..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

لا تظلموا هيئة التنسيق

الرشيد

١٧ ٢٠١٢ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 2922

لا تظلموا هيئة التنسيق
8.jpeg

شـــــارك المادة

بدايةً علي أن أوضح أني لست عضواً في هيئة التنسيق الوطني لقوى التغيير الديمقراطي، كما أنني لست على اتفاق فكري مع بعض شخصياتها، ولكني أدعو القارئ العزيز لأن يسبر أغوار هذا المقال عله يرى النصف الملآن من الكأس وليس النصف الفارغ فقط.


فهيئة التنسيق تشكل جسماً سياسياً يضم عدة أحزاب وشخصيات حقوقية وسياسية معارضة، وبغض النظر عن قوة تمثيلها الشعبي في الشارع السوري أو وجوده من عدمه إلا أننا لا يمكن أن ننكر التاريخ الطويل وأحياناً المؤلم لعدد ليس قليل من منسوبيها في معارضة ومقارعة النظام السوري. ومثلها مثل المجلس الوطني السوري كان تشكيلها -أي الهيئة - ضرورة حتمية لتسييس العمل الثوري في خضم الحراك الشعبي المناهض للنظام السوري. ولعل هيئة التنسيق والمجلس الوطني هما الوليدان الوحيدان والشرعيان للحراك الثوري الشعبي. أما جهات المعارضة الأخرى المصطنعة والملحقة بقاطرة حزب البعث فهي أقرب ما تكون ربائب غير شرعية لدى النظام السوري بحيث يتبناها متى شاء وينبذها متى شاء.
وأعود لهيئة التنسيق وأقول لمن قد يلومني في المقاربة السياسية بين هيئة التنسيق والمجلس الوطني بأني أوضحت في بداية المقال أنني أنظر لهيئة التنسيق كمكون سياسي بغض النظر عن تمثيله الشعبي على الأرض. ولمن يبادرني القول بأن لا معنى لأي كيان سياسي ما لم يكن له وزن على الأرض، أقول: بأن هيئة التنسيق تحمل أفكار الكثيرين ممن يريدون (الطريق الثالث)، أي أولئك الواقفين بين أحزاب التبعية - وهي أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية - وبين المجلس الوطني السوري، أي أنها تمثل الرأي الوسط بين نقيضين. كما أنها تحظى بقبول الكثيرين من مجاميع الأغلبية الصامتة التي لم تنخرط في العمل الثوري انطلاقاً من اللاءات الثلاث التي أطلقتها هيئة التنسيق وصارت عنواناً لتوجهها السياسي.
أما من حيث التمثيل على الأرض فالمجلس الوطني هو الممثل السياسي للحراك الشعبي، أي يمكن لنا أن نعتبر المجلس الوطني هو الواجهة السياسية لاتحاد تنسيقيات الثورة السورية، وهو المرآة التي تعكس مطالب التنسيقيات على النظام السوري والمجتمع الدولي. أما هيئة التنسيق فهي وإن كانت لا تتبنى الكثير من طروحات الشارع الثائر إنما تتلاقى معه في الهدف النهائي وهو (سوريا حرة ديمقراطية)، ومن هذا المنطلق يجب أن لا نظلم هيئة التنسيق طالما أنها رسمت لنفسها طريقاً يؤدي في نهاية الأمر لتحقيق المطالب الشعبية.
وما يميز هيئة التنسيق عن المجلس الوطني هو طريقة الحل فقط، أما الهدف فهو واحد ولا ضير من اختلاف الرؤية طالما أن الهدف شريف لكلا الطرفين. أما اندفاع الثوار باتجاه المجلس الوطني ونبذه لهيئة التنسيق فهو بسبب تبني المجلس الوطني لمطالب الثوار واعتقادهم أن هيئة التنسيق تريد التسلق على أكتاف الثوار للحصول على مناصب بالدولة بعد الانتصار. وفي حال تقاعس المجلس الوطني عن تلبية مطالب الثوار أو رفضها فسيكون مصيره الرفض والبراءة منه شأنه شأن هيئة التنسيق، فكم من مرة وجه الثوار تحذيراً بفك الارتباط مع المجلس الوطني حين برزت قضايا ملحة كدعم الجيش الحر وطلب التدخل العسكري، حيث كان تهديد الثوار بمثابة عصا الشرعية التي يلوحون بها كلما جد لهم مطلب من المجلس الوطني. وفي حين يبدو المجلس الوطني مكبلاً بالحراك الشعبي ومقيداً بمطالبه تذهب هيئة التنسيق في طريق آخر ترسم ملامح الوجه السياسي لسوريا الجديدة دون ضغوط داخلية أو خارجية، وهذا ما يمنحها بيئة هادئة لبناء هيكلها السياسي وتوطيد أركانه، بينما يعاني المجلس الوطني من حالات قاسية من الشد والجذب تكاد تمزق أوصاله كما تمزق الوحوش فريستها، وهو بهذه الحال يبقى مشلولاً دون حراك، فالثوار يجذبونه من طرف والغرب يجذبه من طرف آخر، ناهيك عمن يحاول الاستئثار به من دول وكيانات أخرى.
إن نجم هيئة التنسيق لن يبرز الآن طالما أن الحراك الشعبي اتخذ سبيل المواجهة مع النظام، فاللاءات الثلاث التي أطلقتها هيئة التنسيق وهي: لا للعنف، ولا للطائفية، ولا للتدخل الخارجي؛ من شأنها أن تخمد الثورة التي انجرت مكرهة إلى خيارات العنف والطائفية واستدعاء التدخل العسكري. فبعد أكثر من اثني عشر ألف قتيل وعشرات الآلاف من المفقودين صار الحديث عن اللاعنف ضرباً من السفسطة السياسية، وبعد تهجير حارات حمص المعارضة من سكانها واعتداء قرى موالية على أخرى معارضة ضرباً من السذاجة السياسية، وبعد استخدام الآلات الثقيلة وأحياناً الطائرات في قصف المدن الآهلة بالمدنيين ومسح أحياء بكاملها عن الوجود صار الحديث عن عدم استجداء التدخل الدولي ضرباً من الانتحار! ولو عدنا إلى الأيام الأولى للثورة حيث لم يبلغ العنف مبلغه هذه الأيام في استخدام سياسة الأرض المحروقة ضد معارضي النظام، وحيث كان الموالي يستطيع التجول في حارات المعارض، وحين كان الحوار مع النظام السوري أجدى سبيلاً من استدعاء طائرات الناتو؛ لوجدنا الطرح السياسي لهيئة التنسيق بلاءاته الثلاث هو السبيل الأنجع لتحقيق أهداف الثورة السورية.
وبينما التزمت هيئة التنسيق هذا المسار السلمي رغم كل الجراحات التي لحقت بالمعارضين اضطر المجلس الوطني للتلون وظهور بعض التباين في خطه السياسي الذي يمر بين جبال التصعيد للثوار وخنادق التخاذل للمجتمع الدولي، وهذه إحدى المظلوميات التي لحقت بالمجلس الوطني الذي وجد نفسه في وجه المدفع وصار يطلب منه تقنين العمل الثوري من خلال تنظيم الحراك الداخلي بشقيه السلمي والمسلح، وهذا من المستحيل طالما أن المجلس رهينة بيد الثوار وليس العكس، وهذا ما لم تفهمه بعد دول العالم التي تطالب المجلس الوطني بفرض سيطرته على ثوار الداخل، وهذا مستحيل أيضاً لأنه سيبدو كمن يريد إطفاء حريق كبير بخرطوم ماء.
وفي الجهة المقابلة أعتقد أنه من البلاهة وصف هيئة التنسيق بالعمالة لدى النظام السوري، فاستخدام هذه اللغة في التخوين يجعلنا غير مختلفين عن النظام السوري الذي اعتاد إلصاق تهمة الخيانة بكل من لا يوافق هواه. لقد وقفت هيئة التنسيق ضد النظام سراً وعلناً، ومن الداخل حيث الروح مقابل الكلمة، وصرحت علناً بالشكر والامتنان للضباط الشرفاء المنشقين عن جيش الأسد، كما أنها (الأداة) الممكنة لاختراق جدار الفيتو الذي بنته روسيا أمام النظام السوري والذي فشل المجلس الوطني حتى في كسر لبنة واحدة منه. فبينما يسبح قارب هيئة التنسيق بين عواصم الدول بكل هدوء وطمأنينة نرى المجلس الوطني يتعثر بالكثير من المطبات والحفر في طريق لا يخلو من الألغام والمصائد.
ولنأخذ قبساً من التفاؤل (بمهمة) هيئة التنسيق باعتبارها الخطة (ب) على المستوى السياسي. فلا ضير من التعويل على المجلس الوطني طالما أنه اختيار الثوار، ولتكن هيئة التنسيق هي التوأم الرديف للحراك الشعبي بحيث يكون لدينا جهتان للمعارضة (واحدة تشد والأخرى ترخي) كما يقول المثل، وهذا لعمري هو فن السياسة.
لا بدّ للثورة السورية من أن تمد جميع حبالها من أقواها إلى أوهنها، فالقافز بالمظلة لديه دائماً مظلة أخرى صغيرة تحميه على الأقل من الموت في حال تعطل الكبرى، ومتسلق الجبال لديه دائماً حبل ضعيف آخر يحميه من السقوط في حال انقطاع الحبل المتين.
ما أريد قوله هو: أن الثورة السورية أشد ما تكون بحاجة إلى الوحدة وليس بالضرورة للتوحد. يجب أن نوسع أفق المظلة حتى نرى تحتها كل الهاربين من بطش النظام وراغبي إزالته. وحين انقضاء العاصفة ستكون شمس الحرية في انتظار الجميع بلا استثناء، وهذا هو معنى الحرية الحق.

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع