..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

سوريا بين صراعات المصالح.. وخبث السياسة

لجينيات

١٩ ٢٠١٢ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 6505

سوريا بين صراعات المصالح.. وخبث السياسة
340X297.jpg

شـــــارك المادة

يتابع الشعب العربي والإسلامي ما يحدث في سوريا كل صباح ببالغ الأسى والحزن ضارب كفًا بكف متسائل عن المخرج للشعب السوري من هذه المذبحة التي تجري على يد بشار وعائلته وشبيحتهما، وسقوط آلاف القتلى والجرحى، مما يدفع الجميع لتحليل الوضع القائم للثورة السورية والبحث لها عن شبيه في أخواتها العربيات.


بيد أنه هناك فروق جوهرية تجعل الحالة السورية فريدة من نوعها بكل المقاييس وتظهر فيها صراعات المصالحة وكثرة اللاعبين بقوة لما تتميز به من موقع سياسي ودور تاريخي في المنطقة العربية.
لا شك أن الحالة السورية بعيدة كل البعد عن النموذج المصري والتونسي، لانحياز جيوش هذه البلاد لشعوبها أو على الأقل الوقف على الحياد ورفض التصدي لثورات الشعوب مما عجل بسقوط أنظمتها إذ أن الأنظمة الأمنية بكل بطشها وجبروتها لا تستطيع أن تقف يوم كامل أمام الشعوب الثائرة كما حدث في مصر مثلاً.
وتقل المسافة بينها وبين النموذج الليبي، فقد انحاز الجيش للسلطة الغاشمة ولكن سرعان ما أخذ الطرف الدولي زمام المبادرة، فالوضع في ليبيا بسيط ولم يكن للقذافي بواكي ولا أصدقاء ولا تمثل ليبيا خطر إستراتيجي كبير على مصالح الغرب بل ربما يكون الوضع بعد القذافي أفضل بكثير من قبل -على الأقل على حسب ما كانوا يتوقعون-.
ونستطيع أن نقول: أن الشبه يقترب أكثر من النموذج اليمني في ظاهره فسوريا، دولة يحكمها رئيس طائفي بينما في اليمن كان الرئيس قبلي، الانشقاقات في الجيش غير أنه لم يكن له أهمية كبيرة في اليمن فالشعب مسلح ولا يحتاج إلى سلاح الجيش، ولكن في سوريا يمثل تحول خطير في صالح الثورة السورية. ولكن يبقى الفارق الجوهري الأكثر أهمية هو موقع سوريا الخطير وتحالفاتها الدولية والإقليمية.
يحد سوريا من الجنوب السعودية والأردن، ومن المغرب لبنان وفلسطين المحتلة ومعها إسرائيل الغاصبة، ومن الشمال تركيا، ومن المشرق العراق، ومن هذا الموقع الاستراتيجي يهتم لأمرها كثير من اللاعبين وتتعقد المصالح وتقوم الصراعات.
السعودية وخلفها دول الخليج حاولت كثيراً فتح قنوات الود مع سوريا ولم تدخر وسعًا في تحييدها عن إيران بيد أن سوريا ارتمت في أحضانها متكئة على البعد الطائفي بكل قوة مفضلة إياه على البعد الجغرافي والعرقي العربي، مما جعل السعودية ومن خلفها دول الخليج - التي تعتبر إيران ومدها الشيعي وطموحها الاستعماري في المنطقة هي الخطر الأول على أمنها في المنطقة - تيأس من النظام السوري وتسعى لإسقاطه إذ أنه أصبح خطر على شعبه.
العراق تدعي الحياد في موقفها المنحاز لسوريا لتأثير إيران الواضح على الإدارة العراقية ولها في الداخل ما يشغلها كثيرًا عن سوريا وغيرها.
تركيا ما فتئت تعتبر سوريا هي بوابتها إلى العرب وكم قدمت من التسهيلات وعقدت من الاتفاقات مع النظام السوري حتى تفرض هيمنتها عليه في شكل الصداقة لكنها وجدت كما السعودية أن النظام السوري هواه إيراني في المقام الأول، وقد حاولت في بداية الأزمة أن تتدخل وتكون الوسيط بين النظام السوري وشعبه لكن تدخلها قوبل بصلف النظام السوري وغروره، وكان باستطاعتها أن يتحول هذا التدخل إلى عسكري ولكن وجدت أن هذه يفقدها رصيدها الشعبي العربي من الاحترام والصداقة إذ الاختلاف العرقي كان سيحول التدخل إلى احتلال في نظر كثير من العرب وقوبل أيضاً باعتراض دول كبرى مثل أمريكا وإسرائيل، فكتفت بالضغط مع العرب وتوفير الملجئ الآمن للاجئين والقيادات المنشقة من الجيش.
روسيا بينها وبين النظام السوري تحالف تاريخي قديم تعتقد أن سوريا هي مسمارها الأخير في الشرق الأوسط بعد خسارة ليبيا ومصر من قبلها بكثير، وقد سخر منها البعض في موقفها الأخير في ليبيا وتراجعها عن الفيتو وانطلقت العبارة المشهورة أن النظام الروسي سياسته أن لا سياسة مما جعلها متحفزة معتبرًا الموقف من القضية السورية يمثل لها فرض هيبة وتذكير للعالم بأنها لا تزال قوة كبرى لها تأثيرها الدولي في اتخاذ القرارات وتستطيع أن تقف في وجه الولايات المتحدة إن شاءت.
الصين لاعب جديد ولكنه غبي نزل الملعب قبل الإحماء فلن تنسى دول الخليج والشعوب العربية لها موقفها من القضية السورية، ومن العجيب أن مصلحة الصين أكبر بكثير مع دول الخليج ومعظم دول العالم العربي ما عدا سوريا ولكن يبدو أنها تريد أن تشكل مع روسيا جبهة جديدة أمام الولايات المتحدة.. ولكن نعتقد أنها ستخسر كثير في هذا التوقيت الذي يفيق فيه العرب ويقررون من عدوهم من صديقهم، ولعل هذا ما يجعلها ليل نهار وعلى لسان كل متحدث لها تكثر من التبرير والاعتذار عن قرارها بالوقف أمام قرار يدين النظام السوري شعورًا بالخسارة لا بالذنب.
الولايات المتحدة الأمريكية كالعادة موقفها مصلحي بالدرجة الأولى؛ ولأن المصلحة في حالة الثورة السورية غير واضحة لها فنعكس ذلك على موقفها، ففي العلن أو الظاهر تتبنى الولايات المتحدة موقفًا متشدداً من النظام السوري يسعى -كما تزعم- لإسقاط النظام السوري، وتقول أنه فقد شرعيته.
وبعد الفيتو الصيني والروسي جلست تلعب على الحبلين من أنها تريد إنقاذ الشعب السوري ولكن روسيا والصين حالتا دون ذلك!!
ومنذ متى تكترث الولايات المتحدة بفيتو روسي أو صيني أو فرنسي، من الواضح أن الولايات المتحدة تتمنى بل ولا نبالغ إذا قلنا أنها تسعى لإفشال الثورة السورية.
لسنا من أصحاب نظرية المؤامرة، ولكن دعونا نتفق أن الولايات المتحدة لا تراعي إلا مصلحتها وإذا قررنا ذلك ونظرنا على الأرض نجد أن من مصلحة الولايات المتحدة أن تفشل الثورة السورية بأي طريقة.
لم؟ من منا ينسى تصريحات وزيرة الخارجية الأمريكية هيلري كلينتون وهي تصف النظام المصري قبل أن يسقط بأنه قوي ومتماسك وصديق ثم اضطرت اضطرار إلى القبول بالثورة المصرية وما فتئت تدعم التيار العلماني واللبرالي في مصر بكل قوة لتنشأ نظام جديد موالى لها على شاكلة النظام السابق.
ثلاث ثورات حتى الآن حسم أمرهم تقريباً وكانت النتيجة أن جاء الإسلاميون واليمن على الطريق وكل المؤشرات تقول أن سوريا لن تختلف عن سابقتها إذا نجحت الثورة وسقط النظام، وإذا كانت الولايات المتحدة أرغمت على التعامل مع الإسلاميين في مصر وليبيا وتونس فلما تسمح لسوريا بذلك؟!
ولا ننسى مصلحة إسرائيل العليا التي تحميها الولايات المتحدة وهي مقدسة في أدبيتها، فلم تسقط نظام يحرس الحدود لإسرائيل طوال ثلاثون عام، ومحتل جزء منه أيضاً، ولم تطلق طلقة واحدة لتحريره خلال هذه الفترة، ومع نظام جديد إسلامي في الأكيد سيبدأ الحديث عن تحرير الجولان وهذا ما لا تريد تخيله حتى أمريكا.
إسرائيل ربما تكون مصلحتها في بقاء نظام الأسد أكثر من الأسد نفسه للاعتبارات السابقة.
إيران أحرص الناس على النظام السوري للبعد الطائفي والمذهبي، والبعد الإستراتيجي أيضاً، فهو الحليف القوي التي تلعب به وتلوح به لدول الخليج وإسرائيل في نفس الوقت، وهو ذراعها في المنطقة وظهر فيلقها في المنطقة حزب الله، وبسقوطه يسهل إسقاطه.
وهذا يجعل دعم النظام السوري بالميلشيات المدربة من حزب الله وحتى وصول السفن الحربية الإيرانية للمواني السورية غير غريب.
وهناك أطراف أخرى ولكن لا قيمة لها لذا ضربنا الصفح عن ذكرها.
يبقى الشعب السوري الطامح للحرية رهينة لهذه الصراعات والمصالح المتضاربة ليس له إلا الله - سبحانه وتعالى - كما قالوا ورفعوا الشعارات منادين: لبيك لبيك يا الله.
ونبشر الأمة الإسلامية والشعب السوري بأننا متفائلين بنصر الله وأنه لم يبق لهذا النظام إلا أن تكتب له النهاية قريبًا -بإذن الله-. 

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع