مجاهد مأمون ديرانية
تصدير المادة
المشاهدات : 7337
شـــــارك المادة
رسائل الثورة السورية المباركة (78): العمل المسلّح: الوَحدة أو إجهاض الثورة
(1) المشكلة ومبررات العلاج
هذه رسالة من خمس رسائل أستحلفُ بالله من يقرؤها أن يوصلها إلى من يعنيه أمرها ومن له قدرة على العمل بما فيها. ولولا أن أشقّ على القراء لجعلتها مقالة واحدة، ولكنها ستطول ويزهد في قراءتِها من ينبغي عليه قراءتُها، فمن أجل ذلك آثرت تقسيمها على حلقات، كل واحدة منها تعالج جزءاً من أجزاء موضوعها المهم. يا أيها العقلاء المخلصون في كل بقعة على أرض سوريا: أرجو أن تتدبروا هذه الرسائل وأن تنشروها، أما أنا فما عليّ إلا البلاغ. اللهمّ إني قد بلغت فاشهد، واشهدوا يا أيها القراء الكرام. كثيرون ما زالوا يناقشون جدوى وجود الجيش الحر ويتساءلون: هل هو إضافة مفيدة للثورة أم ضارّة بها؟ لهؤلاء أقول: إن أي نقاش من هذا النوع لم يعد ذا جدوى؛ لأن الجيش الحر صار أمراً واقعاً وليس أمراً معروضاً للتصويت والنقاش. أما الخائفون على سلمية الثورة فأطمئنهم إلى أن الجيش الحر هو الضمان الأكبر، وقد يكون الضمان الوحيد، الذي يضمن عدمَ عسكرة الثورة وثباتَها على سلميتها، لأنه يدافع عن وجودها ونشاطها الثوري أولاً، ولأنه يستوعب الراغبين من أبنائها بالعمل المسلح -وهم كثيرون- فيغادرونها إليه تاركين لها سلميتَها التي بدأت بها وثبتت عليها بفضل الله. لقد تحدثت عن الجيش الحر كثيراً ولا أريد أن أكرر شيئاً مما قلته من قبل، باستثناء واحدة من أهم المسائل لم أتحدث عنها حتى الآن، هي ضرورة توحيد الأنشطة العسكرية كلها ضمن كيان الجيش الحر وتحت قيادته، وهي مسألة جليلة عظيمة الخطر، أرجو أن يتنبه إليها العقلاء وأن يتداركوا خللها قبل فوات الأوان. إن وحدة أطراف العمل المسلح كلها في جسم واحد ليست خياراً مستحسناً بل هي واجب من أوجب الواجبات، وإذا استمر الحال على ما هو عليه اليوم من تفرق وانقسام فربما تتردى الثورة كلها في هاوية الفشل والإخفاق -لا قدّر الله-. وصف المشكلة: قبل تقديم مبررات التوحيد سأصف الحالة الحاضرة: في أول الأمر لم يحمل السلاحَ أحدٌ من أهل الثورة، وثبتوا على ذلك عدة أشهر برغم القمع الشديد، وفي الحقيقة فإن الصمودَ الذي أظهره الثوار وإصرارَهم على سلمية ثورتهم أذهل العالم وتحدث عنه الناس في كل مكان. في وقت لاحق، وابتداء من شهر الثورة الثاني، بدأت عناصر من الجيش بالتمرد. تلك الحالات كانت قليلة جداً في البداية وتعرض أبطالها لتصفيات فورية -عليهم رحمة الله-، لكنها ازدادت بتسارع كبير وصولاً إلى تشكيل كتائب خاصة للمنشقين الأحرار: كتيبة الضباط الأحرار أولاً، ثم كتائب الجيش الحر. منذ ذلك الحين بدأ العسكريون الأحرار بمساعدة الثورة والدفاع عن الثوار؛ بدأ الأمر صغيراً محدوداً وما زال ينتشر حتى صار حرباً مصغّرة يخوضها أبطال الجيش الحر ضد العصابات الأسدية المحتلة، وصولاً إلى تحرير بعض المناطق لأوقات تقصر أو تطول. إذا فكرنا في ظروف ولادة هذا الجيش الحر سندرك أن تشتت قواته كان أمراً حتمياً لا مفرّ منه، فالانشقاق يتم على مستوى أفراد أو جماعات صغيرة قد تهتدي إلى مجموعات سبقتها إلى الحرية وقد تضلّ الطريق. أولئك الذين لا يصلون إلى أصحابهم لن يملكوا سوى خيار الانصهار في أقرب كتلة سكانية، وقد تنشأ في تلك الحالة جماعة مقاتلة مستقلة، أما المنشقون الذين ينجحون في الوصول إلى أصحابهم فإنهم يرتبطون بهم لأن في الارتباط قدراً أكبر من الأمان وقدرة أعلى على الحركة والتأثير. بسبب تلك الظروف الصعبة نشأت عدة كتل منفصلة للجيش الحر، فالكتائب التي تتحرك في المنطقة الوسطى -في محافظات إدلب وحمص وحماة- نجحت في الترابط في تنظيم عسكري واحد -تقريباً وليس تماماً-، وفي تنظيم آخر تترابط الكتائبُ التي تشكلت في الشرق -في دير الزور والبوكمال وبقية مناطق الجزيرة-، وكتائب الجنوب -في حوران وريف دمشق- ترتبط في تنظيم عسكري ثالث. وزاد الأمرَ سوءاً أن المدنيين في مناطق كثيرة بلغ الضغط عليهم أقصى ما يمكن للناس أن يحتملوه، فلم يبقَ لهم بدٌّ من حمل السلاح للدفاع عن النفس والعِرض، وهو أمر مشروع لا يحق لأحد إنكاره، (وإنما يُتّخَذ القرار بشأنه من خلال الموازنة بين المصلحة والمفسدة، فإذا رجحت المصلحة في الدفاع عن النفس بالسلاح وجب الدفاع، وإذا رجح الضرر كان تركه أَولى، وقد مرّت هذه الموازنة في مقالات سابقة نشرتها منذ أكثر من خمسة أشهر). هؤلاء المدنيون حملوا السلاح للدفاع عن أنفسهم، ومع الوقت تطور الأمر من فرد يدافع عن نفسه وبيته إلى جماعة مسلحة تتولى الدفاع عن الحي كله، وصارت هذه الحالة هي الأصل في المناطق المنكوبة في حمص وحماة وإدلب وأريافها، ولا أبالغ إن قلت: إن تلك الجماعات المسلحة تُعَدّ بالعشرات وربما بلغت المئات. ولكي نستعمل المصطلحات الصحيحة نقول إنها "جماعات" مسلحة تعمل لأهداف مشروعة -هي الدفاع عن الأنفس والأعراض والأموال- في مواجهة "عصابات" مسلحة يقودها النظام ويطلقها على الأبرياء. أي أن ما يزعمه النظام صحيح؛ توجد عصابات مسلحة في سوريا، لكنه يضلّل عبيده وأتباعه عندما يعكس الأسماء فيسمينا عصابات، ويمنح عصاباته لقبَي الجيش والأمن زوراً وبهتاناً، وما هم بأمن ولا هم بجيش إنما هم العصابات على التحقيق. الخلاصة التي انتهينا إليها بسبب الملابسات السابقة هي: نشوء جماعات كثيرة تحمل السلاح، منها ما نشأ بالانشقاق عن الجيش الأسدي ومنها ما نشأ من مدنيين متطوعين، وبسبب ظروف الولادة العسيرة لتلك الجماعات لم يُمكن اجتماعُها في جسم واحد، فصارت النتيجة عدداً كبيراً من الجماعات المستقلة التي تتحرك فُرادى بلا تنسيق بينها، وتتراوح بين مجموعات صغيرة تضم بضع عشرات من المقاتلين، ومجموعات كبيرة تضم عدة كتائب تجمع بين جنود منشقين ومدنيين متطوعين. هذا الوصف تقريبي وليس دقيقاً، فأنا لا أعرف عن الجيش الحر إلا ما تعرفونه وليس لي مصدر سوى ما أقرأ وتقرؤون مما يُنشَر في مصادر الثورة وصفحاتها، ولا أفشي بنشره هنا سراً لأنه معروف لمن يتابع ويقرأ، وإنما وصفته للاجتهاد في علاجه، لأن الطبيب لا يستطيع علاج المرض إلا بعد تشخيصه. لا أزعم أنني الطبيب، أنا أقلّ من ذلك بكثير؛ إنما أقدم التشخيص للأطباء لكي يقدموا هم أفضل الحلول وأقدرها على العلاج، وأساهم من جهتي بما أستطيع من الرأي والمشورة. ضرورة ومبررات العلاج: الحالة السابقة لا يمكن بقاؤها على حالها إذا كنا جادّين في "حرب التحرير"، ولا بدّ من ترك كل عمل والتفرغ لتوحيد الجماعات المسلحة كلها في كيان واحد له رأس واحد. هذا العمل الجليل الخطير ينبغي أن يسبق أيَّ عمل عسكري وأن يستأثر باهتمام القادة العسكريين وقادة الثورة الميدانيين، لثلاثة أسباب رئيسية على الأقل، سأذكرها هنا ذكراً موجزاً وأعود إليها بتفصيل في المقالات الآتية: (1) إن الجماعات المسلحة المستقلة يمكنها أن تخوض معارك متفرقة وأن تنتصر فيها بعون الله وإذنه، لكنها لا تستطيع أن تخوض حرباً شاملة وتنتصر فيها، فالحروب تخوضها جيوش لا سرايا وكتائب مشتّتة، والتاريخ العسكري أكبر الشهود على هذه القاعدة. (2) وحدة العمل المسلح هي الضمان الوحيد لحماية سوريا من الاقتتال الداخلي والتنازع على السلطة والنفوذ، سواء أثناء حرب التحرير أو بعد سقوط النظام، وهي أيضاً الضمان الأفضل ضد استغلال القوة لتحقيق مكاسب شخصية أو الإساءة إلى الثورة بارتكاب جرائم وجنايات تخالف منهجها وتصرفها عن غايتها. (3) وحدة العمل المسلح سوف تحميه من الاختراق -بإذن الله-، لأن تعدد الجهات المقاتلة والمجموعات التي تحمل السلاح سيمنح النظام فرصة نموذجية لاختراق العمل وإجهاضه كلياً أو تعطيله جزئياً، لا سيما وأن النظام خبير بالتعامل مع الجماعات المسلحة وله سوابق وتجارب ناجحة في هذا المجال.
المصدر: الزلزال السوري
محمد نعيم الساعي
الحرية لسوريا
حسان الحموي
المصادر:
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة