..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

خواطر في زمن المحنة (4): الفتنة

ماجد الدرويش

٤ ٢٠١٢ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 4241

خواطر في زمن المحنة (4): الفتنة
02255044.jpeg

شـــــارك المادة

كثيرون يحدثونك اليوم عن (الفتنة)، والخوف منها، والحفاظ على دماء الأبرياء، والأمن الاجتماعي، والاقتصادي، و و و و... لائحة تطول.....
بل تجد علماء من العيار الثقيل يكثرون من التحذير من الفتن والوقوع فيها...

عناوين عامة... لمبادئ لا يختلف عليها اثنان، ولا يتناطح فيها عنزان....


ولكن السؤال الذي ينبغي أن يطرح: أين موقع الفتنة حقيقة مما يحدث اليوم؟ وما هو الموقف الشرعي من ذلك؟
هذا ما ينبغي أن يسمعنا إياه الغيورون على دماء الناس وأموالهم، لا مواعظ عامة، هلامية، لا ندري كيف نسير معها على أرض الواقع التي سالت أنهاراً بدماء الأبرياء!
فصلاة الاستسقاء حكم شرعي، والسؤال: أصليها الآن، وخيرات السماء من ثلج وبرَد وماء لا تتوقف؟
والتخويف من الفتنة حكم شرعي، ولكن هل أقول اليوم للذين يمتحنون في دينهم ودمائهم: ارتدوا على أدباركم لتنجوا من الفتن؟
التحذير ينفع لو أن أقدار الله - تعالى - لم تدفع بنا إلى ما نحن فيه اليوم، أما وقد وصلنا إلى هنا فالفتنة هي في السكوت عن الظلم، وفي الوقوف مع الظالمين.
وحتى لا نبقى هكذا ضمن الإطار النظري؛ دعونا نرجع إلى كتب اللغة والاصطلاح لنبحث عن معاني الفتنة وتصريفاتها؟ لنتلمس الذي يجب علينا فعله، أو على الأقل لنُقَوِّم مواقفنا تلمساً للصواب -بإذن الله تعالى -.
معنى الفتنة:
قالَ الأزْهرِيُّ، وغيرُه: "جِماعُ معْنَى الفِتْنَة الابْتِلاءُ، والامْتِحانُ، والاخْتِبارُ، وأَصْلُها مأْخوذٌ مِن الفَتْنِ، وَهُوَ: إذابَةُ الذَّهَبِ والفِضَّةِ بالنَّارِ لِتَمَيُّزِ الرَّدِيءِ من الجيِّدِ".
وقالَ الراغبُ: "وجُعِلَتِ الفتْنَةُ كالبَلاءِ فِي أنَّهما يُسْتَعْملان فيمَا يُدفعُ إِلَيْهِ الإِنْسانُ من شدَّةٍ ورخَاءٍ، وهما فِي الشدَّةِ أَظْهَر معْنًى، وَقد قالَ - عز وجل -: {ونَبْلوَكُمْ بالشرِّ والخيْرِ فِتْنَة}".
فالمعنى الأول: الابتلاء. والثاني: الامتحان. والمعنى الثالث: الاختبار.
وكلها مترادفة تؤدي إلى أمر واحد هو: موقف الإنسان في مواطن الاختبار، والامتحان، وبخاصة عند البلاء.
واليوم نحن أمام نماذج من الظلم والطغيان والجبروت ليس لديها رادع من دين أو خلق، أو حتى بقية من بشرية أو إنسانية.
فالفتنة الآن تتجلى في الموقف الذي يجب أن يأخذه المسلم بخاصة، والإنسان بعامة، حيال الواقع الذي دفعنا الله - تعالى -جميعا إليه. {مَا كانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَما كانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشاءُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ} [آل عمران: 179].
أنت مع الحق أم مع الباطل؟
أنت مع المظلوم أم مع الظالم؟
أأنت ممن يخشون الناس أكثر من خشيتك لله؟

كل هذه أسئلة تحتاج إلى أجوبة واضحة. والجواب عليها يحدد النجاح في الامتحان من غيره.
فالوقوع في الفتنة يتحقق عندما يقف الإنسان مع الظالم، والله - تعالى -يقول: {وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ}.
قال الإمام الطبري - رحمه الله تعالى -: "يَقُولُ - تعالى ذِكْرُهُ-: وَلَا تَمِيلُوا أَيُّهَا النَّاسُ إِلَى قَوْلِ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِاللَّهِ، فَتَقْبَلُوا مِنْهُمْ وَتَرْضَوْا أَعْمَالَهُمْ، فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ بِفِعْلِكُمْ ذَلِكَ، وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ نَاصِرٍ يَنْصُرُكُمْ وَوَلِيٍّ يَلِيُكُمْ. {ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ} يَقُولُ: فَإِنَّكُمْ إِنْ فَعَلْتُمْ ذَلِكَ لَمْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ، بَلْ يُخَلِّيكُمْ مِنْ نُصْرَتِهِ وَيُسَلِّطُ عَلَيْكُمْ عَدُوَّكُمْ".
وقد يقول قائل: "وإنما هذا لأهل الكفر وأهل الشرك وليس لأهل الإسلام". وهذا القول للإمام عبد الرحمن بن زيد بن أسلم (متوفى سنة 182 هـ)، ولكنه قال بعده مباشرة: "أَمَا أَهْلُ الذُّنُوبِ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ فَاللَّهُ أَعْلَمُ بِذُنُوبِهِمْ وَأَعْمَالِهِمْ، مَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يُصَالِحَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ مَعَاصِي اللَّهِ، وَلَا يَرْكَنُ إِلَيْهِ فِيهَا". على ما أورده الإمام الطبري في تفسير هذه الآية. والسؤال: على فرض أن هذا النظام ليس بكافر ولا مشرك، مع العلم أن ذلك لا شك في ثبوته، ولكن لنعتبر تنزلاً أنه ليس بكافر، فهل يشك أحد في كونه من أهل المعاصي والمخالفات الشرعية؟ هل يستطيع أحد أن يقول: إن هذا النظام يحرص على الدين وأهله؟ فعلى أقل تقدير ينبغي أن لا يُصالَح على ما هو عليه من المعاصي. فكيف بمن يبيض وجهه الأسود، ويبرر جرائمه؟؟!!..
فالسقوط في الفتنة هنا هو في الركون إلى مثل هذا النظام.
والنجاحُ في الفتنة هو في قول كلمة الحق، والوقوف مع المظلوم، والأخذ على يد الظالم.
وليس هذا فقط، بل إن الشريعة اعتبرت أن الذي يقول كلمة حق عند سلطان جائر من سادة الشهداء، وقرنته بعم النبي - صلى الله عليه وسلم - حمزة بن عبد المطلب أسد الله - رضي الله عنه -، كما في حديث المستدرك، عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((سيد الشهداء حمزةُ بن عبد المطلب، ورجلٌ قال إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله)).
فعندما نسمع من رجل عالم كنا، وما زلنا، نظن به خيراً، وهو ممن يحسبون في مصاف العلماء الكبار، يقول فيمن هذا حاله ممن قام في وجه الإمام (!) الجائر في بلاد الشام: يأمره بالمعروف، وينهاه عن المنكر، ويطالبه بحقوقه، بل بأبسط حقوقه كإنسان، فيقول هذا العالم عن هؤلاء: "حثالة"، هذا يعني أنه سقط في الامتحان، ووقع في الفتنة.
والعجب الأكبر لا ينقضي من قوم منذ أربعة عشر قرناً يبكون على الظلم الذي لحق آل البيت - عليهم السلام -، ويندبون حظهم كونهم لم ينصروا ابن بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، الحسين الشهيد - رضي الله عنه -، وأقاموا كل فقههم، وكل عقيدتهم، بل وكل وجودهم، على وجوب الوقوف مع المظلوم في وجه الظالم. ثم نجدهم اليوم يقفون مع الظالم ضد المظلم، فأين كل هذا الفقه؟ وهل حقيقة هم يحبون آل البيت؟ فإن كانوا صادقين فهذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، يضع هؤلاء الشرفاء المنتفضين ضد الظالم مع سيد الشهداء حمزة - رضي الله عنه -. فالواجب الوقوف معهم ونصرهم وتأييدهم.. لا قتالهم وشتمهم، ونصرة قاتلهم!!!
وهكذا... فالذي سقط عند الفتنة هو الذي اعتبرهم (حثالة) مخالفاً ما وصفهم به رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم الذين قاتلوا مع الظالم ضد المظلوم فأثبتوا للعالم أجمع أنهم كاذبون، منافقون، يتزيَّوْن بزِيِّ حُبِّ آل البيت ظاهراً، ويحاربونهم باطناً. فليسوا أحسن حالاً من الذين {اتخذوا مسجدا ضراراً وكفراً وتفريقاً بين المؤمنين وإرصاداً لمن حارب الله ورسوله من قبل وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى والله يشهد إنهم لكاذبون}.

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع