..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

خلافات الثورة السورية بين المخاطر والإيجابيات

أبو عبد الله عثمان

٥ سبتمبر ٢٠١٢ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 3511

خلافات الثورة السورية بين المخاطر والإيجابيات
syria11 المعارضة السورية.jpg

شـــــارك المادة

لم يكن بمقدور أي كائن بشري على وجه الأرض أن يخطط للثورة السورية أو أن يجعلها تنطلق وتسير وفق أي مسار، وعندما بزغت إشعاعات الثورة وقف أغلبية المفكرين وأهل الرأي ذاهلين حيارى أمام ما يرونه من حطام التجبر البعثي وهو يتناثر أمام صيحات الثوار..!! لقد سارت الثورة بقدرة الله سبحانه وتعالى وليس بتخطيط أحد وإن كان للكثير الكثير من الثوار فضل من الله سبحانه وتعالى في إيقادها ودعمها، ولقد واجهت الثورة عقبات كؤودة كبيرة ومطبات عظيمة لم يكن أحد مؤهلاً لحلها ..

 

 

إ لا أن الحق -سبحانه وتعالى- أذن ويسر تجاوزها .. ولو أن الثورة اعتمدت في مسيرتها على المعارضين في الخارج والداخل أو على أهل الفكر أو المتظاهرين أو المسلحين أو المجلس الوطني أو المجالس العسكرية أو الكتائب .. لو أنها اعتمدت على هؤلاء فحسب لأمست مدفونة من شهور طويلة تحت الركام والحطام الممتد على طول البلاد وعرضها ... إلا أنها لم تكن لتعتمد على أي قوة في هذه الأرض وما فتئت عن الصدح بشعارها في صبحها ومسائها وإقدامها وتراجعها وهي تقول يا الله ما لنا غيرك يا الله.

عندما قررت الثورة الاستفادة من النموذج الليبي بإنشاء مجلس وطني لها كان هذا مستحيلاً في الداخل، فنادت معارضي الخارج لإنشائه في الخارج، وكانت الثورة تظن حينها أن حالها كحال الثورة الليبية.. فما أن ينشأ مجلس وطني إلا وستذلَّل أمامه كل العقبات، ولكن مساعي إنشاء هذا المجلس بدأت تكشف كثيراً من الزيف والهشاشة لدى كثيرين ممن كان يَظن الناس فيهم الصلاحية لقيادة هكذا ثورةٍ تاريخية، وعندما نشأ المجلس الوطني وانطلقت معه مؤسسات أخرى معارِضة وهيئات..

أطلق هذا الشعب مصنعاً فريداً للتمييز والغربلة والتحميص لم تَسلم أي شخصية من الولوج عبره لتحليلها ومعرفة مدى مصداقية شعاراتها وأفكارها، وكأن كلَّ ذلك كان التطبيقَ العملي البديهي لقوله تعالى:(ليميز الله الخبيث من الطيب). واليوم وبعد أن انتشرت بين الثوار وعلى صفحات الانترنت مئات المقالات والعبارات التي تنادي وتطالب بوحدة الجهود وترك الخلافات، حتى أنك صرت تسمع أكثر الأطراف المتنازعة تتكلم عن نبذ الخلافات وترك التنازعات والتفرغ للعدو المشترك..

ثم ومع ذلك تجد أن تلك الخلافات والتنازعات ما زالت مستمرة فلا تملك إلا وأن تكرر قوله -تعالى-:

ليميز الله الخبيث من الطيب .. ولو أن الثورة انتصرت في الشهور الأولى لاحتاج هذا الشعب لعشرات الثورات على عدد رؤوس كل من يزعمون تمثيل الثورة، ولو أنها انتصرت على أيدي بعض الضباط لوجد الشعب نفسه أمام جبابرة جدد سيكلف كل واحد منهم ثورة كاملة حتى يدرك أن القوة بالشعب وليس بما يزين بزته العسكرية من نجوم، ولو أنها انتصرت قبل أن تتعدد الكتائب وتتنازع وتنكشف خلال تنازعاتهم كثير من الثغرات والويلات ويتصدى لحلها العقلاء لوجدنا أنفسنا أمام حرب وفتنة بين الثوار تدمِّر الثورة وتلون نقاء دماء شهدائها بالسواد.

إن تلك التنازعات لها إيجابيتها في هذه المرحلة طالما أن الجميع ينادي بفض النزاع ويسارع لحل الخلافات ووأد الأخطاء وتجاوز العثرات، فهي ظاهرة طبيعية في أجواء أعمال شباب لم يكن لهم أي تجربة أو خبرة في إدارة الأزمات وقيادة المجموعات، وهي ظاهرة عادية أيضاً حينما تجد أن الكتيبة أو المجموعة يجتمع فيها ألوان متعددة من الناس،

وحينما تجد أن الانضمام لأي كتيبة أو مجموعة لا يخضع لأي شروط أو شهادات خبرة أو حسن سلوك فالكل في خندق واحد وهو العمل على القتال ضد هذا الظالم الأفاك.

لكن خطورة هذه التنازعات تبدأ حينما تجد المجموعات تصر على ماهي عليه ولا تنصت للآخرين ولا تشاور أهل الرأي والخبرة، وعندما ترتضي كل كتيبة الخط الذي تسير فيه ولا تسعى للعمل الموحد وإنهاء كل أنواع الخلافات، وأيضا عندما تنشغل عن الهدف المشترك الذي هو إسقاط نظام الظلم والعمل على إقامة نظام جديد يتصف بالعدل والمساواة لكل الألوان في الوطن، وإقامة جيش قوي يحفظ لهذه الثورة عزها ونقاءها ويحفظ أمن هذا البلد من الأعداء والماكرين ..

وإن أولى العلامات التي ترشدنا إلى خطورة هذه التنازعات هي أن تجد العمل الثوري يؤسَّس على أسس كُتَلية من مجموعات أو كتائب.. وليس على أساس جيش واحد وكتلة واحدة لها هدف مشترك، وهذا أمر تتفاوت خطورته فقد تبدأ ببعض النزاعات وقد تمتد إلى عدم التعاون أو الفرح بفشل الآخرين وعدم مؤازرتهم وأيضاً تصل إلى (كل حزب بما لديهم فرحون) نعم فرحون ومنشغلون عما حولهم من مصائب وأهوال وأهداف مقصرون في الوصول إليها،

وقد تنتهي أحيانا هذه الخلافات بالمعارك والتدابر والتقاطع أعاذ الله الفعالُ لما يريد شبابَنا من أن يصلوا إلى مثل ذلك. إنها سنة الله في كونه أنه لن يتحقق النصر بوجود التنازع، وإن هذا التنازع وإن كان له إيجابياته في التمحيص والفرز، إلا أن قافلة النصر تسير بإذن الله وستجرف في جريانها الزبد وسترميه، وإن كل من يقف في طريق العمل الثوري الموحد هو الزبد الذي سيذهب جفاء بإذن الله -تعالى- وأما ما ينفع الناس فسيمكث في الأرض.

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع