..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

الائتلاف الوطني السوري فرصةٌ ذهبية.. وأخيرة

وائل مرزا

٢٥ ٢٠١٢ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 2764

الائتلاف الوطني السوري فرصةٌ ذهبية.. وأخيرة
1 وائل مرز.jpg

شـــــارك المادة

من المرفوض أن يُصبح الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية كياناً مُقدساً لا يجوز نقده أو مساءلته ومحاسبته، فهو في نهاية المطاف اجتهادٌ بشري استُخدِمَ العقل الجمعي في التخطيط لقيامه.
والتعامل مع الائتلاف وشؤونه الآن من خلال العقل الجمعي السوري هو الضمان الأكبر لنجاحه في أداء مهماته.


من هنا، لا تثريب على أحدٍ في أن يقدم ما يراه من النصح والمشورة، ومن واجب الائتلاف وأعضائه الاستفادة من كل مساهمةٍ تأتي في هذا الإطار، بل وإيجاد آليات جديدة تبادر باستيعاب فائض طاقة السوريين التي انفجرت في كل مجال مع هذه الثورة.
لكن الخطيئة الكبرى تتمثل في الغفلة عن نافذة الفرصة التي فتحها إطلاقهُ في هذه المرحلة.
فولادة الائتلاف لم تكن أمراً يسيراً كما يظنّ البعض.. ونقول لمن يؤمنون بالحسابات البشرية فقط إن تجميع قدرٍ كبير من التوازنات والحسابات الحساسة التي توافرت محلياً وإقليمياً ودولياً هو الذي سمح بتلك الولادة.. ولمن يؤمن بوجود إرادةٍ ربانية غالبة، نؤكد أن ثمة قدراً كبيراً من التوفيق والتيسير كان لا بد أن يوجد لكي يظهر الائتلاف إلى الواقع.
لهذا، يجب أن يكون الفشلُ ممنوعاً في هذه المرحلة. والعمل لتجنب أي نوعٍ من أنواعه مسؤوليةٌ تحملها كل الأطراف السورية المساهمة في الثورة دون استثناء.
فقيادة الائتلاف مسؤولة، وحين تنال تلك الدرجة من القبول والدعم الشعبي بناءً على مصداقيتها التاريخية وانبثاقها من رحم الثورة، فإن هذا يرفع درجة مسؤوليتها للعمل باستمرار من أجل بناء مؤسسة تليق بتلك الثورة، تكون قادرةً على ترتيب الأولويات، واستيعاب كل من له قدرةٌ على العمل الفعال المهني المحترف بعيداً عن الخلفيات الأيديولوجية والولاءات الشخصية، مع حتمية التركيز على الإنجاز السريع والحقيقي في كل المجالات.
ويجب أن تتذكر القيادة باستمرار أنه لا يوجد شيء يؤكد شرعية الائتلاف وإمكان استمراره أكثر من الإنجاز الفعلي الذي يجب أن يشعر به السوريون بوضوح. وسيكون من الخطأ اعتقادُ هذا الطرف أو ذاك بأن الائتلاف يستمدّ قوته من أي مصدرٍ آخر غير إرادة أبناء الثورة وشعبها الكبير.
ثمة شرائح من شياطين الإنس والجنّ تعمل هذه الأيام ليل نهار لتشغل القيادة عن مهمتها الحقيقية، وتزرع بين أعضائها الهواجس والوساوس، وتحرفها عن التركيز على واجبها الأصيل.
ولن يظهر الكمون الخطير لمثل هذه الممارسات إلا بإقرارنا ببشرية القيادة من ناحية، وبأنها بكل عناصرها وجدت نفسها فجأة في موقعٍ يتطلب نقلات كبيرة وجذرية في طرق التفكير والعمل والإدارة والقيادة..
وإذا كان دور الرصيد الثقافي والاجتماعي السابق مهماً دون شك، فإن ثورةً إداريةً ومؤسسية أصبحت مطلوبةً للارتفاع إلى أهلية ملء مواقع قيادةٍ يُفترض بها أن تفكر وتتصرف وتُقرر وتُخطط على مستوى قيادة الدول ورجالاتها.
فضلاً عن هذا، لا نقاش في أن كل طرفٍ من أطراف الائتلاف مسؤول، من المجلس الوطني إلى المجالس المحلية، مروراً بالتنظيمات الثورية والسياسية ومؤسسات المجتمع المدني.
وفي معرض الحديث عن المجلس الوطني ومطالبته (المشروعة) بمزيد من المشاركة في صناعة القرار والتمثيل، ربما آن الأوان ليقف المجلس مع نفسه وقفة مراجعةٍ ونقد لأن كثيراً من ممارساته وخياراته السياسية في أثناء تشكيل الائتلاف لم تكن مدروسةً على الإطلاق. تكفي في هذا الباب أمثلة ثلاثة.
فقد بدأ الخطأ الكبير من قبل المجلس في إعراضه عن ترشيح رموزه القوية وشخصياته الأساسية خلال انتخاب قيادة الائتلاف.
ومع الاحترام لكل من ترشّح باسم المجلس، فإن طبيعة الترشيحات بدت وكأن فيها درجةً من القصد بألا ينجح ممثلو المجلس لغايةٍ في نفس يعقوب لا نعلم إن قضاها أم لم يفعل.
ثم إن رئيس المجلس السيد جورح صبرا كان مدعواً رسمياً للمشاركة في وفدٍ ائتلافي موحد توجد فيه القيادة بأسرها في أهم اجتماع دولي تلا إنشاءه، وعُقد في لندن لمناقشة موضوع حساس جداً يتعلق بإقرار صندوق الدعم ووضع آلياته.
لكن رئيس المجلس رفض الحضور إلى لندن والانضمام للوفد في الزيارة لأسباب مجهولة، مفضلاً القيام بزيارة خاصة في مكانٍ آخر في نفس التوقيت..
لا ندري إن كان مثل هذا القرار فردياً أو جماعياً، لكنه أثار استغراب العديد من الدوائر الدولية، وأسهم في إشاعة أجواء توحي أن المجلس يُريد إفشال الائتلاف وجهوده من البداية من خلال المقاطعة.
في حين كان لحضور رئيس المجلس أن يضع مسألة المشاركة في القرار على سكتها الطبيعية من اللحظة الأولى.
وتأتي ثالثة الأثافي من استمرار حالة التخبط والفوضى داخل المجلس الذي لم يستطع الاتفاق على ممثليه في الائتلاف، في حين لم تتبق إلا أيام لعقد اجتماع الهيئة العامة له في القاهرة.
كما أن من الواضح أن ثمة انقساماً بين من يريدون نجاح الائتلاف بتجرد وإخلاص، وآخرين لا يزالون يحاولون وضع العصي في دواليبه بكل شكلٍ مُعلنٍ كان أو مستوراً..
وإذا كان هذا التحليل يحمل مصداقية فإن من غير اللائق أن يحاول المجلس القفز على أزماته التنظيمية من خلال التركيز على (منافسٍ) خارجي توضع عليه كل اللائمة.
أما ممثلو المجالس المحلية فحريٌ بهم أن يُثبتوا مصداقية تأهيلهم لتمثيل مناطقهم من خلال العمل الدؤوب والتواصل المستمر مع الداخل، لأن وجودهم يمثل جزءاً مقدراً من مصداقية الائتلاف لا يمكن تأكيده إلا بالعمل المحترف في مجالهم المحدد.
وفي نفس الإطار، تُصبح التكوينات الثورية مُطالبة أيضاً بإثبات مصداقية وزنها العملي السياسي والعسكري الثوري على أرض الواقع، بعيداً عن تضخّم الجانب الإعلامي في عملها والذي يوحي لكثيرين بأنهم يُعطون حجماً أكثر من حجمهم الحقيقي.
ولا يكون هذا إلا بتواصلٍ داخلي فعال مع العاملين على الأرض لا يتمُّ توظيفه في سياقات تنظيمية أيديولوجية، وإنما في إطار إظهار عملٍ فعال يصب في خدمة الائتلاف.
ولن يمكن لأعضاء المجلس من (الشخصيات الوطنية) استحقاق تمثيلهم ما لم يكونوا بمثابة كتلةٍ تمثل صمام أمان للائتلاف، من خلال دورهم الفعال في تأكيد الجامع الوطني المشترك، والتحفز الدائم لحماية المجلس من أي عملية انسحابٍ أيديولوجي أو حزبي في اتجاهٍ من الاتجاهات.
ومن المؤسف على بعض مكونات المعارضة السورية وشخصياتها المحترمة التي أكّدت دعمها للائتلاف في البداية أن تنسحب وقد نصّبت نفسها حاميةً للأقليات وللتوجهات الليبرالية العلمانية بطروحات ثقافية تحمل شعارات وطنية كبرى.
بل الأنكى أن تتسرب آراء لهؤلاء بدؤوا يطرحونها في مجالس إقليمية ودولية تتهم الائتلاف بأنه، مرةً أخرى، إسلامي التوجه والسيطرة!؟
نعم. تشكيل الائتلاف الوطني السوري فرصةٌ ذهبية وأخيرة.
لكن هذا لا يعني عدم مضي الثورة في تحقيق أهدافها، لأن الفرصة التي نتحدث عنها هي للساسة والمعارضين. وإذا أخفق هؤلاء في جمع صفوفهم ومأسسة أدائهم والقيام بدورهم، فلن تلفظهم فقط القوى الإقليمية والعالمية التي ستزهد فيهم بشكلٍ نهائي وغير قابلٍ للرجعة، وإنما سيكون هذا مدعاةً لأن تصل الثورة إلى قناعة بعدم صلاحيتهم النهائية، لتعمل على إفراز قيادة سياسية يمكن لها أن تكون أكثر التصاقاً بالثورة، لتعمل على خدمتها وتحقيق تطلعاتها.
لا مفر من ترتيب أمور الائتلاف بطريقة هي أشبه بالثورة على طرق العمل والإدارة والتنظيم التقليدية، واستبدالها بأخرى مبتكرة تستخدم لغة العصر وأدواته ومفرداته بكل حرفنة.
وهي ثورةٌ أخرى يجب أن يتواجد فيها بكثافة شباب الثورة الأقرب إلى استخدام تلك اللغة والأدوات، في حين يبقى القادة رموزاً تُركز على صناعة الرؤى والمحددات الاستراتيجية ومراقبة تنفيذها.
وفي معزل عن هذه الروح ستضيع هذه الفرصة على جميع الساسة والمعارضين، ولن يكون بطاقة أحدٍ كائناً من كان الدخول في عملية جديدة لجمع المعارضة السورية بعد اليوم.
وستنقلب المعادلة عليهم رأساً على عقب في زمنٍ يضمن الخسارة فيه من يلجأ للأساليب القديمة البالية، ويظهر فعلاً حاجة لقيادة سورية سياسية جديدة تكون الأولى لقيادة المراحل القادمة.
والمشكلة أن الذي يعتقد أن كوادر هذه القيادة غير متوافرة واهمٌ إلى حدٍ كبير، ولا يعرف على الإطلاق ما يجري داخل سوريا.

 

المصدر: العرب

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع