..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

القرية السُّورية والمؤامرة

سعد العثمان

٣١ ٢٠١٢ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 6748

القرية السُّورية والمؤامرة
hmaaa555.jpg

شـــــارك المادة

نشرت جريدة الدُّستور الأردنيَّة، والقدس العربي اللندنيَّة في 15/ يناير/ 2012م مقالاً عن القرية السُّورية للشَّاعر العراقيِّ المعروف: ســعدي يوســـف، مفاده: حسبما حدَّثته سيِّدةٌ لا تعرفه، التقاها في مقهى أوروبي عن إنشاء قرية سوريَّة في أحد الدُّول الأوروبيَّة هدفها: تدريب جنود متوحشين متعطشين للدَّم على كل ما هو سوري، تمهيداً لغزو سوريَّة وهدم قراها، على رؤوس أهلها الآمنين. وحديثها -حسب قوله- أعاد إلى ذاكرته المتعَبة ما كان من القرية العراقيَّة؛ التي أقيمت في أكثر من مكان أوروبي قبل احتلال العراق.
وعليه، وإن كان الكلام كلام قهاوي، ولكن! يمتنع ذلك لمكانة كاتبه، بل ويستوجب التَّعقيب.
أراد شاعرنا أن يأخذنا بطريقة المآلات، إلى اعتبار ثورة الياسمين على أرض البطولات السُّورية، مؤامرة خارجيَّة يراد منها أن يصار بسوريَّة كما كان في العراق. ولئن كنَّا نعتقد أنَّ المؤامرات على بلادنا لم ولن تتوقف، وهي ليست جديدة بل ممتدة في الزَّمان والمكان، من قبل ومن بعد، ولئن كنَّا أيضاً لا ننفي خبر القرية العراقيَّة أو السُّوريَّة ولا نثبته، ولكن! المؤكَّد أنَّ من دخلوا العراق على صهوة الدَّبابة الأمريكيَّة معروفون جميعاً أفراداً وجماعاتٍ وكُتلاً وأحزاباً وأطرافاً، وكان مَقْدمهم من مدائنَ مقاومِةٍ وممانِعةٍ معروفة، مدن تَمُورُ رفضاً لكلِّ ما هو أمريكي وصهيوني، وليس من قرية أوروبيَّة شرقيَّة أو غربيَّة.
إشارة شاعرنا إلى ما عاد إلى ذاكرته عن القرية العراقيَّة الأوروبيَّة، أعادت إلى ذاكرتنا أيضاً الخصومة التَّاريخية والعلنيَّة للنِّظام السُّوري لنظيره نظام بعث العراق لعشرات من السِّنين، حتَّى يوم سقوطه بالطَّريقة المعروفة، والتي ترافقت بمناقبه ومآثره المشهودة، في وقوفه في صفِّ الجانب الإيرانيِّ، بحيث جعل النظامُ السُّوريُّ، وكذلك حليفُه الإيرانيُّ من بلده قريةً لا مثيل لها في العالم، كمكان إقامةٍ وتدريب، وحركةٍ وتدبير، وتخطيطٍ للمعارضين العراقيين حتَّى تمكَّنوا بالمساعدة الأمريكيَّة والبريطانيَّة العلنيَّة، والتَّدخل العسكريِّ المباشر أيضاً، من العودة إلى العراق راكبين دبَّابة الأمريكيِّ، وداخلين بمعيَّة المحتل.
وعليه، فهل كانت مشكلة العراق ونظامه في القرية العراقيَّة الأوروبيَّة التي أشار إليها الشاعر أم في الدَّولة السُّورية ونظامها؟، أم أنَّ مصيبة العراقيين والسُّوريين هي مع مستبدِّهم وقامعهم وقاتلهم وسارقهم العراقي والسُّوري، الذي أوصلنا معه إلى وضع كارثيٍّ معرفيٍّ أخلاقيٍّ سياسيٍّ اقتصاديٍّ اجتماعيٍّ وتنمويٍّ، بعد عقود من ديكتاتوريَّات مستبدَّة فاسدة ومفسدة، أهلكت الحرث والنَّسل، وعطَّلت حراك المجتمع، وجفَّفت فيه سـحر الحياة وبهجتها، وأماتت فيه الأمل!!؟
ومن ثم، فإنَّنا نتساءل مع أصحاب القرية العراقيَّة السَّابقة والسُّورية الحاليَّة اللَّاحقة: هل مثل هذه القرى هي التي جعلت من نظامنا قامعاً فاشياً وقاتلاً متوحشاً، يتطهر بالمقاومة من كلِّ آثامه وذنوبه قبل أن يأوي إلى نومه، أو جعلت منه لصَّاً نهَّاباً على رؤوس الأشهاد ثم يغتسل بالممانعة؛ فيرجع كلَّ صباح تقيَّاً نقيَّاً كيوم ولدته أمُّه.
هل هذه القرية السُّوريَّة التي أشارت إليها سيِّدة كريمة في مقهى، هي التي تآمرت وأقنعت رجل أمن اسمه: عاطف نجيب، كلُّ إمكاناته أنَّه عُتلٌّ جوَّاظٌ شاذٌّ، ومريضٌ زنيم، ولصٌّ مجرم، وكلُّ مؤهلاته أنَّه ابن خالة رئيس النِّظام، ليصبح أحد أبطال ثورة الياسيمن السُّوريَّة، يوم لم يثنه عن التَّوحُّش في تعذيب باقة من ورود أطفال درعا؛ قطرةً من رحمة، أو لَحْسة من إنسانيَّة، فصب عليهم سوط عذاب…!!؟
إنَّ نظاماً قامعاً متوحشاً، يرتكب أفظع الجرائم بمواطنه المقهور، وعامله البئيس، وموظفه التَّعيس، ومثقفه المضَّطهد، وشعبه الجائع والممتهن، ثمَّ يثور بركان جماهيره على السَّادة والكبراء، بعد طول صبرٍ ومعاناة لعشرات السِّنين، لسنا بحاجة لنجوب شرق الأرض وغربها، ولا شمال أوروبا لنقول عن قرية ومؤامرة، في تفسير هذا الكم من الغضب السَّاطع لشعب مسحوق، يدعو ربَّه أن ينام ثمَّ يستيقظ فلا يرى منهم فرداً، ويتمنَّى لهم صاعقة تأخذهم أخذة واحدةً، ولا تبقي منهم أحداً. لأنَّه لو اجتمعت قرى الأرض تخطيطاً وترتيباً، لما استطاعت أن تحدث دماراً وخراباً في بنية المجتمع ومنظومة قيمه، كما فعل ويفعل السُّفهاء والمعوَّقون من أبناء جلدتنا، وبني قومنا ممَّن أعمى الله بصرهم وبصيرتهم وعقولهم، ممَّن تولَّوا أمرنا بقوة بسطارهم وسلاحهم.
من يصدِّق اليوم أنَّ سوريَّة بعد عشرات السِّنين من حكم شموليٍّ فاشيٍّ لحزب واحد وعائلة واحدة، الحريَّة فيها مسلوبة، والكرامة فيها مغتصبة، تتهدَّدها جوائح الفقر والمصير المجهول..!!.
من يصدِّق أنَّ نصف قرن من حكم متوحش، قتل فيه الوالد وما ولد أكثر من خمسين ألفاً من مواطنيه، واعتقل مئات الألوف منهم، وشرَّد أضعافهم طوعاً وكرها.. !!.
من يصدِّق أنَّ عقوداً من السِّنين لم تكن كافية لهم للإصلاح، وحتَّى إذا قامت قيامة المستضعفين الأحرار، وخرج ماردهم لا يلوي على شيء، يتحدَّى اللُّصوص والسُّفهاء والعاهات من الهبَّاشين والشَّبيحة والمجرمين، خرجوا بلا ذرة من حياء، ولا ضمير ومعهم شبيحتهم من العمائم واللِّحى، يطلبون التَّمديد لهم للإصلاح، ولكن! أنَّى لهم وقد اقتربت ساعتهم، وأفضوا إلى ما قدموا من إجرام، وفاتهم القطار!!
نعم حكمونا خمسين عاماً، لكن! لا ننكر إصلاحهم، فقد أصلحوا مناطقهم بدمائنا، وملئوا جيوبهم من أموالنا، وأصبحت مناصب الدَّولة كلِّها لهم، وأصبحوا السَّجَّانين، وأصبحنا المساجين، أصبحنا نخدمهم بعد أن كانوا خدماً عندنا، ها هو إصلاحهم!!
وتقولون طائفيَّة، فهم الذين زرعوا الطَّائفيَّة بنا، مع أنَّهم لا يشكِّلون العشرة بالمئة من الشَّعب السُّوريِّ، ها هو إصلاحهم بنظرهم، كلَّما قالوا: سنصلح، يزيدون في القمع والقتل والاغتيالات والاعتقالات، ويعذِّبون المعتقلين أشدَّ العذاب، ها هو الإصلاح عندهم.
إلى متى سيبقى الصَّمت العربيُّ؟!.
إلى متى سيبقى الصَّمت الدُّوليُّ؟!.

قال الله - تعالى -: {يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ * وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ * ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ *وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آَلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ * وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هود: 98-102].

المصدر: موقع المسلم

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع