..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

قرية صغيرة

إياد أبا زيد

١١ ٢٠١٢ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 6578

قرية صغيرة
450087.jpeg

شـــــارك المادة

عملت الولايات المتحدة منذ نشوب انتفاضة تونس على ترحيل الرؤساء، فطالبت برحيل بن علي، ثم بعد أسبوع من الانتفاضة المصرية طالبت برحيل حسني مبارك، ورغم ترددها في وضع ليبيا واليمن وسورية فقد ظهرت كطرف يدعم "الربيع العربي"، ويهلل للتغيير. هل هي فعلاً كذلك؟


أولاً: لا بدّ من التأكيد على أن ما حدث فاجأ الولايات المتحدة وأوروبا أيضاً، ولهذا لا يمكن القول بأنهم من رتّب "الربيع العربي". وظهر ذلك في الارتباك الذي حدث في الأيام الأولى، خصوصاً في تونس ومصر، قبل أن تضع إستراتيجية التعامل مع الحدث.
وثانياً: لا بدّ من التأكيد على أن الوضع الاقتصادي الذي أفضى إلى حدوث الانفجارات الشعبية هو من صنع الطغم الإمبريالية التي كانت مصالحها تفرض حدوث انهيار الصناعات التي نشأت في زمن "التحرر"، ومثّلت صيغة إحلال السلع محل الواردات.
وأصبحت تفرض حدوث انهيار شامل في الزراعة بعد أن طوّرت من إنتاجها الزراعي بعد بدء التوظيف في الزراعات المعدلة جينياً. وبالتالي باتت معنية بتشكيل اقتصاد مافياوي يسهم في النهب. فقد عادت أولويتها إلى "تحقيق التراكم عن طريق النهب" بعد أن هيمن المال على الرأسمال، أي هيمنت الأموال الموظفة في المضاربة والديون والمشتقات المالية على الأموال الموظفة في "الاقتصاد الحقيقي" -الصناعة والزراعة والخدمات-. وبهذا فقد عمقت النهب إلى حدّ تجريف المجتمعات، وفرضت تشكل اقتصاد ريعي ينحصر في العقارات والخدمات والسياحة والتجارة الداخلية والاستيراد والبنوك.
لهذا كان من الواضح بأن كتلة بشرية كبيرة تتهمش من خلال خروجها من العملية الاقتصادية. وهو الوضع الذي دفع للتفكير في الطريقة التي تفضي إلى التخلص من كل هذه "الزوائد البشرية". ولهذا عممت الحروب والفوضى، وأشعلت الصراعات الطائفية والإثنية والقبلية والمناطقية، وكل ما تستطيع من أجل هذا الهدف.
بالتالي فإن التكوين الاقتصادي الاجتماعي الذي تشكل في الأطراف -وهنا البلدان العربية- هو من نتاج الربط التبعي لهذه البلدان بالطغم الإمبريالية، وبنشاط الشركات الاحتكارية الإمبريالية. من خلال تشكيل رأسمالية ذات طابع مافياوي تكون هي المتحكمة بالنظم. ولقد دعمت هذه النظم بكل قوة، وغطت على استبداديتها ودكتاتوريتها، وكل ممارساتها البشعة. ووضعتها في سياق سياستها العالمية، ولخدمة هذه السياسات.
الآن، حين بدأت الانتفاضات ليس من الممكن أن تقف الإمبريالية مكتوفة إزاء ما يجري. كان عليها أن تمارس السياسة التي تحمي فيها مصالحها، أو تحافظ على ما تستطيع منها. وهذا رد فعل طبيعي على دولة ترى بأن مصالحها باتت مهددة، وأن الأمور تجري نحو تغيير يتجاوزها.
وكان أول ما أرادت هو وقف الزحف البشري، والالتفاف على الانتفاضات. لهذا كان ضرورياً التضحية ببن علي وحسني مبارك والقذافي وحتى علي عبد الله صالح، وأيضاً بآخرين، وتقديم البديل كمنفذ لمطالب الشعب. أو تحقيق تغيير مضبوط لا يقود إلى إنهاء سيطرة الرأسمالية المافياوية التابعة. وبهذا طرحت مسألة تقديم تنازلات محدودة ومضبوطة، ولا تمسّ لا بالنمط الاقتصادي ولا بالمعاهدات والسياسات، بل تتعلق بـ"الدمقرطة"، هذا الشعار الذي تغنت به طويلاً خلال العقدين السابقين رغم أنها كانت تدعم النظم المستبدة، والبطركية والثيوقراطية.
لقد عملت على دعم إعادة تشكيل النظم من أجل توسيع القاعدة السياسية المشاركة، والتي سيظهر انضمامها وكأنه انتصار للانتفاضة والشعب، لأنها "تمثّل الشعب" كان لعب إعلامها طويلاً.
وبالتالي عادت لفكرة "قديمة" -ربما منذ التسعينات- مفادها بأنه يجب إشراك الإسلاميين في السلطة. وهي الفكرة التي فرضت ضرورة البدء بـ "الحرب على الإرهاب" وضعها جانباً، لأن هذه الحرب هي في جوهرها حرب على "الإسلام" كما تريد الولايات المتحدة، كإظهاره كعدو بديل عن الشيوعية وخطر مثلها من جهة، ولكي يعطى "الشعبية" التي تجعله "يخلّف" المجتمعات، من خلال تعميم فكر سلفي أصولي، وتحويل الصراع من صراع طبقي إلى صراع "ثقافي"، أو أخلاقي قيمي. وهو الوضع الذي كان يراد منه فتح كل الصراعات الطائفية والدينية.
وإذا كانت في بعض البلدان قادرة على تحقيق ذلك مباشرة، مثلما حدث في تونس ومصر، نتيجة الربط الذي أقامته مع القادة العسكريين -ولهذا كانوا المبادرين لطرد الرؤساء-، فإن غياب "القوة البديلة" كما هو الوضع في ليبيا واليمن وسورية، فرض أن تدفع إلى استنقاع الأوضاع في صراع طويل يضعف الكل، وربما يقود إلى لحظة تستطيع فيها التدخل بما يحقق أغراضها.
من كل ذلك نقول: بأنه كان من الطبيعي أن تكون الإمبريالية عنصراً في معادلة الصراع، لأن مصالحها تفترض ذلك، في بلاد لديها فيها مصالح هامة للغاية.
وإذا كانت قد دعمت التغيير فيجب أن يكون واضحاً بأنها تفعل ذلك لقطع الطريق على تغيير أعمق. ولقد كان الوضع المحلي يساعدها نتيجة غياب الأحزاب التي تمتلك مشروعاً بديلاً، وتترسخ بين الطبقات الشعبية. وهذه المحاولة التي قامت وتقوم بها هي بالتفاعل مع دور الرأسمالية المحلية المسيطرة والقوى الليبرالية التي لا تتناقض معها -ومنهم الإسلاميين-. ولهذا كانت عنصر دعم لهذه القوى الداخلية، وأساس تحقيق التفاهم بينها.
ما يجب أن يكون واضحاً هو أن العالم "قرية صغيرة"، ولقد فرضت العولمة التشابك والتداخل والتدخل. الأمر الذي يفرض أن نرى كل ذلك دون أن نعتقد بأن الوضع يمكن أن يكون غير ذلك.

وبالتالي أن نحدد سياساتنا على ضوء فهم ما يجري، وتحديد آليات مواجهته، لكن من خلال فهم الصراع الداخلي، والانطلاق من أن الشعوب تثور، وأنها تهدف إلى تحقيق التغيير.
 

المصدر: أرفلون نت 

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع