ذنب الطفولة!!

الكاتب : سلسبيل زين العابدين
التاريخ : ١٥ ٢٠١٤ م

المشاهدات : 2897


ذنب الطفولة!!

بعينين دامعتين طالتا سحب السماء .. وقلب مكلوم مكسور أمام قوانين البشر .. زفرت بحرقة وألم دفينيين مادة بصرها إلى الأفق البعيد .. رب أنت من حفظ موسى ورده لأمه بعد أن ألقته في اليم خوفا من ظلم الطاغية .. رب احفظ أبنائي بعينك التي لا تنام فإنك خير الحافظين .. رب إني لا أراهم ولا أعلم حالهم ..

 

 

ولكنك تراهم وتعلم بهم فاجعلهم يارب دواء لقلبي المكسور وإني أستودعك إياهم فاحفظهم فإنه لا يعلم ألمي إلاك يا أرحم الراحمين.. أنزلت يديها ومسحت دمعات مسترسلات على خدها وطافت بها ذكرياتها مع فلذات أكبادها..
طفلتي الصغيرة ذات الأعوام الأربعة بشعرها البني المسترسل وخديها النابضين بلون الورد وعيناها المليئتان بالطهر والبراءة كيف غدا ثغرك الباسم يا حبيبتي؟!
هل لعبتي مع دميتك وماذا أسميتها؟!
كيف نمتي البارحة ومن حضنك وطبع قبلة النوم على جبينك الناعم وحكى لك حكاية النوم ولامس أصابعك الصغيرة الرقيقة ؟! هل لا زلت تغارين من أخيك الأصغر؟! أم شعرتي بالحزن عليه لأنه غدا بلا أم مثلك فتقاسمتما الشعور بالألم وتعاهدتما بصمت وحزن أن تكونا حبيبين صادقين بريئين كما هي براءة عمركما ولا تسمحا للكبار أن يشوها عهدكما يا حبيبي.. هل حضنت أخاك يا صغيرتي حين بحث عني؟؟
وهل وعدتيه أن ماما لن تتأخر لأنها لن تترك أطفالها أبدا كما عودتهم لأنها تحبهم ؟؟
هل بكى أخاك كثيرا عند النوم لأنه لم يجد حضن أمه الذي تعود عليه لينام بدفئ وعمق؟؟
ليتك تستطيعين إجابتي يا وردتي.. ليتك تستطيعين البوح لي بما يخالج رأسك الصغير من حزن وألم.. وتخبريني عن كل ما حُكِي لك عني لتنفسي عن غضبك وألمك.. هل أخبروك يا صغيرتي أنني لا أحبكم؟!
هل قالوا لك أن ماما لن تعود وتركوك مكسورة الفؤاد بين تصديق كلام الكبار وتصديق قلبك الطاهر بأن أمك تحبك ولن تتركك أبدا؟!
هل بقيت حائرة يا مهجة روحي لا تعرفين من تصدقي؟! هل ترقرقت دمعتك على جفنيك لا تستطيع الرجوع ولا النزول تعلن ألما زلزل كيانك يحكي ظلم الكبار وقسوتهم ؟!
هل ضاعت نداءات أخيك في الليل بحثا عني فتلقتها الأبواب والجدران لأن قساة البشر لا يفقهون لغة القلوب وطهر عيون الأطفال!! كيف أنتما يا طفلي البريئين؟! كيف أنتما وبأي حال تعيشان؟!
وأسبلت عينيها مرة أخرى ودموعها الحرى تأبى التوقف ولا تجد ملاذا لها إلا أن ترفع يديها مرة أخرى تناجي ربها بصمت أن يربط على قلبها كما ربط على قلب أم موسى.. وتحملها الذكريات مرة أخرى إلى منزلها قبل فراق أبنائها وتستذكر لحظة الفراق بكل تفاصيلها وألمها وقهرها وظلمها وكأنها تعيشها اللحظة وتنظر إلى ابنتها وهي تتشبث بعباءتها وتصيح بألم وخوف وكأن عالمها الصغير توقف تلك اللحظة ليسطر نهاية مأساة وتصرخ الصغيرة (ماما لا تتركيني أنا أحبك) وتتمسك بها بقوة تترك أثرا في ذراع أمها ووجها وهي تبكي وتصيح حتى لا تبتعد عنها أمها..
وتختلط صيحاتها بدموع أخيها والذي لم يبلغ من الأعوام ثلاثة وهو يحاول ألا يترك مجالا لأحد ليبعده عن ذلك الصدر الحنون الذي ينام عليه كل لحظة والذي يؤيه عند خوفه وعند حزنه وعند جوعه وعند ظمأه ..
وتتعلق الأم بطفليها تعلق الغريق بالقشة يذرفون الدموع تباعا وتتوالى توسلاتهم ورجاءاتهم للبشر ألا تفرقونا وتقطعوا أوصالنا.. ويدوي صوت كالرعد في الأرجاء وكأنه قادم من غياهب الغابات لا يبصر أي مشهد إنساني أمامه لينطق بكل ما أوتي من صلف وقسوة وعتوٍ ((أنت طالق)) وأبناؤك لن يكونوا لك أبدا ولن تكتحل عيناك بتربيتهم أو الجلوس إليهم فتتعالى الصيحات وترتفع الزفرات والشهقات من الأم
وصغارها.. فقد نزل الحكم البشري عليهم.. ووأد أحلاما برئية لا زالت في مهدها.. وحطم قلوبا صغيرة رسمت آمالا كبيرةً في حياة لم تشرق لهم شمسها سوى يومين.. لا لشيء!! إلا أنهم كانوا ثمرة زواج فاشل.. تجفف دمعاتها من جديد وترفع يديها بإلحاح على ربها أن يجمعها بطفليها الصغيرين..
يارب إنهما بريئان طاهران ليس لهما من أمرهما شيء فلا تحرمهما مني .. يارب إنهما بحاجتي لأرعاهما واتعاهدهما ليكبرا صالحين طائعين بعيدين عن ترهات عتاة القلوب..
يارب لا تؤاخذهما بما جنينا نحن الكبار فإنهما بلا حول ولا قوة..
يارب سخر لهما من يأخذ بأيديهما ويجبر كسر قلبيهما فإني بلا حول ولا قوة..
يارب يارب يارب وتمتد نداءاتها وتوسلاتها تقرع أبواب السماء ليلا ونهارا.. وهي موقنة أنها لا بد ستفتح وستنزل الرحمات عليها وعلى فلذات كبدها الممزقة..
أما ذلك العُتُل الذي لم يرحم دمعات أطفاله ونداءاتهم.. فلم يخطر في ذهنه مجرد خاطر أن يفكر بطفلين بريئين طاهرين فيحملهما ذنب قسوته وصلفه وعناده ويجعلهما أداة رخيصة للتهديد والوعيد فيقطع حبال الود وينسى الفضل ويجرح بقايا كبرياء في نفسها المقهورة ليرضي غرور رجولته المزيفة معتقدا أنه فعل كل ما يجب لرعاية أطفاله حين حرمهما الحضن الدافئ والوجه الضاحك واللمسة الحانية.. حين حرمهما أمهما وهو بذلك إنما يثأر لنفسه ولا يلقي بالا لأطفاله وحالهم.
لم تشأ أن تغرق في بحر آلامها أكثر من ذلك فنفضت عن نفسها الألم وجففت دموعها وأوصدت أبواب قلبها المكسور وفتحت نافذتها لتسمح لأشعة الشمس التي تستأذن في الدخول إلى غرفتها لتستقبل يوما جديدا مشرقاً بأمل كبير تنتظره من ربها..
ملاحظة هذا المشهد يتكرر في كثير من بيوت المطلقين ينادي العقلاء وذوي القلوب وأصحاب الإنسانية (رحمة بأطفال المطلقين) فلا ذنب لهم.

المصادر: