..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

على أعتاب التدخل الغربي

عبد الله محمد المحيسني

٦ ٢٠١٣ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 3148

على أعتاب التدخل الغربي
بن محمد المحيسني0000.jpg

شـــــارك المادة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، محمدٍ وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد:
إلا سوريا.. ولو ثارت الدنيا كلها فلن تثور سوريا!!
نعم؛ فالقبضة الأمنية التي يملكها النظام.. بالغة الإحكام!!

 


وأحداث حماه مازالت عالقة في أذهان العوام.. مهما تعاقبت الأعوام..!!
هكذا قال بعض الناس.. بل هكذا اعتقد كثير منهم..
فكم أذاق هذا النظام –في عهد الأب الظالم والابن الغاشم– أبناء الشعب السوري الـمُضطهد المظلوم صنوف العذاب، وأنواع التنكيل، وكم ارتكبوا من مجازر ومذابح دوّت منها الأمة، وضج منها العالم، وسُوّدت بها صفحات التاريخ!!
وبالمقابل:
ماذا صنع هذا النظام البائس البائد فيما مضى، أو ماذا عساه يصنع فيما بقي من أنفاسه المعدودة مع اليهود، وقد احتلوا الأرض، وانتهكوا العرض، ولا يزال عباس يصقل سيفه، ويمنُّ على الناس بحكاية المقاومة الأسطورية – ضد إسرائيل - التي لا تُقاوَم!!     
بل والله لقد كان أشد على المسلمين وأجرأ منهم!!
وصدق القائل:

أسدٌ عليّ وفي الحروبِ نعامةٌ *** فتخاءُ تنفرُ من صفير الصافرِ

ولكن إذا قضى الله أمراً فلا رادّ لقضائه، ولا مُعقّب لحُكمة، وإذا أراد الله شيئاً هيّأ أسبابه، فهو الذي يؤتي الملك من يشاء، وينزعه ممن يشاء، ويُملي للظالم حتى إذا أخذه لم يُفلته {إنّ أخّذَه أليمٌ شديد}..
لقد قامت الثورة السورية، بينما كان دهاقنة النظام النصيري يزعمون أنهم أصلب عوداً، وأكثر جنوداً من أن يثور في وجههم أحد، {وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا}.. نعم؛ لم ينفعهم مكر الليل والنهار، وصدق الله: {قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ...}..
ومَن هم هؤلاء أمام جبروت فرعون والنمرود وغيرهما ممن جعلهم الله أحاديث تُروى، وقصصاً تُحكى، حيث صاروا أثراً بعد عين؟!
لقد كانت الثورة السورية تسير بتقدير إلهي عجيب، فقد بدأت كأي ثورة سلمية، ولم تكن لتحظى بإجماع أو غالبية، ولو حمل الثوار حينها السلاح لفقدوا ما كان معهم من شعبية وتعاطف، فما زالوا مستمسكين بسلميتهم والنظام يطغى عليهم، وهو بذلك يفقد تعاطف الناس شيئاً فشيئاً، حتى بلغ السيل الزُّبى، وضاقت السُّبُل، ونفد الصبر، وتمادى هذا النظام كما هي عادته في القتل والتعذيب، ولم يكن أمام الثوار إلا الخيار الأخير، وهو حمل السلاح للدفاع عن أنفسهم وأعراضهم وذويهم، فكان حالهم حينها كما قال القائل:

إذا لم يكن إلا الأَسِنّة مركبٌ *** فما حيلةُ المضطرِّ إلا ركوبُها

وكل ذلك يجري عفواً بلا تخطيط أو تدبير مُسبق، بل يدبّرهم المدبّر سبحانه، ومن العجيب أن النظام الغاشم قام بإطلاق سراح سُجناء صيدنايا قبل بدء الثورة بأيام، ولا يخفى كم في هذا السجن من صناديد أبطال، وأصبح منهم غالب قادة الكتائب الإسلامية التي تذيق النظام الويلات الآن وكأن الله قد هيأهم لهذا اليوم، ومن يتأمل هذه المجريات وما بعدها يجد عجباً من توفيق الله لهذه الثورة، وكأنك تتمثل قول المصطفى صلى الله عليه وسلم: ((إن الله تكفّل لي بالشام وأهله)) رواه الطبراني ورجاله ثقات.

وما زالت قوة المجاهدين يشتدُّ عُودُها، وتُبرق رعودُها، وبدأ سيل الانشقاقات يتدفق، والبشائر تتحقق، وتكونت قوة لا يُستهان بها، ولو أن النظام الدولي تدخل آنذاك لكان أقرب إلى مراده في الشام، فلم تكن العقيدة القتالية في بداية الأمر موجودة لدى كثير من الثوار إلا عقيدة تحرير الوطن، ولكن تجلّى تكفُّلُ اللهِ بالشام ثانية، فمع طول أمد الحرب رجع الناس إلى ربهم، وانقطع رجائهم إلا به سبحانه، ورفعوا شعارهم المبارك، الذي سمعه ورآه الناس: ((ما لنا غيرك يا الله))، وأكرِم به من شعار، لا يخيب مَن رفعه صادقاً!
لقد استمر الجهاد يروي بدماء أبطال الشام شجرة العقيدة، التي تكونت لدى الغالبية المقاتلين في الميدان.
إنها عقيدة: أن القتال ليس لإسقاط بشار فحسب، بل لإعادة الشام إلى مجدها التليد، وعزّها الأكيد، ومكانتها الإسلامية، وصمودها التاريخي؛ لتحكم الشام إن شاء الله بشرع الله، وشرعُ الله فحسب.
وكان الذين خرجوا من سجون النظام، ومن درسوا في الجامعات الاسلامية ومحاضن العلم في شتى بقاع الارض، وكذا من هاجر إلى الشام للجهاد؛
كان لهؤلاء نصيب الأسد في ذلك، اعتقاداً وعملاً، وتوعيةً ودعوة، فانتشرت هذه الفكرة انتشار النار في الهشيم، حتى لا يكاد يقاتل في الميدان حقيقةً الآن إلا من يريدها إسلامية لا مدنية، سماويةً لا أرضية، وهم -كما أسلفت- غالب من في الميدان، على تفاوت تصوّرهم لقيام دولة إسلامية في الشام..
هذا الواقع المخيف بالنسبة للغرب وحلفائه جعله يفر للأمام ليؤخر تدخله، وهو الأمر الذي شدّ من عُود المجاهدين أيضاً ورتّب صفوفهم، فأدرك الغرب حينها حتمية المواجهة التي فرّ منها في البداية، وكان قد أعدّ عُدّته بتدريب جيش وطني في الأردن وبعض المناطق المجاورة؛ ليُقحمه في الصراع إذا ما حانت ساعة الصفر!
ولقد بدأ الغرب ساعته بضربه كيماوية نفّذتها استخباراته؛ ليجد مبرراً أمام الرأي العام العالمي للتدخل العسكري بأي صورة من الصور، ولا أستبعد أن يفرّ الأسد وعائلته قريباً إلى إيران ليتفرغ الغرب إلى مقابلة عدوّه الحقيقي المجاهدين في سبيل الله.

فالغرب يدرك يقيناً أنه لا وجود له ولا نجاح إلا بعد إسقاط بشار، ثم إقامة حمله واسعة ومنظمة لتشوية المجاهدين، ليفقدوا حاضنتهم الشعبية، وجماهيريتهم بين الناس، ومن أجل ذلك تنشط العربية وأخواتها –كما هو معروف- لافتعال قصص خيالية، وحكايات مختلقة، وأفلام مفبركة، وإلصاقها بالمجاهدين، وأيضاً عمليات اغتيال في أوساط الكتائب الإسلامية لضرب بعضها ببعض، فإذا نجح الغرب وأذنابه في ذلك لا قدّر الله الكريم الرحيم سبحانه؛ سَهُلَ عليهم الدفع بالجيش الوطني بقيادة الجربا أو غيره، مع تسليحه بأنواع الأسلحة الحديثة، الثقيلة والخفيفة، وإيهام الناس بأن هؤلاء هم دعاة السلام والاستقرار، وإعادة البناء والإعمار، وهم من أهل البلد وأبناء المجتمع نفسه، فإذا أراد الناس عيشة كريمة، وعدالة وتنمية، فليقفوا مع هذا الجيش!!
بل إن العدو – ولخبرته الطويلة في هذا المكر الكُبّار، وكما حصل منه ذلك في حوادث سبقت – لا يُستبعد أن يقوم بتعميد تلك الدعوات والدعايات عن طريق استجداء الفتاوى المعلّبة من بوطيين جُدد، ليقطف ثمرة شجرة باسقة، طالما سُقيت بدماء طاهرة زكية، لا كان له ذلك إن شاء الله..

وختاماً: هذه مناشدة لأسيادنا آساد الاسلام ورجاله:
أيها الكُماةُ الأبطال: إنكم قد أبليتم ونعم البلاء، وأذقتم عدوّكم البأساء والضراء، والشدة واللأواء، فشفيتم واشتفيتم:

وَعَلَوْتُمُ العَلْيَا فَكُنْتُمْ أَوَّلاً *** وَالأَوَّلُونَ مِنَ الرِّجَالِ قَلائِلُ
وَزَهَتْ بِجَمْعِكُمُ السَّرَاةُ وَغَرَّدَتْ *** وَتَرَنَّمَتْ حمصٌ وَغَنَّى السَّاحِلُ

وإنّ الأمة اليوم تُعلّق عليكم آمالاً عريضة، وطموحاً كبيرة، وإن معركة الشام اليوم هي معركة الأمة، ولها ما بعدها، نعم؛ بل هي إشراقة الجهاد والعزّة في هذا القرن بإذن الله، فاقطعوا الطريق على الأعداء المتربصين، وفوِّتوا الفرصة على الأوغاد المتآمرين، بأن تُتوِّجوا ما قدّمتم من تضحيات، وتُكملوا ما صنعتم بفضل الله من انتصارات، عن طريق تشكيل مجلس شورى عاجل؛ يتم من خلاله اختيار رجل ترضونه، كي تبايعه جميع الكتائب الفاعلة، والفصائل المجاهدة المقاتلة، وتتّحد كلمتها عليه؛ فقد سئم الناس رجال الفنادق، واشرأبّت أعناقهم نحو رجال الخنادق.. ومن عساهم سواكم!!
ولكن عليكم أن تتذكروا جيداً أن الناس لا يعدلون بالأمن والسلامة شيئاً، لا سيما بعد أن عضّتهم الحرب بأنيابها، وأنشبت فيهم أظفارها ومخالبها، فهُم في الجملة يسعون للخلاص من ويلاتها، ويفرّون من لفحها وسمومها بأي وسيلة تُتاح لهم، أو فرصة تلوح أمام ناظريهم!
وعليه؛ فإن المقاتل لا يكتفي بهدم صرح الباطل حتى يسعى لبناء صرح الحق شامخاً، وإلا فما فعل شيئاً حين يترك لأعدائه –وما أكثرهم– أن يهتبلوا الفرصة، ويقطفوا ثمرة الكفاح والنضال، والجهاد والقتال، يانعة دانية، ويتربعوا على عرش النصر، كما قيل: الثورات على الباطل يضحي فيها الأبطال، ويقطف ثمرتها الأنذال!!
إن أول ما ينبغي عليكم في خضمّ هذه الأحوال والأهوال، أن تبادروا إلى ذلك، لتُخرسوا ألسُناً لما يسوؤكم توقعت، وتقطعوا رقاباً إلى ما يضرّكم تطلّعت..
إنكم -أيها الأشاوس- إذا لم تقدّموا حلاً لما بعد سقوط النظام، وتُفوّتوا الفرصة على عدوّكم، وتتحدوا على رجل منكم؛ خشينا أن يتقبّل الناس زُخرف قولهم، وينطلي عليهم زائف حلولهم، وحينها فلن تقبلوا أنتم أن تقاتلوا أهليكم بعد أن كنتم سلاحهم بالأمس، وكانوا ذخراً لكم وسنداً وعوناً!

أيها المجاهدون:
إن قتال عدوّكم بالسنان والسلاح، لا يفوق جهاد نفوسكم ولو على أثرة عليكم!
فمتى يا آساد الإسلام تعلنوها أمام القاصي والداني مدوّية، فتقطعوا طريق المتسللين على نصركم، والساعين إلى ما يسوؤكم؛ لتشفوا بذلك قلوب قومٍ مؤمنين؟!
قل عسى أن يكون ذلك قريباً..

 

 

موقع الدكتور. عبدالله بن محمد المحيسني

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع