..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

البداية من سورية... للتقارب مع إيران

عبد الوهاب بدرخان

١٢ ٢٠١٣ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 3650

البداية من سورية... للتقارب مع إيران
الوهاب بدر حان 000.jpg

شـــــارك المادة

لكي يكون تقارب وانفراج، حوار وتطبيع، بين دول الخليج وإيران، لا بد للجانب العربي من أن يعرف أولاً مع أي ايران يتعامل.
فإيران «الجديدة» لم تتضح معالمها بعد، أما التي اختُبرت طوال الخمسة والثلاثين عاماً الماضية فتثير الشكوك والمخاوف بهياجها المنهجي، المنفلت أحياناً كثيرة، خصوصاً في ممارسات ميليشياتها في لبنان والعراق.

 


ايران - «تصدير الثورة» بالغت بإثارة النعرات المذهبية في خطابها، وبالعدوانية والاستكبار في سلوكها، الى حدّ أنها استقرّت في اذهان العرب كـ «اسرائيل ثانية» تدّعي العداء للأولى وتريد محوها من الخريطة، لكنها تؤدي الوظيفة والدور نفسيهما، بل تقوم بما هو أخطر اذ تحقق أحلام اسرائيل بتقسيم العالم العربي وتفكيكه دويلات وأقاليم مذهبية.
المؤكد أن التقارب والتعاون والتطبيع مطلوبة، والأكيد أن المنطقة العربية مقبلة عليها.
ذاك أن ايران - على رغم كل الأضرار التي أحدثتها، وعلى رغم أن العرب لم يكونوا في أحلك أيام هزائمهم أمام اسرائيل على هذا الانكشاف الاستراتيجي كما هم اليوم بفعل الاختراقات الايرانية - بادرت إلى إظهار شيء من الاختلاف عن اسرائيل.
ففيما تواصل الأخيرة تصعيد المتطرفين إلى حكوماتها، أنتخبت إيران رئيساً وضع، قبل انتخابه وبعده، الرغبة في إصلاح العلاقات مع الجوار الخليجي بين أولوياته.
ثم أخذ وزير خارجيتها على عاتقه تطبيق سياسة انفتاحية، وإذ بدا استعجاله من قبيل حسن النية، فإنه مضطر للاعتراف بأن الواقع أكثر تلبّداً مما يعتقده وأكثر تعقيداً من الحفاوة الطبيعية التي يُستقبل بها في هذه العاصمة أو تلك.
فلا أحد يصدّق أن النيات الحسنة بضاعة إيرانية، أو أن المسألة تتعلّق فقط بإظهار استعداد طيّب لمستقبل أفضل بين العرب والفرس، بل بالحد من الجموح والاستهتار اللذين أوديا بعلاقات مكوّنات المجتمعات العربية الى مهالك كارثية، بل يدفع بسورية الى الانهيار والتفكك.
هذا لا يعني أبداً أن العرب يضعون شروطاً تعجيزية، على الإيرانيين تلبيتها كي يتأهلوا للتطبيع معهم، ونقول «التطبيع» استدعاءً لمصطلحات لم تُستخدم إلا مع الاسرائيليين.
فسياسات الإيرانيين ذهبت أبعد بكثير مما استطاع الاسرائيليون إفساده، وباتت تستوجب «تطبيعاً» بين عراقيين وعراقيين وبين لبنانيين ولبنانيين وبين فلسطينيين وفلسطينيين، ولا ننسى السوريين طبعاً...
وفي غمرة الاحتفالات المبكرة بـ «الانتصار» في تحصيل الاتفاق النووي مع الدول الكبرى، تنسى طهران أن هذا «الانتصار» لم يكلّف الدول الكبرى بمقدار ما كلّف الشعب الإيراني ومعه شعوب عربية أثماناً دفعتها من أمنها واستقرارها وتعايشها. ولذلك، فإن اتفاق وقف «برنامج صنع القنبلة النووية» هو أولاً لمصلحة هذه الشعوب.
بالنسبة إلى الحكومات العربية، ليست المشكلة في هذا الاتفاق، بل في اعتقاد إيران أن الاعتراف بحقّها المشروع في تخصيب اليورانيوم يعني أيضاً اعترافاً بـ «حقّها» في «تخصيب النفوذ» حيثما زرعته واستثمرت فيه.
ولأن العرب والفرس ليسوا في حال حرب مفتوحة ومعلنة إلا من جانب واحد هو الفارسي فحسب، فمن الواجب والضروري سعياً إلى الشفافية أن تجيب إيران عن تساؤلات تطرح نفسها تلقائياً:
ما الذي تبغيه من هذا «النفوذ»؟
وهل هي مدركة الأضرار التي تسببت بها من جراء سياساتها؟
وإذا كانت تمدّ يدها الآن لتقاربٍ، مرحّبٍ به في أي حال، فهل تعني أنها في صدد طلاق بائن مع الممارسات التي دأبت عليها منذ «الثورة»؟
أم أنها تريد التقارب لإضفاء مشروعية على وقائع «النفوذ» مع الإبقاء عليها بأمراضها واعتمالاتها؟
وأخيراً، هل أصبحت استراتيجيتها أن تكون دولةً «طبيعيةً» مساهمةً في الاستقرار الاقليمي؟
ثمة إشكالات وغوامض لا بدّ من جلائها، ومنها تحديداً أن دول الخليج بكل مستوياتها لم تعدّ مستعدّة لقبول فكرة «ايران شرطي الخليج» حتى ولو بتكليف اميركي.
لا بدّ للتقارب بين الخليجيين والايرانيين من حوار بين جيران وأنداد على قاعدة الاحترام المتبادل والاعتراف المتبادل بالمصالح وضرورات التعاون.
ومن البديهي أن مرحلة بناء الثقة تتطلّب مصارحة حول وقائع سابقة وتطلعات مستقبلية لعل أهمها:
1) تجاوز الأحقاد التي خلّفتها الحرب العراقية - الايرانية وما سبقها وتخللها وتلاها من تورّط وردود فعل أقدم عليها الجانبان، وكان مبعثها الأساس أن «الجمهورية الاسلامية» لم تشأ بناء ثقة مع الجوار ولم تأخذ في الاعتبار تركة حقبة الشاه واحتقاناتها في المنطقة.
2) منذ انتهاء تلك الحرب وبعدها حرب تحرير الكويت، قبل نحو ربع قرن، لم تكن هناك مشاريع عدوانية عربية - خليجية ضد ايران، التي دخلت على العكس مرحلة اختراق المجتمعات العربية، لذلك حان الوقت كي توضح إذا كانت مقبلة على العمل كدولة تحترم القوانين الدولية أم تريد الاستمرار في ايديولوجية «تصدير الثورة» التي تلقّن أتباعها «ثقافة الغزوات» بكل حمولاتها الدموية والمذهبية.
3) ضرورة «تنظيف» مفاهيم العمل التي سادت خلال العقود الثلاثة الماضية، وأبرزها نهجا «التشييع» و «التسليف» اللذان يتواجهان اليوم كما في أسوأ الحروب الغابرة.
4) اعتبار حقوق الشيعة شأناً داخلياً في أي دولة، وعليها أن تقوم فيه بواجباتها كاملةً ووفقاً لمعايير المواطنة وحقوق الانسان، أما اعتباره شأناً يبرر لإيران التدخل وتشكيل الميليشيات هنا وهناك، فهذا يفتح أيضاً ملفات لا تقتصر على السنّة وحدهم في ايران نفسها.
5) اعتبار الاقليم بيئة تعايش سلمي يحقق مصالح الجميع بعيداً من نوازع الهيمنة والشحن المذهبي والتدخل في الشؤون الداخلية للآخرين، والأهم أن تتمكّن ايران من التخلي عن أجنداتها الخفية.
انطلاقاً من ذلك، لا بد من أن يشمل تطبيع العلاقات الخليجية - الإيرانية بتّ ملفات كثيرة زرعت فيها إيران أحقاداً وانقسامات تستلزم عقوداً لتجاوزها.
لكنها تعتقد أنها حققت «إنجازات» وتريد استخدامها في المساومات على «نفوذها»، ومنها:
1 – وأولها مشاركتها المباشرة في تدمير سورية، وكأنها تقصّدت تدمير رمز العروبة والاسلام الوطني الحضاري من أجل نظام بائس لا يمكنه البقاء بعدما انكشفت حقيقته الفئوية، أو دفعاً لـ «مؤامرة» على «نهج المقاومة والممانعة» وكأن هذا النهج تحصّن بمشاركة ايران وأتباعها في قتل الشعب السوري.
2 – إنهاء الوضع الشاذ الذي أدى إلى تقسيم شعب فلسطين وما تبقّى له من أرضها، فقط لأن «معسكر الممانعة» أراد أن يثبت وجوده ولو بالعبث بهذه القضية العربية والمقامرة بها على موائد «النفوذ الايراني».
3 – التدخل الايراني في لبنان ألحق أكبر الأضرار بصيغة التعايش وبمكانة الدولة، والإيرانيون متهمون بالمشاركة عبر «حزب الله» في الاغتيالات السياسية وفي ادامة نظام «الوصاية السورية»، ما ألهب الانقسامات في هذا البلد.
4 - إحقاق الحق في العراق وترك العراقيين يتوصلون الى التعايش والتوافق، وعدم السعي إلى إخضاع العرب من سنّة وشيعة لهيمنة الفرس ولإرهاب المتفرّسين.
فأن يكون لإيران نفوذ، هل يعني أن تستنسخ ديكتاتوراً دمية تحرّك خيوطها وتمنع العراقيين من الخطو نحو حياة طبيعية؟
5 – رفع اليد عن المعارضة الشيعية في البحرين لتتمكّن من إيصال الحوار الوطني إلى خواتيمه السلمية والاصلاحات التي تتيح لها الانخراط أكثر في تعزيز المواطنة، بدل حقنها بأوهام «تغيير النظام» أو «أرينته».
6 – جلاء ملف التدخل في اليمن، فهل «النفوذ» الإيراني هناك لنصرة الحوثيين المارقين أم الجنوبيين الانفصاليين أم فقط للضغط من أجل بعثرة اليمن وتحويله أشلاء دويلات؟
7 – حسم النزاع على الجزر الإماراتية المحتلة، خصوصاً أن الإمارات حدّدت خيارين منصفين:
فإما حل بالتفاوض الثنائي وإما الاحتكام إلى المحكمة الدولية.
8 – التوافق على عدم العبث بورقة الإرهاب وتنظيم «القاعدة، وبالتالي أن تكفّ إيران (والنظام السوري) عن استخدام المجموعات الإرهابية بغية «أفغنة» سورية أو «صوملتها»، ومن ثم تهديد دول الخليج بها من خلال اليمن وغيره.
ولعل خلايا التجسس الإيرانية في دول الخليج تأتي أيضاً في هذا السياق.
قد تقرأ إيران اتجاه علاقاتها مع الولايات المتحدة نحو الانفراج بأنه يمنحها ضوءاً أخضر لمتابعة السياسات نفسها كما مارستها خلال الفترة الماضية، لكنها تريد تغطيتها بانفراجات شكلية وموضعية مع الخليجيين وعرب الشرق الأوسط.
هذه هي الوصفة التي ستجعل العلاقات في صيغة صراعية دائمة. فالتقارب الحقيقي ينتظر مبادرات إيرانية، ولكي تكون ذات معنى وصدقية، فالأحرى بها أن تبدأ من سورية. أما الإصرار على إقامة «الهلال الشيعي» فيعني عدم التخلي عن أحلام الهيمنة وأحلامها، وهذا لن يكون في مصلحة إيران ولا في مصلحة جيرانها.


الحياة

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع