..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

حرب أهلية أم حرب تحرير؟

مجاهد مأمون ديرانية

٤ ٢٠١١ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 3167

حرب أهلية أم حرب تحرير؟
الأهلية.jpeg

شـــــارك المادة

قبل أسبوع كتبت مقالة عن الجيش الحر دعوته فيها إلى توسيع عملياته وتنويعها بين دفاع وهجوم، وقلت: إن كل عمل عسكري يقوم به هذا الجيش الأبيّ الوطني ويكون من شأنه أن يُضعف النظام ويقرّبه من السقوط أو يقوّي الثورة ويقربها من النجاح هو عمل مشروع.
بعد نشر تلك المقالة كتب إليّ إخوة كرام يسألون: "أليس ما دعوتَ إليه هو الحرب الأهلية التي كنت تنهى عنها وتحذّر منها"؟
لا يا أيها الكرام، ليس ما كنت أخشاه -أنا وكثيرون غيري- هو حرب بين الجيش الوطني وقوات الاحتلال الأسدي، وليس الذي أعنيه ونعنيه جميعاً هو الحرب الأهلية بالمعنى الأكاديمي للكلمة، بل الحرب الأهلية الطائفية، فاسمحوا لي ببعض التفصيل حتى يُفهَم الأمر على حقيقته ولا نضطر إلى العودة إليه في المراحل الحاسمة اللاحقة.
قلت في مقالة سابقة: إن الجيش الحر هو الضمان والأمان من انفجار حرب أهلية في سوريا، وقال دبلوماسيون أميركيون وفرنسيون ورو: إن عمليات الجيش الحر سوف تتسبب في حرب أهلية، وهذا ما كررَته أمس مفوّضةُ الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان نافي بيلاي، حين قالت: "إن سوريا في حالة حرب أهلية". أحسب أن ما قلته أنا وما قالوه هم صوابٌ كله. كما تلاحظون يوجد بين الإفادتين تناقض، لكنه تناقض ظاهري وليس تناقضاً حقيقياً، ومنشؤه هو اختلاف الطرفين في تعريف الحرب الأهلية.
أكاديمياً يُسمّى أيّ نزاع مسلح حرباً أهلية إذا وقع بين جماعات منظمة تنتمي إلى الدولة نفسها، وهو ما يعنيه الغربيون والأجانب عندما يتحدثون عن حرب أهلية في سوريا نتيجة لعمليات الجيش الحر، لكن عندما نتحدث نحن عن الحرب الأهلية في أحاديثنا ونتبادل هذا المصطلح في كتاباتنا فإننا نعرف المقصود به تماماً؛ أنا أعرف وأنتم تعرفون، والنظام ومجرمو النظام وعصاباته يعرفون، والطائفة العلوية وبقية الطوائف يعرفون، ولكننا نتلطف فنختصر العبارة ونقتصر على الإشارة، ونكتفي بالتلويح دون التصريح.
ألا نعرف كلنا أن الحرب الأهلية التي نقصدها هي الحرب الأهلية الطائفية، وبالتحديد هي الحرب بين السنّة والعلويين؟ هذه هي تماماً وهي فقط الحرب التي نصفها بأنها حرب أهلية والتي نَحْذرها ونحذّر منها، أما الحرب التي يخوضها الجيش الحر ضد قوات النظام وكتائبه وعصاباته فلا نسمح لأنفسنا بأن نسميها حرباً أهلية، بل لعلنا نفضّل أن نسميها "حرب التحرير".
إذا عَرّفنا المصطلح بهذه الطريقة يزول الخلاف -إن شاء الله-، وسوف يوافق الأكثرية على أن الجيش الحر هو أهم وقاية من الحرب الأهلية (الطائفية)؛ لأنه سيساعد على توازن القوى بحيث يسحب فتيل الحرب.
سأوضح أكثر، لكني مضطر إلى تأكيد أنني أقدم وصفاً تشريحياً لمشكلة الحرب الأهلية في سبيل دفعها والحرص على تجنبها، ولا أكتب نصاً تحريضياً لن يعود بأي فائدة على الأمة والثورة.
الحرب الأهلية تنشأ بين جماعات اعتادت على التعايش الطويل ضمن إقليم أو بلد واحد، وبما أن الحالة الأصلية التي تجمع تلك الجماعات هي حالة السلام فإن الانتقال منها إلى حالة الحرب يحتاج إلى فعل، وبما أن الحرب الأهلية ليست عَرْضاً بهلوانياً كعروض السيرك التي يتحرك فيها عدة أشخاص في إيقاع موحّد، بما أنها ليست كذلك فلا يُتوقَّع أن يبدأ الطرفان بالحرب معاً، بل يحصل دائماً أن يبدأ أحدهما بالعدوان فيضع الطرف الآخر في مجال رَدّ الفعل، وهكذا تنقضي مساحة من المواجهة لا تسمى حرباً أهلية بل عدواناً من طرف على طرف، وعندما يرد الطرف الآخر -بعد مدة تطول أو تقصر- تبدأ الحرب.
نصل الآن إلى أهم فكرة في الموضوع: إذا كانت المواجهة هي بين قوتين متكافئتين أو شبه متكافئتين فإن الطرف المعتدي يفكر مليّاً قبل البدء بالعدوان أو يتردد في المضي فيه بعد ابتدائه، لأنه يدرك أن الحرب ستكلفه كثيراً وأنه قد ينتصر فيها وقد ينكسر، وحتى لو انتصر فإن ثمن الانتصار سيكون فادحاً. أما إذا كانت بين طرفين غير متكافئين فإن الرغبة في البدء بالعدوان والاستمرار فيه سوف تتناسب عكسياً مع درجة الضعف، فإذا كانت نسبة ضَعف الطرفين تسعين إلى عشرة فإن نسبة استعدادهما للعدوان هي عشرة إلى تسعين؛ أي أن الطرف الضعيف تقل نسبة استعداده للبدء بأي اعتداء بمقدار ضَعفه، والطرف القوي تزداد نسبة استعداده للبدء بأي اعتداء بمقدار قوته.
حتى الآن كان ميزان القوى مائلاً مَيَلاناً شديداً لصالح النظام الذي يملك القوات الضاربة جميعاً، من جيش وأمن وعصابات شبه نظامية، وقد صار من المسلّمات أنه يدفع بالطائفة العلوية -التي تنتمي إليها أغلب قياداته الأمنية والعسكرية- إلى حرب أهلية من خلال تسليحها وشحنها بالخوف والأوهام. هذا الصراع يرغب فيه النظام رغبة قوية وقد حاول الدفع إليه كثيراً، ولكنه فشل حتى الآن فشلاً ذريعاً، وإن شئتم رأيي فإن الشعب السوري الحر الثائر يستحق أن يُمنَح جوائز نوبل للسلام لمائة عام قادمة؛ لأنه ثبت هذا الثبات العجيب أمام كل الدفع والإغراء لإشعال حرب أهلية طائفية، وما يزال ثابتاً حتى اليوم.
ولكن إلى متى يستطيع الثبات؟ سأكرر الجملة التي وردت قبل فقرتين: "يبدأ أحدهما بالعدوان فيضع الطرف الآخر في مجال رَدّ الفعل، وهكذا تنقضي مساحة من المواجهة لا تسمى حرباً أهلية بل عدواناً من طرف على طرف، وعندما يرد الطرف الآخر تبدأ الحرب". ألا تلاحظون أننا نعيش الآن هذه المرحلة، مرحلة العدوان من طرف واحد، وأن الانتقال إلى المرحلة التالية، مرحلة الحرب الأهلية الطائفية، قد لا يكون بعيداً إذا استمر الضغط والتصعيد؟
النظام يزداد شراسة ويجتهد في استفزاز أسوأ النزعات البشرية عندما يتعمّد التنكيل الساديّ بالصغار والكبار من الثوار وأهالي الثوار ويتعمّد نشر وترويج ساديته، وعندما يجتهد في تثوير أوباش الطائفة العلوية وتسليطهم على القرى والأحياء السنية ليحوّل نزاع الشعب معه إلى نزاع بين الطائفتين، وللأسف فإنه يجد تجاوباً من ذلك الطرف في كثير من الأحيان؛ رأينا ذلك الأمر مِراراً وقد تكرّر تكراراً مريراً في محافظات حمص وحماة وإدلب، مدنها وريفها، وآخر ما رأيناه كان في جريمة اجتياح تلكلخ والقصير الأخيرة التي اجترحتها عصاباتٌ من القرى العلوية المحيطة بالبلدتين.
لو استمر الضغط في هذا الاتجاه فلا بدّ أن يأتي يوم ينفجر فيه البركان، وهذا هو ما يراهن عليه النظام وهو ما يريده وما يتمناه ويسعى إليه. وماذا يضرّ النظامَ أن يُفني أبناء تلك القرى والبلدات أنفسَهم في اقتتال أعمى يقتل فيه الناسُ بعضهم بعضاً ما دامت النتيجة هي انشغالهم وانصرافهم عنه؟ هنا يأتي دور الجيش الحر، فإنه حينما ينزل إلى الميدان ويبدأ باستعمال قوته المكافئة لقوة المعتدين سيجد الطرفُ المعتدي أنّ من شأن عدوانه أن يجرّ عليه خسائر موجعة وأنه لن يكون نزهة بلا ثمن، عندها سوف يراجع نفسه ويفكر مئة مرة قبل الإقدام على العدوان، وسوف يتراجع احتمال سقوط سوريا في حرب أهلية من تسعين بالمائة إلى عشرة بالمائة في أعلى الاحتمالات.
منذ شهور وكثيرون يحذّرون من الحرب الأهلية، وأنا لم أكن إلا صوتاً فرداً خافتاً من أولئك الكثيرين، وما أزال. لماذا؟ لأن الحرب الأهلية هي أسوأ كابوس يمكن أن يعيشه شعب من الشعوب، حربٌ الكل فيها قاتلٌ والكل مقتول، حربٌ لا يعرف فيها القاتل في أي شيء يَقتل لا يعرف المقتول في أي شيء يُقتَل، إنما يتقاتلون ويَقتلون ويُقتلون لأنهم مختلفون، وإذا بدأت لا تكاد تنتهي، وإذا انطفأت نارُها أخيراً بقيت منها بقيةُ جمر تتّقد تحت الرماد أجيالاً وراء أجيال. هذه الحرب لا يريدها في سوريا أحد إلا النظام، ولا يدفع باتجاهها أحد إلا النظام.
لذلك أرجوكم: أعلنوها على الملأ بالصوت العالي واجعلوها من أهم شعارات الثورة: "لا للحرب الأهلية الطائفية"، ولكن لا تنسوا أن تكتبوا كلمة "الطائفية" بالخط العريض كلما رفعتم هذا الشعار العظيم، حتى لا يختلط الأمر على الناس في الداخل والخارج فيحسبوا أنكم تعارضون الجيش الحر وعمليات الجيش الحر، سواء أكانت عمليات دفاعية أم هجومية، بارك الله في النوعين جميعاً.
لا يا أيها السادة، لا يجوز أن نسمي حرب التحرير حرباً أهلية، ولا يجوز أن نعتبر الحرب بين جماعتين من السكان كالحرب بين جيش احتلال وجيش تحرير. ثم إن الأمر لم يعد رأيي ورأي غيري؛ لقد خرج الموضوع من أيدينا جميعاً وصار في يد المجتمع الدولي، والتدخل العسكري آت لا محالة، فليكن شعارنا هو "جيشنا الحر يحررنا"، ولنطالب بدعمه بالسلاح والمال والأرض والسماء الآمنتين، ثم لنتركه ليقومَ بواجبه الذي من أجله تنشأ الجيوش، أليس هذا خيراً من استجداء الحماية الدولية والتدخل العسكري الأجنبي المَقيت؟
لنستعدّ لحرب التحرير الآتية فإنها حرب واقعة لا مناص منها، ما لم يدفع الخوفُ من التدخل الدولي بعضَ كبار قادة النظام أو الطائفة إلى تصفية بشار وأعوانه الكبار، أو تسليمهم في صفقة حاسمة من شأنها أن تنهي الحكم الحالي مقابل ضمانات بسلامة الطائفة أو ضمانات بعدم ملاحقة منفّذي الصفقة. هذا الخيار كان وارداً منذ شهور وما يزال وارداً اليوم، وسيظل وارداً حتى لو بدأت الحرب فعلاً، وهو يختلف عن الانقلاب الذي لن يغير شيئاً ولن ينجح في وقف الثورة؛ لأن الانقلاب من شأنه أن يغير وجوهاً مجرمة بوجوه مثلها في الإجرام، أما الخيانة والتسليم فإنه يُخرج الجميع من المعادلة، البعضَ إلى حتوفهم والآخرين إلى ملاجئ آمنة -خارج سوريا على الأغلب-. ما لم يحصل ذلك، وما لم تتهاوَى الدولة بسبب الضغط العربي والدولي الجادّ والمتزايد على الاقتصاد السوري، فلا يبدو في الأفق المنظور إلا الحل الأخير: حرب التحرير.

المصدر: الزلزال السوري

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع