..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


مرصد الثورة

معتقل سابق يكشف عن وسيلة تعذيب جديدة في سجون الأسد

وائل زهراوي

١٢ ٢٠١٧ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 18842

معتقل سابق يكشف عن وسيلة تعذيب جديدة في سجون الأسد
folter.jpg

شـــــارك المادة

العميد عبد السلام فجر محمود، رئيس قسم التحقيق في فرع المخابرات الجوية بمطار المزة العسكري، ويكتب اسمه هكذا دون أي ألقاب أخرى، فكل عورات أهل الأرض لا تكفي وجهه عاراً على ما فعله بحق المعتقلين الأحرار في زنزانتنا التاسعة عشرة في مطار المزة العسكري، كانت رائحة لحم عبد الحي المحترق تزيدني يقيناً أنه لن يكون هناك راحةٌ طالما نحن أحياء هناك،حيث مرارة الفناء أشد من مرارة الألم، وملامحنا التي توحدت لأجل الوطن، لن تنساها ذاكرة الجدران أبداً، حيث تمسي ( الشمعة ) اسماً أشدّ رعباً من كل أسلحة الأرض فتكاً و موتاً.
كان عبد الحي صاحب الشهادة العليا في الكيمياء قد أمضى معنا 21 يوماً، روى لي خلالها كيف اعتقلوه في كمين على طريق عربين،
و منذ لحظة وصوله يخرجونه كل يوم ويشبحونه لأكثر من ساعتين، ُيكملون سلخَ جسده الذي لم يتبقَ منه شيء، ليعود بعدها والدم ينزّّ من كل مسامة فيه.
بعد أن ذاق معنى الألم والتعذيب الشديد أصبح يخاف من موعد قدومهم، وعلى وقع اقتراب أصواتهم يحاول أن يزحف لإحدى زوايا الغرفة، وينظر إليّ ودموعه تسبق كلماته، ومن ذاق عرف.
كانوا يريدون منه شيئاً ولم يعترف به أبداً، كنت في نصف وعيي بعد أن تورمت رجلي اليمنى لدرجة مهولة، نتيجة الجرح الذي أصابها وأنا مشبوح في سقف غرفة الموت، بدأت خطواتهم تتسارع وشتائمهم تقترب، لحظات وفتحوا الباب، وقال المساعد المسخ: عبد الحي محمد أمين، كان عبد الحي لا يقوى على الوقوف، وكنت بقربه بالكاد أستطيع لمسَ الأرض برجلي، لشدة الجروح التي فيها، رفع المساعد كبله وهوى به على ظهري وهو يقول : "ساعده يوقف ولا حيوان".
ذاك الجبان يعرف أني بالكاد أقف على رجلي فكيف أعين عبد الحي، استندت على الحائط ومددت يدي كي أساعد عبد الحي على النهوض، وحين شددته انزلقت رجلي بالقيح والدم الذي يسيل منها كل الوقت، فوقعت فوق عبد الحي، و لن أنسى حتى آخر لمحة من حياتي كيف انهالوا علينا ضرباً بالكبل أنا وعبد الحي، وكيف كان يضع يده فوق مكان جرح رجلي كي لا يصيبني الكبل فيغمى علي.
وبدل أن أعينه أعانني، بعد الكبل العشرين وضع المساعد رجله فوق صدري وقال:"شو اسمك أنت ولا" كان فمي مملوءاً بالدم، فقلت له وائل الزهراوي سيدي، قال : "أنت اللي دارس حقوق ما هيك؟ لك في حدا دارس حقوق مهو خاين و كلب يلعن ر.. شو عرصات، أيّ رجل عم توجعك هي الورمانة طلع فيني هون طلع ولاك شايف هالكبل، هادا هو الحقوق تبعك ولا عرصا"
وضربني بكبله على مكان جرح رجلي فشعرت أني قد انقسمت نصفين وأن رجلي قد انقطعت، لم يغمَ عليّ لكني صرخت بأعلى صوتي فزاد ضربه حتى صَمَتُّ  تماماً ولم أعد أشعر بشيء.
سحلوا عبد الحي من رجله وأخذوه، كان يمضي وعيناه تحدقان بي، مضى للعذاب، للحرق، الله اختار الحرق وسيلة ليعذب بها المجرمين من عباده، لكنه إله.
عندما سمعت المساعد يقول (حطوه عالشمعة) أصابتني حالة دوار وانهيار تام، فبعد أن يخلع المعتقل كل ثيابه كانوا يضعونه على كرسي من حديد ثبتوا أرجله داخل الإسمنت، بحيث لا يتحرك أبداً، وليس له سطح ليقعد عليه الإنسان .
فيجلس المعتقل على الكرسي المقعر، ثم يربطون رجليه مع رجلي الكرسي بالجنازير، ثم يربطون جنزيراً آخر حول خصره مع ظهر الكرسي، ويكبلون يديه للخلف بأصفاد الحديد، فيصبح ملتصقاً تماماً بالكرسي.
ثم يأتون بصندوق ويضعونه تحت الكرسي فتكون المسافة مابين الصندوق وجسد المعتقل أقل من عشرين سم، ثم يضعون شمعة فوق الصندوق، فتكون الشمعة تحت المنطقة الواقعة بين الجهاز التناسلي والمؤخرة، ثم يشعلون الشمعة تحت المعتقل، وتبدأ الشمعة بإحراق تلك المنطقة المليئة بالأعصاب واللحم الطري، ويبدأ الصراخ يشق كل صمت هذا العالم الرخيص.
والشمعة رغم كل توسلاتنا لا تتوقف أبداً عن أكل اللحم الذي يتقطر كالدهن في حالة الشواء، ويبدأ المعتقل يحترق ويبحث عن أي خلاص، أي شيء، أي قوة يستنجد بها، أي درب يوقف احتراقه، أي شيء أي شيء.
وعندما يصل الاحتراق للحم الأحمر تحت سطح الجلد، يصبح الصراخ عويلاً يعجز عنه كل أهل القبور ونبدأ نحن بالبكاء، عندما أحرقوا عبد الحي في المرة الأولى أغمي عليه ثلاث مرات، وهذا ما أغضب المساعد فضربه على رأسه بكبل الدبابة، فعميت عينه اليمنى .
كان عندما يحدثني يلتفت إلي كله لأنه لا يراني إلا بعينه اليسرى، و يَئنُّ كل الوقت، فالحرق في هذا الجزء من الجسد يجعل كل حركة يقوم بها الإنسان مؤلمة لدرجة البكاء، مضطراً لأن يبقى عارياً من ثيابه كل الوقت.
في تلك الليلة النكراء التاسعة ليلاً والعاشرة موتاً فتحوا باب زنزانتنا، ونادوا على عبد الحي، كانوا قد حرقوه منذ خمسة أيام، و جسده مليء بالجروح وظهره ليس عليه سوى بقايا لحم هنا وهناك.
كان قد فقد كثيراً من قدرته على التركيز، لم يعد بكامل وعيه، رئيس غرفتنا كان ظالماً مجرماً ركل عبد الحي على رأسه وجرّه إليهم، أمسكوا رجله وسحبوه، بدأ يبكي فور خروجه من الغرفه، أشهد أنه كان رجلاً شجاعاً، وأشهد أن شجاعة بعض المعتقلين هناك يخجل منها الموت.
بعد دقائق ارتفع عويل عبد الحي عرفت أنهم يحرقونه بالشمعة، وبدأ صوته يزداد وعويله يصبح أكثر عمقاً، وينغرس في صدري كسكين، وبدا لي كم نحن طاعنون في البؤس، وكيف أن من خاطر بروحه قبل جسده لن يجبن أمام الموت وحمحمته، لكن الجسد لعنة.
وتذكرت قول عبد الحي: "أخي وائل في بيتنا جنينة ورد صغيرة، ابن جيراننا عمره سبع سنوات سقطت على بيتهم قذيفه فطار ووقع على جنينة الورد وسقاها من دمه، أهناك وطنً في الدنيا يسقي حكامه الورود دماء أطفالهم!
عندما أدخلوه لزنزانتنا كان في غيبوبة كاملة، رموه على الأرض وذهبوا، بعد برهة صحا، كان الوقت قد تجاوز منتصف الليل وكنت ممدداً بقربه، أمسكت يده، وقلت له أخي عبد الحي شد حيلك، فأومأ لي برأسه عدة مرات وعيناه نصف مفتوحتين، وشعرت بيده كيف كانت تشد قليلاً على يدي، اقتربت منه وقلت له: بدك مي عطشان؟ كان يهمس اقتربت منه أكثر فقال: لا تتركني لا تتركني خيي وائل لا تتركني، فقلت: لا تخف لن أتركك أبداً أنا معك يا أخي.
وبكيت وتمنيت لو أني أستطيع إنقاذ عبد الحي من مصيره المحتوم، الشعور بالعجز شعور قاتل، وما حيلتي وأنا معتقل مثله وعلى مشارف الموت، وكم هو عصي أن يفهم الإنسان أن كل جريمته في وطنه أنه مواطن فيه!!
في الليل كانت تأتيني حمى نتيجة لالتهاب جسدي من جرح رجلي، فغفوت ويدي في يده، عندما صحوت وجدت عبد الحي قد مات، كان مغطاً ببطانية وملقاً عند الباب، رحل عبد الحي وتركني هناك، وماذا بقي مني بعده.
ولتسمع أيها العالم الذليل: لن نصالح، ولن نرضى، لن ننسى، ولن نستكين، ويا أيها المطر ستعجز أن تغسل آثار دمائنا هناك، عبد الحي: لقد تركت يدك، لكن يديكَ لم تتركاني لمحة واحدة، لازالت ملامحك تغطي السماء بأكملها، وإني أشتاقك شوق الأشجار للراحلين، وأحلم بك دوماً و بالجنينة التي شربت من دم الطفل القتيل.
وليس لأحد أن يكون ولي دماء كل السوريين، وليس لأحد أن ينوب عنا فيفاوض على عذاباتنا ويسامح بدمنا المسفوح هناك، ومن لم يذق ألم التعذيب فلا يتحدث نيابة عنا .
ويا تنظيم الأسد والله لو أتى العالم بأكمله ليحارب معكم، ثقوا بأننا سنهزمكم لوحدنا، نحن السوريبن نحن السوريبن الحقيقيبن وستعلمون من نكون، وكفانا ذاك شرفاً.


المصدر: شبكة شام الإخبارية

تعليقات الزوار

..

مواطن - سعودي

١٢ ٢٠١٧ م

حسبنا الله ونعم الوكيل

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع