..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

نظام الأسد خازوق بين قوتين

رابطة العلماء السوريين

٢٠ ٢٠١٢ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 3108

نظام الأسد خازوق بين قوتين
855900.jpeg

شـــــارك المادة

إن تتابع الأحداث خلال العام الماضي وحتى الآن، يكشف شيئاً فشيئاً عن قضايا حقيقية، تتبدى معالمها يوما بعد يوم.
والجلي الواضح أن هذه الأحداث تتلون في تتابعها بألوان مختلفة، تُوجّه ساسة العالم وفق متغيراتها، وتتأرجح المواقف الدولية بشكل غريب على نغمة مجرياتها، وقد بدأت الأحداث في سورية على أنها متابعة لمسار الربيع العربي، ثم بدت محدودة الأبعاد في داخل الحدود، ومحلية التحرك بين شعب ونظام، واجتذبت - على هذا الأساس - المؤيد والمعارض حسب هذا العمق في اهتزازها، وتجاذبت - في تأثيرها- دول الجوار، في مواقف حماسية، وتعليقات محلية، تمثلت في الزيارات والمشاورات والعلاقات ومراسم الصداقات، وتتابع التأثير بهذا المفهوم، وضمن هذه الحدود.


فكانت المواقف الأوروبية والغربية الأمريكية، والردود الروسية تدلي بدلوها تجاوباً أو تنديداً، وفق معايير الحدث الداخلي المحدود، كالذي جرى في تونس ومصر وليبيا في بدايات التحرك هنا وهناك.
وكنا نعيش تلكم الفترة بنشوة التأثير الفرنسي والألماني والبريطاني، من خلال مواقف وبيانات ولقاءات ومؤتمرات، أو نقفز طرباً لتصريحات الإخوة الأتراك وهم يسُلّون على خصومنا السيوف العثمانية مهددين متوعدين، فتطير لزمجراتهم قلوبنا تيهاً وإعجاباً، أما الأقربون، فقد أجمعوا أمرهم، وحركوا جامعتهم، ونفضوا عنها الغبار بمؤشرات متتالية، أفرزت عروضاً واقتراحات، ورفعت المستوى إلى إنذارات وتهديدات، وتريثت في التصرف إلى ما بعد إرسال مراقبين وبعثات، وأصدرت شيئاً مما يسمى عقوبات، وأعلنت أن الأمر قوبل بالعقوق والإعراض، وهذا يستلزم التأديب والفراق، والقطيعة ومنع الإمدادات والأرزاق.
وقد (شاءت الأقدار)(1) أن تكون سوريا هي نقطة اللقاء، وساحة المبارزة لمعركة هذا الزمان، نعم لقد بدأت الأمور تظهر بوضوح، والأحرف تتشكل كلمات، والكلمات تظهر كعناوين واضحة لكل من يقرأ المواقف والأحداث، وبدأ الماضي يفسر الحاضر، والحاضر يترجم تحالفات ما سلف من الأيام، وبدأنا ندرك لماذا أصرّ نظام الأب في سوريا على ترك العرب جميعاً لصالح العيون الكحيلة بالسواد في إيران، ولماذا شُغل العراق بحرب أكلت الأخضر واليابس، ولكم جاءت التحذيرات من امتداد الخط الشيعي في بلاد العرب والمسلمين، وفي كل بقاع الأرض، فهي تبذل كل ما تملك كدولة وإمكانيات في تأسيس المراكز الظاهرة والمخفية، وتجتذب إليها الطاقات من هنا وهناك، ونحن نتلمس الأعذار، ونتلطف بالاحتجاج، ونرد على المنتقدين بالتأويل والتبرير وتحسين الظنون.
ولكن وبعد مضي ما يقارب العام، بدأ يتبين لنا وللآخرين، ولكل مراقب مدقق، ومتأمل ومحقق، بأن الحدث لا يُفسّر هكذا، وأن ما يحدث في سوريا ليس كما حدث هنا وهناك، فلقد شكلت الأحداث المتتالية صورة أوضحت الأمور، وحددت للقضية أبعادها الحقيقية، وظهر بأن النظام الوحشي في سوريا ليس نظاماً مقصوداً لذاته، بل هو الخازوق بين قوتين، وعلامة الصراع بين فريقين، ومن تجاوزه انتصر، ومن تخلف عن العلامة انكسر، والقوتان المتبارزتان اللتان بدأت معالمهما تظهر، وبوارق تجمّعهما تلمع، ورؤوس قياداتهما تبرز، هما قوة الأطماع الفارسية، تُخرج من تحت الرماد نارها، وقوة المؤمنين بمختلف طبقاتهم ودرجات صحوتهم وتباينات انضباطهم.
لقد رأينا كيف توافد هؤلاء على سوريا وقاموا من خلال زمن طويل بتحويلها إلى كعبة يحج إليها القوم بكل خرافاتهم، ويؤسسون في كل بقعة من البلاد مزارات، ويوثقون مع الناس روابط، ويشترون العمائم والمؤسسات، ويحفرون الخنادق والأنفاق، ثم ينقلون إلى لبنان العمائم السوداء، ويتخذون من خلالها معاقل سياسية وعسكرية أذاقت الجوار اللبناني كل أنواع الخسف، وامتدت لتكون معول الهدم في البلاد بالتسلط والمؤامرات.
بعد عام من ثورة سوريا ظهرت سوريا وتبين ما هو المراد، وتوضحت لكل الأكوان مآرب الشيطان في استماتته في الدفاع عن النظام، وأدركت قوى الأرض أيُّ معركة بدأت تُدار في هذا البلد المبارك، وتبين للعالم بأن ما يحدث من خلال سوريا أمر تًكشّف عن ويل تاريخي عميق، إنها معركة المجوس مع المسلمين في أخطر فصل من فصولها التاريخية، وتأكد الجميع بأنها ليست معركة إقليمية، ولا عربية إسرائيلية، ولا استبداد وديمقراطية، إنهم أرادوها في سوريا أن تكون شيئا مختلفا، فانزوت على هذا الأساس تركيا، ولملمت أوراق الجوار ومصالح الجوار، وبدأت ترتب أوراقها على أمر جديد، وكذلك فعلت أوروبا، فتوارى خطابها السابق، وبدأت تعيد النظر في موضوعها مع الحدث الداهم، أما أمريكا فقد أخذت بلملمة تصريحاتها، فالواقع جديد على سياستها وسياسات العالم، وتوفَّز في المشرق روسيا والصين، وبدأت تشير إلى الغرب بإشارات وعبارات، وتتخذ مواقف أمام هذا التطلع الجديد.
العالم كله يتوقف أمام الحدث، لأنه يأخذ أبعاداً تاريخية عميقة، وسيحدث تحولات لا يتمكن أحد من فهم ملامحها أو تصور أبعادها، وشعر العرب بأن الزلزال له امتدادات، وأن المستقبل يتشكل على نحو جديد، ومجلس الأمن والأمم المتحدة، تهتز على جدرانهما بوصلة النظام العالمي، وهنا نقول: إن ما يشعر به الشعب السوري هو استفاقة أرادها الله - تعالى -، فوهبها معجزة الثبات أمام الأحداث، والتوكل الصادق على الله أمام ترددات النصرة وتخاذل العالم، وأن ما يقع فيه العدو إنما هو سكرة الاندثار التاريخي، تسوقه إلى حتفه النهائي بغطرسة شوهاء، وترابط مع روسيا الهوجاء، وأن النظام السوري الخازوق المنصوب بين الفريقين ستدوسه أقدام هذا الشعب المؤمن الذي أسلم قلبه لله، ولم يستعن إلا بالله، ويأبى العون إلا من الله، وسيكون الانتصار الحق على القوى الغاشمة، وسيشهد العالم قبل هذا تجمع العرب بشكل لا يدركون أبعاده من قبل، تجمعاً يظهر هويتهم الحقيقية الإيمانية دفاعاً عن تاريخهم المجيد تكاتفاً وتناصراً، يندفع إليها الجميع بعد ظهور دجل الدجالين وحقد الحاقدين على كل ما هو عربي إسلامي، أو إسلامي يمتد إلى العرب بصلة ما.
وإن ما أبرزه الأعداء في فضائياتهم -من شتم وسبّ وتحقير وتزوير لمعالم هدايتنا، قرآننا وسنة وصحابة وأمهات المؤمنين، وما صرّح به أتباعهم في لبنان، بأن لهم روابط طاعة وولاء مع أربابهم في إيران، أكثر من روابطهم مع بلدانهم وأوطانهم- لمؤشرات باهرات واضحات، لا تترك مجالاً لأصوات التهدئة بيننا وبينهم وترقب التواصل والتفاهم بين دولنا ودولهم، بحجة الملة الواحدة وإيجابية الاختلاف....
فلم يترك هؤلاء فرصة لذلك إلا وضيعوها، شهد على هذا القاصي والداني، وإن آخر ما يُخشى - أن يقع البعض في شباكه وخداعه- هو محاولة ابتلاعهم للقضية الفلسطينية عن طريق التظاهر بنصرة المقاومة، ومد يد العون لحركات المقاومة، نتيجة أخطائنا كعرب، وتخلينا المؤقت عن هذا الواجب، وضعف سياسات الحركات الفلسطينية التي يمكن اصطياد بعضها ولكن إلى حين... وقد آن أوان هذا الحين -بإذن الله-، ولا يقولنّ أحد لما هذا التضخيم، وكيف يسجل الإنسان أحلامه ليقرأها الآخرون، ولكن إذا علمنا بأن تمزيق مُلك كسرى كان بسبب تمزيقه لكتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإن ما نسمعه من مكر الأكاسرة اليوم، وإيذائهم لبيت النبوة، وتمزيق الأعراض الإيمانية الطاهرة على ألسنة الأبالسة المجوسيين، سيكون سبباً في تمزيق ملكهم الجديد، وغطرستهم الجديدة.
وما تمركُز الأحداث في حمص والخالدية وبابا عمرو، إلا إشارة واضحة، وحقيقة باهرة، بأن سيف الإسلام لازال مسلولاً، وأن -ضربَ الخالدِ في خالديته، وعمرو الصحابي في بابه- لبشائر.. وبشائر لنصر قريب، وهزائم وبلايا لكسرى العصر الجديد.
ـــــــــــــــــ
الصحيح: شاء الله (نور سوريا)

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع