الدور الإيراني في التطهير الطائفي الصامت في سورية

الكاتب : السورية نت
التاريخ : ٢٠ ٢٠١٥ م

المشاهدات : 2472


 الدور الإيراني في التطهير الطائفي الصامت في سورية

قدمت منظمة نامه شام تقريرين عن انتهاكات لحقوق الإنسان وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ارتُكبت في سورية من قبل قوات وميليشيات النظام السوري بمساندة وتورط الحرس الثوري الإيراني (سباه باسداران) والميليشيات التي يتحكم بها. جاء فيهما أن هناك ما يكفي من الأدلة لفتح تحقيقات ورفع دعاوى قضائية ضد القيادة العسكرية والسياسية الإيرانية لتورطها في العديد من هذه الجرائم على مستويات مختلفة، من “التحريض على” أو “تبنّي” أعمال جرمية وإرهابية معينة إلى “المساعدة والتحريض” على جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.

يقدّم التقرير الأول أمثلة عديدة عن جرائم ارتكبتها القوات والميليشيات التي يتحكم بها النظام الإيراني وكنا قد عرضنا له سابقاً (راجع الرابط)، والتقرير الثاني يتّهم النظام السوري وسباه باسداران وحزب الله اللبناني بالتهجير الممنهج للمدنيين السوريين وبتدمير ممتلكاتهم أو الاستيلاء عليها في مناطق معينة من سورية، مثل دمشق وحمص، ويخلص إلى أن هناك “تطهيراً طائفياً صامتاً” يحدث في سورية بينما العالم يراقب ما يحدث في صمت.

يستعرض التقرير الثاني عدداً من مشاريع “إعادة الإعمار” التي تنفذها حالياً مافيات قديمة - جديدة تتصل بالحلقة الضيقة للنظامين السوري والإيراني، كجزء من مخططات التطهير الطائفي المزعومة.

ويركز التقرير بشكل خاص على شركة “شام القابضة” لصاحبها رامي مخلوف، شركة “كارتل غروب” لإياد غزال، مجلس مدينتي دمشق وحمص، شركة “خاتم الأنبياء” الإيرانية (ذراع سباه باسداران للهندسة والإعمار)، بالإضافة لشركات إسمنت وبناء إيرانية أخرى..

على سبيل المثال، يبدو أن عمليات الهدم في منطقة المزّة في دمشق استمرار لمخطط قديم يهدف لخلق “منطقة نفوذ إيراني” في جنوب دمشق تشبه الضاحية الجنوبية لبيروت الخاضعة لسيطرة حزب الله. كل ما في الأمر أن الخطة سُرّعت بسبب الحرب أو تحت غطائها. كما يبدو أن السفارة الإيرانية في دمشق تلعب دوراً محورياً في هذه الخطة.

إن الهدف من خطط هدم وإعادة إعمار مناطق معينة في سورية ليس فقط معاقبة الجماعات الأهلية التي تدعم الثورة أو الفصائل المسلحة، والتي تنحدر غالبيتها من أصول سنّية، بل كذلك “تطهير” هذه المناطق من جميع “العناصر غير المرغوب بها” ومنعهم من العودة إلى منازلهم في المستقبل، واستبدالهم بعلويّين سوريين أو شيعة أجانب ممن يساندون النظام.

نتيجة هذه السياسة هي تغيير التركيبة الديموغرافية لهذه المناطق من سورية، ويبدو أن الهدف البعيد منها هو تأمين ممرّ دمشق-حمص- الساحل على طول الحدود اللبنانية، من أجل تأمين استمرارية جغرافية وديموغرافية للمناطق الخاضعة لسيطرة النظام من جهة، ولتأمين وصول شحنات السلاح الإيراني إلى حزب الله في لبنان من جهة أخرى.

1.  سباه باسداران وحزب الله يخوضان ويوجّهان جميع المعارك الكبرى في سورية:

لم يعد من الدقيق وصف الحرب في سورية بأنها “نزاع” بين متمردين سوريين من جهة وقوات نظام بشار الأسد “مدعومة” من قبل سباه باسداران وحزب الله اللبناني والميليشيات العراقية والأفغانية من جهة ثانية. فجميع المعارك الكبرى في سورية – على خطوط التماس مع المناطق التي يسيطر عليها النظام – يخوضها ويوجّهها اليوم سباه باسداران وحزب الله اللبناني، وليس قوات الأسد.

2.  سياسة “الاستنزاف البطيء” التي تتبعها الولايات المتحدة تجاه إيران وحزب الله في سورية:

يعاين التقريران ويقيّمان سياسة “الاستنزاف البطيء” التي تبنّتها الولايات المتحدة وحلفاؤها تجاه إيران وحزب الله في سورية. ويبدو أن منبع هذه السياسة هو افتراض أن حرب وكالة مطوّلة مع النظام الإيراني في سورية، رفقاً مع عقوبات اقتصادية تشلّ الاقتصاد الإيراني وأسعار نفط منخفضة، ستؤدي في النهاية إلى إضعاف النظام الإيراني، وبالتالي إجباره على إيقاف برنامجه النووي العسكري وتغيير سياساته المزعزعة للاستقرار في لبنان وسورية والعراق واليمن.

حتى أن البعض يأمل في أن العوامل المذكورة أعلاه قد تؤدي في النهاية إلى انهيار النظام الإيراني (أي “الفوز بالحرب السورية في شوارع طهران”). 

تُطبّق سياسة “الاستنزاف البطيء” هذه على حساب الشعب السوري والمنطقة عموماً، كما أنها تؤدي شيئاً فشيئاً إلى المزيد من انعدام الاستقرار وزيادة التطرّف في الشرق الأوسط والعالم عموماً.

3. النظام الإيراني والحرب على تنظيم "الدولة الإسلامية":

يوثّق التقريران العلاقة بين النظامين السوري والإيراني من جهة و"الدولة الإسلامية" ومجموعات أخرى مرتبطة بالقاعدة من جهة أخرى. ويخلص التقريران إلى أن كلا النظامين قد اخترق وتعاون مع واستخدم هذه المجموعات الإرهابية من أجل حرف الثورة السورية عن مسارها باتجاه العسكرة والطائفية ولتبرير أعمالهما العسكرية ضد المتظاهرين والثوّار السوريين.

وسوّقا نفسيهما كـ “شريك” في الحملة الدولية ضد التنظيمات الإسلامية المتطرفة.

4.  مصالح الولايات المتحدة الوطنية والإقليمية:

لقد أدّت سياسة “الاستنزاف البطيء” التي تتبعها الإدارة الأميركية، ورفضها تقديم دعم جديّ للثوّار السوريين المعتدلين إلى تقوية مجموعات متطرفة مثل التنظيم وجبهة النصرة.

فلا يُعقل أن يكون من مصلحة الولايات المتحدة وحلفائها أن يسود بين الجماعات السنية في سورية والعراق اعتقاد أنهم يُتركون ليموتوا، أو يُتركون لرحمة الأنظمة الطائفية المدعومة إيرانياً في هذين البلدين، بينما يركز الغرب على محاربة تلك الجماعات. ولا يُعقل أن يكون من مصلحة الولايات المتحدة وحلفائها أن يُترك النظام الإيراني لتعزيز هيمنته في المنطقة من خلال ميليشيات شيعية عقائدية مدججة بالسلاح لا تقل خطراً على تلك التنظيمات الجهادية.

5. خطوط الدفاع الإيرانية لحماية المنشآت النووية الإيرانية:

إن السبب الأساسي لإصرار النظام الإيراني على إنقاذ نظام بشار اﻷسد بأي ثمن هو الحفاظ على إمكانية إرسال شحنات الأسلحة إلى حزب الله عن طريق سورية، من أجل إبقاء حزب الله رادعاً قوياً ضد أي هجوم محتمل من قبل إسرائيل أو الغرب على منشآت إيران النووية. الحدود اللبنانية-الإسرائيلية هي “خط دفاع” إيران الأساسي.

حزب الله هو سباه باسداران في لبنان، والتدخل الإيراني في لبنان وسورية يتعلق بشكل أساسي بالردع وخلق أفضل التوازنات الممكنة بالنسبة للنظام الإيراني حتى يستطيع بناء قنبلته النووية يوماً ما من أجل ضمان بقائه على قيد الحياة. ولن يتخلى النظام الإيراني، ممثلاً بالمرشد الأعلى آية الله علي خامنئي وسباه باسداران، بسهولة عن هذا الحلم، إن تخلى عنه أصلاً. في الوقت الذي لا يجب أن يقف فيه أحد ضدّ تحسين العلاقات الاقتصادية بين إيران وأية دولة أخرى، لا يمكن للمرء تجاهل حقيقة أن جزءاً كبيراً من المكتسبات المترتبة على ذلك ضمن الشروط الحالية سيُهدر على تمكين المزيد من انتهاكات حقوق الإنسان في إيران والمزيد من جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية في سورية وغيرها.

6. الإنكار الأميركي بشأن الوضع في سورية لتجنب مواجهة مباشرة مع إيران:

لا تريد الولايات المتحدة وحلفاؤها بعد الاعتراف بأن حربها في سورية والعراق هي حرب وكالة ضد النظام الإيراني بشكل أساسي. وسبب ذلك غالباً هو أنها لا تريد مواجهة ضغوط لاتخاذ خطوات سريعة وملموسة لإنهاء حمّام الدم في سورية والعراق ولفرض الاستقرار في لبنان واليمن، ما من شأنه أن يدفعها باتجاه مواجهة مباشرة مع إيران.

ويقتصر القرار الأميركي في أيلول/سبتمبر 2014 بدعم المعارضة السورية المعتدلة على محاربة متطرفي تنظيم "الدولة الإسلامية". ليس هناك أي ذكر لسباه باسداران وحزب الله، ولا يزال الثوار السوريون المعتدلون ينتظرون تبلور الوعود الأميركية بدعمهم. عواقب هذه السياسة على سورية والشعب السوري كارثية.

إن الاعتقاد السائد بأن الولايات المتحدة وحلفاءها “غير معنيين” بوقف أو مجابهة الهيمنة الطائفية المتزايدة للنظام الإيراني في المنطقة لن يؤدي سوى إلى زيادة شعبية المجموعات المتطرفة، مما سيزيد من صعوبة هزيمتها، إن لم يجعلها مستحيلة. لا يُعقل أن يكون ذلك من مصلحة الولايات المتحدة وحلفائها.

وخلص التقريران إلى توصيات سياسية:

-  معاملة المناطق السورية الخاضعة لسيطرة النظام على أنها أراض محتلة من قبل إيران

- الإقرار علناً بأن الحرب في سورية هي، قبل كل شيء، حرب مع النظام الإيراني والميليشيات التي يتحكم بها (حزب الله اللبناني والميليشيات الشيعية العراقية والأفغانية).

- التعامل مع الحرب في سورية على أنها نزاع دولي طرفاه الأساسيان احتلال أجنبي من قبل النظام الإيراني وميليشياته ونضال تحرري يخوضه الشعب السوري ضد هذا الاحتلال الأجنبي.

- تحميل النظام الإيراني المسؤولية عن الانتهاكات المتكررة لواجباته كقوة احتلال في المناطق السورية الخاضعة لسيطرة النظام، وفقاً لاتفاقية جنيف الرابعة.

-  التحقيق في الدور الإيراني في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية المرتكبة في سورية

- على جهات دولية مختصة ومستقلة أن تحقق في التورط المحتمل للنظام الإيراني، ولا سيما سباه قدس وقائده الجنرال قاسم سليماني، في مختلف جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتُكبت في سورية منذ آذار/مارس 2011.

- إحالة الوضع في سورية إلى محكمة الجنايات الدولية في لاهاي للتحقيق في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية المرتكبة في سورية، بما في ذلك دور النظام الإيراني فيها.

- إضافة جميع المسؤولين الإيرانيين والهيئات الإيرانية المتصلة بالأعمال الإرهابية المرتكبة في سورية إلى قوائم الإرهاب الأميركية والأوروبية، وفرض العقوبات المناسبة عليهم. وعلى هؤلاء أن يشملوا سباه باسداران وذراعه الخارجية سباه قدس، قوات الباسيج الإيرانية، حزب الله اللبناني، لواء أبو الفضل العباس وغيره من الميليشيات العراقية والأفغانية التي تقاتل في سورية

- إنهاء سياسة “الاستنزاف البطيء” تجاه إيران وحزب الله وتبين أسس التفاوض المتوازن مع إيران.

ثم وجه التقرير رسالة إلى الولايات المتحدة وحلفائها مفادها التحرك ضمن إطار ما يعرف بعُرف “مسؤولية الحماية”:

    تقع على الدولة مسؤولية حماية سكانها من الإبادة الجماعية والتطهير العرقي وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.
    تقع على المجتمع الدولي مسؤولية مساعدة الدول في حماية سكانها.
    من الواضح أن نظام الأسد وداعميه الإيرانيين قد فشلوا في حماية السكان السوريين من الأعمال الوحشية الجماعية، كما فشلت جميع المحاولات الدبلوماسية في ذلك. لذا فإن المجتمع الدولي يتحمل مسؤولية التدخل من خلال إجراءات قسرية مثل العقوبات الاقتصادية والتدخل العسكري.
    “مسؤولية الحماية” عرف وليس قانوناً، لكنّ له أسساً متينة في القانون الدولي، وخاصة في القوانين المتعلقة بالسيادة، الحرب والسلم، حقوق الإنسان والنزاعات المسلحة.
    يتمتع مجلس الأمن وحده بسلطة اللجوء إلى الخيار الأخير والتدخل عسكرياً.

وتعتقد (نامه شام) أن تهديداً جدياً وذا مصداقية باستخدام القوة، إذا لم تستجب إيران لهذه المطالب، هو فقط ما سيجبر النظام الإيراني على إنهاء سياساته المزعزعة للاستقرار في سورية والعراق ولبنان واليمن والتخلي عن جهوده لامتلاك القنبلة النووية، مرة وإلى الأبد. وغالباً ما ستبوء أية سياسات “ناعمة” أخرى بالفشل ولن تؤدي سوى إلى تقوية نفوذ سباه باسداران في المنطقة، الذي سيؤدي بدوره إلى فرض النظام الإيراني نفسه كقوة نووية، لأن أحداً لن يستطيع آنذاك منعه من امتلاك القنبلة النووية.

 


نامه شام

المصادر: