يمارس المسلمون هذا المبدأ العظيم بضوابطه الشرعية الصارمة كما يعلمها أهل الاختصاص ، ولهذا المبدأ مفاهيم و آليات غايتها الممارسة الصحيحة ، للحفاظ على ثوابت الأمة المسلمة من التجاوز أو التمييع بالسكوت عن المخالفات التي تضر بالضرورات الخمس ، وقد أعطي هذا الحق لكل مسلم يفهم مبادئه وضوابطه وآلياته .
خامسا: دولة تعايش بين جميع مواطني الوطن:
المواطن هو الفرد الذي ينتمي إلى كيان سياسي ( دولة ) ، وتشمل من حيث الدين ( المسلم ، المسيحي ، اليهودي ، المجوسي ، الوثني ... إلخ ). كما تشمل من حيث العرق ( العربي ، والكردي ، والأرمني ، والشركسي ، والشاشاني ، والفارسي ، والأوربي ، والأميركي .....إلخ ) شريطة أن يعطي هؤلاء جميعا ولاءهم للوطن المسلم. وقد كانت وثيقة المدينة خير مثال على أن الدولة المسلمة دولة تعايش مع غير المسلمين.
قال سبحانه: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} (8) سورة الممتحنة
دولة يمثل الأمة فيها أهل الحل والعقد:
ففي بيعة العقبة الثانية طلب الرسول صلى الله عليه وسلم من المسلمين المدنيين أن يخرجوا له نقباءهم ( ممثليهم ) وقد اختاروا اثني عشر نقيباً كانوا كفلاء على قومهم. وأهل الحل والعقد، هم الذين يمثلون الأمة في اختيار الحاكم ، وهم الذين يخلعونه إذا لزم.
سادسا: دولة تقبل التداول على السلطة:
فمن التداول اشتق العرب كلمة (دولة)، والتعددية السياسية تؤدي إلى التداولية، وهي المقابل لحالة (الملك العضوض). بدلاً من الاختيار الحر. وهي المقابل الموضوعي أيضا لحاكم مدى الحياة نجح أو أخفق. [إن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني، أطيعوني ما أطعت الله فيكم، فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم].
سابعا: دولة مؤسسات:
أي فيها مؤسسات رسمية تقوم بخدمة الشعب، وتستبعد التسلط الفردي والمصالح الفردية أو الفئوية، و تدعو للجهد الجماعي، ويتم العمل فيها بروح الفريق، ويتولى أصحاب الاختصاص مهامهم في كل ميدان وفي إطار مؤسساتهم ، فيتحول الجيش مثلا إلى جيش وطني ( غير فئوي ) يحمي الوطن ( كل الوطن ) ، وتتحول المؤسسة الأمنية إلى مؤسسة تحمي حرية كل المواطنين ،..
دولة المساواة أمام القانون الاسلامي لتحقيق العدل:
قال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقَيرًا فَاللّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} (135) سورة النساء
وقال : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} (8) سورة المائدة
عن عائشة رضي الله عنها أن قريشا أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت فقالوا من يكلم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقالوا ومن يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد حب رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمه أسامة . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أتشفع في حد من حدود الله ؟ ثم قام فاختطب ثم قال إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها . متفق عليه ..
ثامنا: دولة الحريات لجميع مواطنيها:
متى استعبدتم الناس وقد ولتهم أمهاتهم أحرارا قالها عمر الفاروق رضي الله عنه لعمروبن العاص قائد الجيش الاسلامي الفاتح لمصر، وهذه الحريات الفردية والعامة محكومة بضوابط الشريعة بحيث يمارسها جميع المواطنين على اختلاف أديانهم وإثنياتهم في حدود الشريعة التي تحفظ حقوق الجميع، وهي ليست مطلقة وإنما مقيدة بالشرع. وكذلك تشكيل الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني.
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع