..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

أوبرا «سفاح دمشق»!

حسين شبكشي

٨ ٢٠١٣ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 6400

 أوبرا «سفاح دمشق»!
شبكشي1.gif

شـــــارك المادة

تعتبر شخصية «حلاق إشبيلية» من أهم أعمال الأوبرا، وهي الرواية التي قام بإعدادها الفرنسي «بومارشيه»، وطورها للأوبرا الإيطالي المعروف «روسيني»، إلا أنه يبدو أن التاريخ السياسي الجديد سيشهد توظيفا جديدا لدار الأوبرا؛ فبعد أن كانت مركزا للفنون الجميلة تحولت إلى مرتع للأقوال القبيحة، متمثلة في خطاب الرئيس السوري بشار الأسد الأخير.

 


وهي ليست المرة الأولى التي يدنس فيها محفلا حضاريا بخطاباته المهينة، فمن قبل كان قد تجرأ وألقى خطابه في جامعة دمشق.
عموما، جاء الخطاب هذه المرة مُعَدا بعناية فائقة والاهتمام بالتفاصيل الصغيرة، وهو موجه للعالم الغربي لأنه يستبق قمة بوتين وأوباما التي ستبحث تبني خطة الإبراهيمي واتفاق جنيف للحكم الانتقالي في سوريا، فرغب في أن يقدم «لوحة» معدة بإتقان لتكون صورة ذهنية قبل لقاء القمة.
دار الأوبرا مكان يُضخّم فيه الصوت، لأن المكان مصمم بنوعيات مواد بناء تحدث «الصدى» المناسب، فيبالغ في حجم الصوت وبالتالي في حجم الهتافات والتصفيق والإشادة، كذلك الأمر بالنسبة للحضور، تم إعدادهم بعناية شديدة جدا ليعكسوا تمثيلا دقيقا لفسيفساء الشعب السوري بمختلف خلفياته وطوائفه وطبقاته.
فكان بين الحضور نساء محجبات (ليعكس التوجه الديني الإسلامي)، وكان هناك من يرتدي العقال والغترة (ليعكس الحضور العشائري)، وكان هناك العسكر والشباب والطلبة والمتقاعدون، وجميعهم يصفق ويهتف.
دخل بشار الأسد على مسرح معدّ بدقة ومحسوب تُوجّه الإضاءة فيه جيدا، وكذلك الصورة الضخمة التي كانت خلفه وهي مليئة بصور ما يوحي بأنهم ضحايا أحداث العنف في سوريا، وجميع الصور تشكل العلم السوري كاملا، وطبعا كانت تتخلل فقرات الخطاب مقاطع التصفيق الجنوني والهتافات الهستيرية لتختم باندفاع كبير على المسرح لعناق بشار الأسد وتقبيله، في مشاهد تذكرنا بنجوم الروك في حفلاتهم الصاخبة بالغرب.
وطبعا بقي أسلوب الإلقاء والخطابة ذاته لم يتغير؛ شبّه الثوار بأقسى الألفاظ، وأنكر أساسا وجود ثورة، وقال إن للثورة شروطا ومفكرين وأدوات وأهدافا لا بد أن تتوفر قبل أن يطلق عليها اسم ثورة، وهو بذلك كأنه يطلب «بيتزا» من محال الوجبات السريعة.
ظل نهج الإنكار والطلبات المستحيلة، وظل يضع شروطا تعجيزية على الآخرين والجميع إلا على نفسه ونظامه المجرم، وأقحم نفسه و«حواره» مع المعارضة في تشبيهات هزلية مضحكة لا يمكن أن يكون مأخذها على محمل الجد ولا الحقيقة.
شك الناس كثيرا في أن يكون الخطاب «مباشرا»، كما أوحى النص المرفق مع شاشات البث، لأن دمشق مقطوعة شرايينها المرورية منذ الساعات الأولى ليوم الخطاب، و«رويترز»، وكالة الأنباء العالمية العريقة، قالت إنها تشك في أن الخطاب بث بشكل مباشر، وإن ما حدث هو تسجيل تم بثه لاحقا.
بشار الأسد يواصل حكم والده حافظ الأسد، النهج واحد ولم يتغير، ولكنه تجسيد عملي لفكرة حافظ الأسد رئيسا للأبد، وإذا لم يكن الأسد؛ فلنحرق البلد.
إنها «عقيدة» وليست سياسة، هناك قناعة كاملة لدى بشار وزمرته بأن سوريا هي الأسد، والأسد هو سوريا، ولا يمكن الحديث عن أحدهما دون الآخر.
كانت هناك كلمات داخل الخطاب الذي ألقاه بشار الأسد فيها إشارات ورسائل مبطنة أيضا؛ فقد شكر كل حلفائه من شبيحة ودول ومؤسسات من الذين أيدوه وساندوه، وأكد على سوريا «موحدة»، وكأن في ذلك تلميحا عن التقسيم المقبل الذي سيكون خيارا يفرضه نظام يرغب في حكم سوريا حتى آخر سوري ميت.

القذافي وصدام حسين طاغيتان وقاتلان ظهرا في أيامهما الأخيرة وسط الشبيحة والهتيفة لإقناع العالم بأنهما يسيطران على الوضع، ولديهما أرتال من المؤيدين، متناسيين أن وضعهما حقيقة أشبه بسفينة الـ«تيتانيك» التي اصطدمت بجبل الجليد واخترقتها المياه وبدأت في الغرق، ولكنهما كقبطان السفينة كانا في حالة إنكار لحجم الكارثة.
خطاب بشار الأسد المسرحي الأوبرالي ليس فقط مادة هزلية، ولكنه سيكون مادة تدرس في يوم من الأيام في مجال علم النفس والحكم، لأن حالة الإنكار والضياع غير مسبوقة تماما.
الأوبرا الجديدة اسمها «سفاح دمشق»، تذكروها جيدا.

 

 

الشرق الأوسط

 

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع