..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


سوريا المعاصرة

مع كاتب سقوط الجولان في خطفه وسجنه المقدم مصطفى خليل بريّز ذكرى وفاء.. لضابط شريف

مهدي الحموي

٩ ٢٠١٣ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 15561

مع كاتب سقوط الجولان في خطفه وسجنه المقدم مصطفى خليل بريّز ذكرى وفاء.. لضابط شريف
1.jpg

شـــــارك المادة

شهور من محنة السجن التي طالت حوالي السنتين عشتها مع هذا الضابط الشريف في سجن المزة العسكري, هذا الضابط الذي يحن إلى الجولان المحتل وكأنها قطعة من كبده لأنه الإبن الحقيقي للوطن, خدم في جولانه حياته العسكرية حتى غدا ضابط إستخبارات برتبة مقدم.

 


كيف لا يحزن على سقوط هضبة الجولان وقد أنفق الجيش السوري على هذه الجبهة 6 مليارات دولار حتى سقوطها في عهد البعث, الجولان... هذا الفردوس الشرقي الذي قال عنه كارل فون هون كبير المراقبين في الجولان( إن كل شبر من تلك الأرض يساوي منجماً من ذهب لكثرة مايغل من الحب) ويقول المقدم *........ مصطفى أنه خلال خدمته العسكرية غرس في الأرض بذرة عباد الشمس فغدت شجرة بطول 6 إلى سبعة أمتار) و قد نشرت إسرائيل تقريرها السياحي في عام 2010 فكانت 82 بالمئة من سياحة إسرائيل إلى الجولان, ويثبت لك المقدم في كتاباته كيف تمت تصفية الجيش السوري من كفاءاته, وكيف رفعوا رتب البعض بالجملة, وكيف سلّم الأنذال الجولان لليهود وعادوا لحماية حكمهم (كصلاح جديد ورفعت..) ويثبت لك المقدم الخيانة بعينها لحافظ الأسد وزير الدفاع في إذاعة بلاغ سقوط القنيطرة وكانت وقتها معافاة وليس فيها أي جندي إسرائيلي, (وكذا كان عدد القتلى حوالي 137 شهيد سوري فقط, وهو أصغر بكثير من أصغر مذبحة لآل الأسد الخونة في أزقة سوريه) فهل يتركوه حراً !!!
في المهجع رقم 4 علْوي هنا تعرفت على هذا الرجل العظيم، وبالمناسبة فقد كان معنا في المهجع المقابل رقم 3  الكاتب السيد زهير الشلق وهو يتقن سبع لغات, وقد اعتقل لأنه كتب في إحدى الصحف اللبنانية (أظن النهار) عن الجولان كذلك ما يلي: أراد حزب البعث أن يغيّر وجه التاريخ فغير خريطة الجغرافيا, وقد سجن في كل كلمة سنة كاملة وكان سجنه عشر سنوات بالضبط) لقد سجن كصديق سجنه لأنه سلط الأضواء على ضياع الجولان فدفع الثمن غالياً كذلك.
خطفه من لبنان:
كان المقدم مصطفى هارباً من وجه السلطة إلى لبنان لنشره كتابي سقوط الجولان ومن ملفات الجولان واللذين طبعا في لبنان وكانا يهربان لسوريه (وكنت أبيعه مع إخوتي حيث نخفيه في جوارير سرية تحت الخزانة في مكتبتنا), وقي ذات يوم من أوائل السبعينات...  كان يسبح على الشاطئ في يوم جميل من أيام صيف بيروت فسارع إليه عدد من المخابرات السورية (مخترقين سيادة لبنان) وأمسكوه وضربوه إبرة مخدر ثم خطفوه بالسيارة لمكان مجهول حيث وضع في تابوت خشبي وزورت له الوثائق على أنه متوفى, ووضعوه فوق سيارة مدنية, وعبروا فيه نقطة حدود لبنان الرسمية, متلبسين بالحزن وساقوه إلى دمشق ليصحو هناك ويجد نفسه في صندوق للموتى في مركز للمخابرات السورية بالفرع الخارجي.
وبدأ التحقيق والتعذيب الانتقامي معه .
أودع المقدم مصطفى في زنازن سجن المزه العسكري التي لا ترى الشمس ابداً ولا ترى فيها سوى سحن جنود سرايا الدفاع المعروفة, تلك الزنازن التي أودع بها الشيخ القائد الثائر الأول مروان حديد وكذا العالم المجاهد الشيخ سعيد حوى.. فترة طويلة فاعتاد المقدم مصطفى الهدوء والصبر الطويل وكان كعادته رجلاً متدينا محتسباً متوكلاً على الله ولا يشكوا أبدا....
سمع رئيس ليبيا معمر القذافي بكتابه فقرأه وأعجب به, فتوسط له مع الرئيس حافظ الأسد لكن حافظ الأسد رفض معتذراً بأن المقدم مصطفى قد تهجم على طائفته العلوية لذا فالأمر ليس بيده, وكان ذلك كذباً وبهتاناً فالمقدم لم يكن طائفيا ولم يلمح لأي كتابة طائفية في كتابيه على الإطلاق, وإنما كان راصداً للخيانة, فمكث المقدم مصطفى في سجنه عشرات السنين, وعاش معي ومع غيري آلام السجن وجوعه وظلمته ووحشته ولقمته القليلة وخبزه اليابس, وقطع الماء المقصود وإهمال المرضى وضعف الخدمات (فقد كنا 55 شخصاً لحمام واحدة ومطبخنا على الأرض مكان فراش نومنا) وكذالك كانت الأرض مائلة لا يسهل النوم عليها.
في سبيل القيم العليا التي آمنّا بها جميعاً في الله والوطن والحرية والعدالة الاجتماعية والأمانة ومحبة الناس كانت هذه التضحيات وكان المقدم مصطفى كما كنا نحمل قدر الأحرار الذين رفضوا أن يحكموا كالعبيد وأن تسلم أوطانهم كمعالف الحيوانات مقابل ثمن بخس.
سجنت أنا مدة سنتين في سجن المزة العسكري عام 1978 وقد كنت في جهة المهاجع التي تطل نوافذه العالية (4 ـ 5 م) على دمشق, لكن سلطة السجن بقياد مديره حامد إسبر (إغتاله البطل الحموي محمد فخري بعد إطلاق سراحه منه) وقال يجب نقل مهاجع الإخوان المسلمين للخلف حيث أصبح الغبار يصلنا من حفريات بناء قصر حافظ الأسد على قمة جبل المزه, (بعد أن اتهموا الإخوان بأنهم يستعملون الضوء عبر النوافذ المطلة على دمشق كشيفرة للهروب), وهنا وفي المهجع رقم 4 علْوي تعرفت للمقدم مصطفى, والذي احتل أول فرشة على المصطبة مطلة على الكوريدور وذلك لقدمه في السجن (وكنت أنا في الأرض عند مدخل الباب) وقد رأيت هدوءه وقلة كلامه ومسالمته لنا وجديته وتدريسه للغة العربية التي كان يتفوق بها, وقد كان من فقره أن عمل من منشفته التالفة طاقية أخاطها ووضعها على رأسه وخيوطها تشوه منظر حوافّها, وكان معه الحق فقد ترك لوالده (بائع الخضرة) عائلة كبيرة, وكان من غيرته على عرضه لا يسمح بزيارات بناته رغم سجنه ما يقارب ربع قرن من الزمان  لأنه يعلم وساخة أبناء النظام الذين كانوا يتحرشون النساء الزائرات, ويسرقون معظم ما يحضر لنا أهلونا.
وكان أشد ما آلمني على هذا الرجل العظيم ما حدث في القصة التالية:
نادى جندي سجان: مصطفى خليل.. جهز أغراضك, قال مصطفى لفين؟
قال السجان لمهاجع البعثيين (السوريون الموالون للعراق) فقال له لا  لن أنتقل, قال هذا أمر من إدارة السجن فقال: قل لهم لست موافق,
ذهب السجان وعاد بعد قليل وقال له إما لمهاجع البعثيين أو للزنزانة. فقال طيب ليش.
قال السجان هذا مهجع للإخوان .
قال اعتبرني منهم, قال لست منهم.
قال أنا أقول لك إنني منهم.
قال: السجان هذه هي الأوامر إما مهاجع البعثيين أو الزنزانه ولا حل آخر.
قال مصطفى: الزنزانة, وحمل فروته القصيرة ومشى لزنزانته ليقضي بها 6 أشهر.
وكان الحق معه فالبعثيون قد عاشرناهم حثالة لا يحبون بعضهم ولا يرضون بقسمة ولا يلتزمون بدين ولا خلق, ومهجعهم عليه دائماً غيمة من الدخان والمشاجرات كانت يومية, والكفر على لسانهم, وحنينهم للخمر قد أجبرهم على تعفين الفاكهة على قلتها, أما نحن فكنا نحاول يومياً حفظ القرآن (كان حوالي ثلث أو نصف المهجع يحفظون القرآن), كما كنا نصلي جميعاً جماعة, ونأكل سوية.
وكان معظمنا خريجي أو طلاب جامعات وقد تقويت أنا باللغة الإنكليزية هناك.
حزنت كثيراً على ذهاب هذا الرجل العظيم للزنزانة  (وكان قد سبقه في هذا الأخ أبو صبري السباعي من حمص وهو بعثي فلما أرادوا نقله لمهاجع البعثيين فقد وعيه وكاد يسقط على الأرض لولا مساعدتنا له) ولذا اقترحت على إخوتي في المهجع أن يتركوا مكان المقدم مصطفى خالياً ذكرى وفاء له, لكن مسؤول المهجع وهو صديقي الأخ موفق عياش طرح ذالك على التصويت (الذي عودنا عليه الشيخ سعيد حوى في كل أمور المهجع) فكنت الصوت الوحيد المؤيد مقابل الجميع المعترض,وأنا أعذرهم فالمهجع ضيق, فتقرر أخذ موقعه للذي يليه.
ذهب  يومها المقدم مصطفى ولم  أراه حتى سمعت في أوائل التسعينيات نبأ وفاته في سجن القلعة في دمشق بعد مايقارب الربع قرن من السجن.
رحمك الله أيها المقدم الشريف وابن الوطن الكريم مصطفى, لقد علمتنا كيف تفدى الأوطان,وكيف تلقن الأجيال, وكيف يكشف الخائنون, فإلى جنان الخلد أيها المقدم الوطني العظيم.     

تعليقات الزوار

..

ابو علي - سوريا

٢٣ ٢٠١٤ م

للتصحيح المقدم خليل بريز بعدو عايش ما توفى وهو خارج السجن من التسعينات

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع